عادي

«كوب 28» طوق النجاة للأرض

01:09 صباحا
قراءة 4 دقائق

إعداد: مصطفى الزعبي

في خضم درجات الحرارة المرتفعة، والفيضانات، والجفاف، وحرائق الغابات، يجتمع زعماء العالم في جولة أخرى من محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ في الإمارات، بالحدث العالمي «كوب28»، والذي يعد بمنزلة طوق النجاة للأزمات التي وضعت مناخ الأرض في ورطة.

ومن خلال هذا المؤتمر ستقود الإمارات جهود الدول واقتراحاتها والحلول المستدامة للتحديات المناخية، وسلة أهداف مناخية منها: التحول العالمي السلس إلى الاقتصاد الأخضر، وتحقيق الاستدامة والتنوع الاقتصادي، وزيادة النمو، وتذليل العقبات أمام ذلك، والانتقال إلى عمليات التنفيذ، وتجاوز مرحلة التسويف، وسيوحد المؤتمر الجهود العالمية لتقليل انبعاثات الكربون، وإيجاد الحلول للتحديات المناخية، وتعزيز العمل الجماعي؛ لضمان مستقبل مستدام.

يقول المؤرخون: إن الأشخاص الذين ادعوا القدرة على التحكم في الطبيعة وموارد الطاقة من حولهم، رأوا في البيئة أداة يمكن استخدامها لتحقيق التقدم، وعلى مدار مئات السنين، أدى هذا الدافع إلى إعادة تشكيل مناخ الكوكب أيضاً، ودفع سكانه إلى حافة الكارثة للتغير المناخي.

وأعطوا مثالاً على ذلك، مكسيكو سيتي التي تعود إلى قرون مضت، كانت قائمة على جزر وسط بحيرة تيككوكو. وفي السنوات الأخيرة، اختفت معظم البحيرة، وجفت منذ فترة طويلة، لإفساح المجال للبناء والنمو الذي يضم اليوم 22 مليون شخص ينتشرون على حواف وادي المكسيك.

وقال لويس زامبرانو، أستاذ علم البيئة في الجامعة الوطنية في المكسيك: «الطبيعة لا تسبب هذه المشاكل الضخمة لوحدها».

وفي أماكن أخرى، تمت إزالة الغابات من مساحات شاسعة من الأراضي لأغراض الزراعة أو رعي الماشية، أو تدهورت وتلوثت بسبب المحاجر والتعدين للمعادن. وأدى استغلال الطبيعة للحصول على مواردها إلى تحقيق التقدم والإنتاجية بالنسبة للبعض، لكنه كان أيضاً محركاً رئيسياً للانبعاثات والتدهور البيئي.
الفحم محرك الاقتصادات

بينما بنيت مدينة مكسيكو فوق الماء، كانت بريطانيا تستغل مساحات شاسعة من الفحم الذي ساعد بنهاية المطاف في تشكيل غطاء من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تضر الغلاف الجوي.

واستخدموا الفحم في المنازل للتدفئة والطهي، ولم يكن المصدر الوحيد للطاقة؛ إذ كانت الأخشاب أيضاً من المصادر، لكن الميزان مال بشكل كبير لمصلحة الفحم خلال أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر من خلال الاختراعات التكنولوجية؛ مثل: الطاقة البخارية، وطرق النقل الجديدة مثل القنوات ووسائل النقل وفي وقت لاحق السكك الحديدية.

وعندما وصل الاقتصاد البخاري لتطوير محركات تعمل بالفحم لتسخين المياه وإنتاج الطاقة البخارية سهّل على أصحاب المصانع التحكم في العمل والطبيعة، مقارنة بالاقتصاد القائم على الطاقة المائية.

وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، اعتمدت الطاقة البخارية في الصناعات التحويلية ومصانع القطن والسفن البخارية والقاطرات حول العالم، ما أدى إلى تحول الفحم إلى تجارة عالمية.
بداية التغير

أنشأت القرون السابقة الظروف المناسبة لتغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية، ولكن الأجيال القليلة الماضية جعلت ذلك حقيقة واقعة.

في عام 1960، أطلق البشر نحو 9 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون في الهواء؛ وفي عام 2021، أنتجوا 36 مليار طن، وفقاً لمشروع الكربون العالمي.

وارتفع استخدام الطاقة بشكل كبير؛ حيث أصبح شراء السيارات والسفر الجوي والتكنولوجيا متاحاً بشكل أكبر في العديد من دول أمريكا الشمالية وأوروبا. وكانت دول أخرى مثل الصين واليابان والهند تقوم بتجميع أنظمة الطاقة الخاصة بها، اعتماداً على الوقود الأحفوري، وحدث كل هذا وسط تزايد الفهم والقلق بشأن الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

ونما استخدام النفط في أواخر القرن التاسع عشر؛ لأنه لم يكن يتطلب عمالة كثيفة مثل الفحم، وهو أكثر ثراءً بالطاقة، كما أنه أسهل في نقله.

وقال جيه آر ماكنيل، المؤرخ في جامعة جورج تاون: «يمكن شحن النفط كسائل عبر الأنابيب، وكذلك عن طريق الشاحنات والناقلات وعربات السكك الحديدية».

وأدى ظهور السيارات في عشرينات القرن العشرين إلى قيام الولايات المتحدة ببناء نظام الطاقة الخاص بها والكثير من تقنياتها حول محركات الاحتراق الداخلي التي لا تزال تهيمن على السيارات والسفن والطائرات.

مقياس للتنمية

في الصين واليابان، كان الاستهلاك المتزايد بمنزلة مقياس للتنمية الاقتصادية في أوائل القرن العشرين، كما قال مؤرخ العلوم في جامعة هارفارد، فيكتور سيو.

ودرست اليابان التعدين الغربي لتطوير حقول الفحم الخاصة بها في كل من جزرها الأصلية وإمبراطوريتها.

وتعد الصين أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم حالياً، على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تتفوق عليها تاريخياً.

وفي الهند أيضاً، التي كانت جزءاً من الإمبراطورية البريطانية حتى حصولها على الاستقلال في عام 1947، تم استخدام الفحم لتعزيز تنمية البلاد، ومساعدة حكومات الولايات على كسب الدعم الشعبي، كما تقول إليزابيث تشاترجي، المؤرخة في جامعة شيكاغو الأمريكية.

وأنشأت الهند محطات مملوكة للدولة تعمل بالفحم، وبدأت في كهربة مدنها ومزارعها الأكبر حجماً، مع عدم وصول العديد من المناطق الريفية الأخرى إلى الخدمة حتى أوائل القرن الحادي والعشرين.

وقال تشاترجي: «تحدثت إنديرا غاندي، في وقت مبكر من عام 1981، علناً عن تغير المناخ، باعتباره تهديداً، لكنها واصلت استخدام الفحم وكانت بداية لعدم تطبيق».

زخم أمريكي

في الولايات المتحدة، بدأت القضايا البيئية تكتسب زخماً في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، مع أول يوم للأرض في عام 1970، بحسب ما قال جوشوا هاو، مؤرخ البيئة في كلية ريد في بورتلاند بولاية أوريغون. واستشهد بالتشريعات الرئيسية لإنشاء وكالة حماية البيئة الأمريكية، وقانون الأنواع المهددة بالانقراض؛ باعتبارها استجابات كبيرة لتلك اللحظة الكبيرة.

وأشار هاو أيضاً إلى عدم الرغبة في الانضمام إلى اتفاقيات المناخ الدولية، بما في ذلك تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع في عام 1997 ضد التوقيع على أي معاهدة مناخية تقضي بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

وقال هاو: إن هذا التصويت جاء، في رأيي، إلى حد كبير عندما ذهب التفاؤل بشأن الالتزام على المستوى الوطني بالتخفيف من آثار تغير المناخ وخاصة من خلال الاتفاقيات الدولية إلى الدخان.

لكن العديد من المؤرخين يتفقون، وسط كآبة المخاوف المتصاعدة بشأن المناخ والبيئة، على أن التحولات الجذرية بعيداً عن أفكار التقدم التي تعود إلى قرون من الزمن يمكن أن تشكل مستقبلاً أفضل.

وقال فريدريك ألبريتاون جونسون، المؤرخ بجامعة شيكاغو: «إذا أعاد البشر التفكير في الحاجة إلى النمو المستمر، فيمكن للمجتمعات أن تعمل ضمن قيود الموارد المحدودة وحدود الغلاف الجوي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc3rnvsm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"