شركاء في الإنسانية

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

يعتقد الكثيرون أن قضايا التغير المناخي تقتصر على مسألة احترار الأرض، وأنها قضايا خاصة بالعلماء والمختبرات البحثية، ويتوسع البعض فيتطرق إلى الجانب الاقتصادي للمسألة، من حيث الأنشطة التي تقوم بها البلدان الرأسمالية وتؤدي إلى الاحتباس الحراري، ولكن إذا تعمقنا أكثر من ذلك سنجد أن التغير المناخي مسألة تتعلق بحقول عديدة يدخل فيها التاريخ والفلسفة وربما الأدب بدرجة ما.

منذ نهايات القرن التاسع عشر، وهناك رؤى ومدارس جديدة حاولت أن تبحث في العوامل المحركة للتاريخ، وبين فترة وأخرى كان بعض المنظرين يحاول تفسير مسار التاريخ وفقاً لأحد هذه العوامل، وسنكتشف أنه في بدايات القرن العشرين بدأ بعض المؤرخين يأخذون عامل المناخ في الاعتبار عند تفسير الأحداث التاريخية الكبرى، وهناك من يقول إن الثورة الزراعية التي شهدتها أوروبا منذ القرن الرابع عشر كانت نتيجة لموجة أمطار متواصلة هطلت على أوروبا بداية من عام 1315، واستمرت لمدة سبع سنوات، وأن التخلف الزراعي في فرنسا خلال القرن الثامن عشر كان أحد أسباب الثورة الفرنسية، وبالمثل فإن هناك من يفسر موجات الهجرات الضخمة والحروب والمجاعات التي راح ضحيتها الملايين بعامل المناخ، والذي أصبح، في السنوات الأخيرة، البطل الأول على مسرح التاريخ.

وعلى الدرب نفسه سار كل مهتم بالمستقبل، وبرع كتّاب الخيال العلمي في رسم صور مأساوية لغد مضطرب المناخ، ونشأ مصطلح «أدب نهاية العالم»، أو «أدب ما بعد المحرقة»، وشاهدنا الكثير من الأفلام التي تصور أقلية من البشر تعيش إما في عالم تغمره المياه أو في أرض جرداء تتضاءل فيها فرص الحياة، أو في مجتمع مغلق ومعزول عن الخارج تحكمه قوانين أطلق عليها البعض «قوانين الفاشية المناخية»، وهناك سيناريوهات لحروب مأساوية ستنشب نتيجة للصراع حول الأماكن الصالحة للعيش.

ودخلت الجغرافيا على الخط، وأصبحت هناك خرائط للبلدان التي ستتضرر أكثر بارتفاع درجات الحرارة، وستتعرض لموجات من الجفاف أو ستتآكل شواطئها، ومنها بلدان في المنطقة العربية التي يبدو أن ثقافتها لم تستوعب بعد التأثيرات السلبية للتغير المناخي، ولذلك لم تنتج تلك الثقافة، للأسف، ما يعبّر عن قلقها تجاه المستقبل. وانعقاد مؤتمر الأطراف السابق في شرم الشيخ المصرية، والمؤتمر الحالي في الإمارات فرصة للعرب جميعاً لرفع مستوى الوعي والاهتمام بالتغير المناخي، ففضلاً عن أن المسألة تمسّنا بصورة مباشرة، فلا بدّ أن نتشارك مع الإنسانية في وسائل تعبيرها عن الخطر المحدق بجميع البشر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4k7kv7dn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"