عادي

عذب الكلام

23:06 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمِّ اللغات

من الأساليب البلاغية الجميلة، الكنايةُ، وهي: لفظٌ أُطلقَ على شيءٍ أُريدَ بهِ لازمُ معناه، معَ جوازِ إرادةِ ذلك المعنى، قال أحدُهم، يصفُ حجّاماً:

أَبوكَ أبٌ ما زالَ للنّاسِ مُوجعاً

لأَعْناقِهِمْ نَقْراً كما يَنْقُرُ الصَّقْرُإذا عَوَّجَ الكُتّابُ يوماً سُطورَهُمْ

فَلَيْسَ بِمُعْوَجٍّ لَهُ أبداً سَطْرُنَقَرَ الطَائرُ الحَبَّةَ: الْتَقَطها. ونَقَرَ الشّيْءَ: نَقَبَهُ بالمِنقار، والمُرادُ: أنَّهُ يَنْقُبُ عُروقَ الإنسانِ بِمِحْجَمِه.وقال البُحتريّ:

فأتْبَعْتُها أُخْرى وأضْلَلْتُ نَصْلَها بِحَيْثُ يكونُ اللُّبُّ والرُّعْبُ والحِقْدُ

والمقصودُ، القَلْبُ الذي يجمعُ تلكَ الصّفاتِ.

دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

لابنِ الفارض (عُمر بنِ عليّ)

(من الخفيف)

خَفِّفِ السَّيْرَ واتّئِدْ يا حادي

إنّما أنْتَ سائقٌ بفُؤادي

ما تَرى العِيسَ بَيْنَ سَوْقٍ وشَوْقٍ

لرَبيعِ الرُّبوعِ غَرْثَى صَوادي

لمْ تُبَقّي لها المَهامِهُ جِسْماً

غَيْرَ جِلْدٍ على عِظامٍ بَوادي

وتَحَفّتْ أخْفَافُها فَهْيَ تمْشي

مِن وَجاها في مِثْل جَمْرِ الرَّمادِ

وبَراها الوَنَى فحَلّ بُراها

خَلّها تَرْتَوِي ثِمادَ الوِهادِ

شَفَّها الوَجْدُ إنْ عَدِمْتَ رِواها

فاسْقِها الوَخْدَ مِنْ جِفارِ المِهادِ

يا أَخِلّايَ هَلْ يَعودُ التَّداني

مِنْكُمُ بالحِمَى بعَوْدِ رِفادي

ما أَمَرّ الفِراقَ يا جيرَة الحَيْ

يِ وأحْلَى التّلاقِ بعدَ انفرادِ

كَيْفَ يَلْتَذّ بالحَياة مُعَنّىً

بَيْنَ أَحْشائهِ كَوَرْيِ الزِّنادِ

عُمْرُهُ واصْطبارُهُ في انْتِقَاصٍ

وجَواهُ ووَجْدُهُ في ازْدِيادِ

في قُرى مِصْرَ جِسْمُهُ والأُصَيْحا

بُ شآماً والقَلْبُ في أَجْيادِ

(غَرْثى: جَوْعى. الثّمادُ: الماءُ القليل. الوخْدُ: السَّيْرُ السريعُ. الجِفار: مفردها: الجُفْرة، وهي السَّعةُ في الأرض).

من أسرار العربية

في الفُروق اللغوية: بَيْن الغَلَطِ، والْخَطأ، واللّحْن، أَنّ الْغَلَطَ: وضْعُ الشَّيءِ فِي غيْرِ مَوْضِعِهِ، ويجوزُ أَنْ يكون صَواباً فِي نَفسِهِ. والْخَطأ، لا يكونُ صَواباً على وَجْهٍ. فالْخَطأ ما كانَ الصَّوابُ خِلافَهُ. فالغلطُ يكونُ في المَنْطِقِ والكَلامِ، وهوَ ألّا تَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوابِ في ما تقولُ. والخَطَأُ يكونُ في الأَفْعالِ، وقدْ يكونُ بِقَصْدٍ، أو بَغَيْر قَصْدٍ. أما اللّحْنُ، فهو صَرْفُ الْكَلامِ عَن جِهَتهِ، ثمَّ صار اسْماً لازِماً لمُخالفَة الْإِعْراب.

بَيْن الْعَهْد والميثاق: أنّ الْعَهْد ما كانَ من الْوَعْدِ مَقْرُوناً بِشرْط، نَحْو قَوْلك «إِنْ فعلتَ كَذا فعلتُ كَذا»، أما الْمِيثاقُ، فهو توكيد الْعَهْدِ، من قَوْلك أوثقت الشَّيْءَ إِذا أحكمت شدّهُ.

بَيْن «الْعَلامَة والْآيَة»، علامة الشَّيْء مَا يعرف بِهِ الْمُعلّمُ لَهُ وَمن شَاركهُ فِي مَعْرفَته، دون الآخرين، كالحَجَرِ تَجْعَلهُ عَلامَةً لدفينٍ تدفِنِهُ، فَيكون دلَالَةً لَكَ دونَ غَيْرِكَ، إذن، تكون بِالْوَضْعِ والدّلالَة. أمّا الْآيَة، فهِيَ الْعلامةُ الثَّابِتَةُ، من قَوْلك تأيّيتُ بِالْمَكَانِ إِذا َتثبّتّ؛ قَالَ زُهَيْر:

وعَلِمْتُ أَنْ لَيْستْ بدارٍ تَئيّةٍ

فَكَصَفْقَةٍ بالكَفّ كانَ رُقادي

هفوة وتصويب

كُثُرٌ لا يفرّقون بين «أو» و«أم»، بعدَ أداةِ الاستفهام (هلْ)، كقولِ بعضِهم: «هلْ جاءَ فُلانٌ أو فُلان؟»، ولا يُستعمل «أو» هنا، والصَّوابُ هو «هل جاء فلان أَمْ فلان؟ لأنَّ «أمْ» هذه حرفٌ للمعادلةِ بَيْنَ شَيْئين، وحرفُ عطفٍ متّصل. أما في جملةٍ ليسَ فيها سؤالٌ، فنقولُ: «سَأذْهَبُ غداً أو بَعْدَ غَدٍ».

ويقولُ آخَرونَ: «ما أَنْ سَمِعَتِ الأمُّ بكاءَ طِفْلِها حتّى سارعتْ إليه». بفتح همزة «أنْ» والصَّوابُ «ما إنْ سَمِعَت» بكسرِها، لأنّ «إنْ» المكسورةَ الهمزةِ التي تأتي بعْدَ ما النافيةِ، تكونُ زائدةً، إذا تبِعَتها جملةٌ فعليّةٌ. والمعنى على ذلك «في اللحظة التي سمعتْ.. سارعت». أما «أن» المفتوحة، فلا تكونُ زائدةً، بلْ لها أثرٌ يظهَرُ في بِنْيَةِ الكلمةِ، وهو غيرُ موجودٍ في التعبير؛ قال أبو العتاهية:

ما إنْ نَدِمْتُ على سُكوتي مَرَّةً

ولَقَدْ نَدِمْتُ على الكَلامِ مِرارا

ولو حُذِفتْ إنْ لَما تَغيّر المَعنى. إذِ المُرادُ «ما نَدِمْتُ».

من حكم العرب

ولا تَصِلِ السّفيهَ ولا تُجِبْهُ

فإنّ وصالَهُ داءٌ عِياءُ

وإنّ فِراقَهُ في كلّ وَقْتٍ

وقطْعَ حِبالِ خلّتهِ شِفاءُ

البيتان للشيباني، يقولُ فيهما إنّ الابتعاد عن السُفهاء، مجلبة للخير والفائدة، وراحة البال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/27h2fvva

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"