عادي

السودان.. شروط لوقف الحرب

23:52 مساء
قراءة 4 دقائق

د. أميرة محمد عبدالحليم

بعثت القمة الطارئة الأخيرة التي بدأتها الهيئة الحكومية للتنمية (الإيجاد) في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2023 بارقة أمل في طريق تسوية الأزمة السودانية، بعد أن أعلن البيان الختامي عن لقاء مرتقب بين قائدَي الجيش وقوات الدعم السريع، لوقف الأعمال العدائية، إلا أن هذا البيان لم يمر عليه الكثير من الوقت حتى تم التشكيك فيه.

ما إن صدر البيان الختامي لقمة الإيجاد في 10 ديسمبر/ كانون الأول، وأكد على اتفاق طرفي الصراع في السودان على اللقاء المباشر للمرة الأولى منذ اندلاع الصراع، إلا وأعلنت الخارجية السودانية عدم اعترافها ببيان الإيجاد لأنه لم يتضمن الملاحظات التي قدمتها، وأن الاجتماع مع قائد الدعم السريع مشروط بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب قوات الدعم السريع من الخرطوم، في حين أكدت «الدعم السريع» أن قبولها الاجتماع مع البرهان مشروط بعدم حضور الأخير بصفته رئيساً لمجلس السيادة الحاكم.

وقد أثارت ردود أفعال طرفي الصراع على البيان الختامي للإيجاد، الكثير من الجدل في الأوساط السياسية السودانية، حيث اتجه البعض لتفسير موقف وزارة الخارجية من البيان، باعتبارها لا تزال متأثرة بتصورات فلول نظام البشير، وما يرتبط بها في تيار الإسلام السياسي.

كما تجددت المعارك بين الجانبين يوم 10 ديسمبر/ كانون الأول، في محيط سلاح المدرعات، والمدينة الرياضية، وأرض المعسكرات جنوب الخرطوم، ومقر قيادة الجيش شرق العاصمة.

الهجوم على قافلة الصليب الأحمر

على الجانب الآخر، جاء الهجوم الذي تعرضت له إحدى قوافل الصليب الأحمر في حي الشجرة بالخرطوم، ليثير مزيداً من علامات الاستفهام حول مستقبل الصراع في السودان، ومصير المدنيين المحاصرين والعالقين في مناطق المعارك، فقافلة الصليب الأحمر كانت متجهة لإجلاء مئة من المدنيين من منطقة خطرة، وتحركت بموجب ترتيبات مسبقة مع طرفي الصراع، إلا أن الجيش أصدر بياناً أكد فيه انه استهدف القافلة لاقترابها من مواقع دفاعية، وكانت تتبعها سيارة مسلحة تابعة للدعم السريع.

وتزيد هذه الحادثة من تعقيدات الأزمة الإنسانية في السودان، خاصة في ظل صعوبات إيصال المساعدات للمتضررين من الصراع. فقد حذرت الأمم المتحدة من خطر توقف المساعدات للسودان، وقد عملت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تنسيق عدة عمليات، على الرغم من المعوقات، ودعت طرفي الصراع للالتزام بحماية البعثات الإنسانية والعاملين فيها، إلا أن استمرار الاقتتال بين الجانبين لم يترك مجالاً لحماية المدنيين، سواء كانوا سودانيين أو من جنسيات أخرى، أو عمال الإغاثة، فقد قتل 19 سودانياً من العاملين في العون الإنساني خلال الأشهر الماضية، ولم يتم التجديد لمنظمة (أطباء بلا حدود) ، فضلاً عن عدم منح تأشيرات دخول البلاد للفرق الإنسانية. يضاف إلى ذلك نقاط التفتيش التي تمر عليها قوافل المساعدات، حيث انقسمت البلاد بين قوتين عسكريتين، على الرغم من موافقة طرفي الصراع على النصوص الواضحة في محادثات جدة، خاصة خلال الجولة الأخيرة في نوفمبر الماضي، والمتعلقة بالالتزام بتيسير عمل فرق المساعدات الإنسانية للتخفيف من وطأة تداعيات الحرب على المدنيين في الداخل .

إغاثة ونزوح

أعربت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، كليمنتين نكويتا سلامي، عن قلقها بشأن مصير 20 مليون سوداني (أي أكثر من 40% من السكان)، لا تستطيع الأمم المتحدة الوصول إليهم بسبب ظروف الحرب، وأن الأمم المتحدة تحتاج إلى 2.6 مليار دولار للإغاثة الإنسانية في السودان، لم تتلق منها حتى اليوم سوى 38.6% فقط، وقد سجلت الأمم المتحدة مقتل 12 ألف مواطن نتيجة الاقتتال، وهذا ليس العدد الفعلي للقتلى، كما ترك أكثر من 7 ملايين سوداني منازلهم، وهذا أكبر نزوح في العالم، ويحتاج حالياً 24.7 مليون سوداني، أي نصف عدد السكان، إلى مساعدات إنسانية، ولم تصل المنظمة إلا إلى 4 ملايين فقط، وتعتبر الخرطوم من أكثر المناطق صعوبة في الحصول على العون الإنساني.

وكانت الأمم المتحدة نقلت مقرها والعاملين فيها منذ الأيام الأولى للحرب من الخرطوم، إلى بورتسودان، حيث تمتلك المدينة ميناء ومطاراً لا يزالان يعملان في البلاد. واقتصرت أنشطت المنظمة على شرق البلاد، ومؤخراً تمكنت المنظمة من الوصول، وبشكل محدود عبر تشاد إلى مناطق في إقليم درافور، حيث وصلت الانتهاكات الإنسانية في بعض أجزائه إلى مستويات التطهير العرقي، والإبادة الجماعية.

وأخيراً، فقد حملت القمة الطارئة الأخيرة لمنظمة الإيجاد تفاؤلاً بإمكانية عقد لقاء يجمع قائدي الحرب في السودان، البرهان وحميدتي، وفي حال تحقق ذلك قد يكون البداية للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار من ناحية، والبدء بترتيبات للحوار حول مستقبل الدولة السودانية، على المستويات الأمنية والعسكرية أو السياسية، كما حظيت القمة بترحيب أمريكي واضح، ومشاركة من دول جوار السودان، إضافة إلى الإمارات والسعودية وقطر، وربما كانت الجولة التي قام بها الفريق البرهان لكل من، كينيا وإثيوبيا وجيبوتي، والتي سبقت عقد القمة ثم حضوره لقمة الإيجاد، تمهيداً لترتيبات من شأنها وقف آلة الحرب، كما يرى البعض أن حميدتي يرغب هو الآخر في إنهاء الصراع، وعلى الرغم من المزايدات التي اتسمت بها ردود أفعال الطرفين على البيان الختامي للإيجاد، إلا أنه يمكن النظر إليها باعتبارها محاولات لحصول كل طرف على مزيد من المكاسب عند التفاوض، لكنها لن تقف حائلاً أمام الاتصالات التي بدأت بين الدول المشاركة في قمة الإيجاد وطرفي الصراع، من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة تحد من النزيف البشرى والمادي الذي تشهده السودان منذ أكثر من سبعة أشهر .

*باحثة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/24z2cxum

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"