عادي

السودان.. غبار المعارك يسد آفاق التسوية

23:02 مساء
قراءة 4 دقائق

د. أميرة محمد عبدالحليم*

شهدت الأيام الأخيرة تطورات ميدانية مهمة في الصراع السوداني، حملت العديد من الدلالات التي من المأمول أن تدفع في اتجاه تسوية الأزمة، حيث اتجهت قوات الدعم السريع إلى مد مواجهاتها مع الجيش إلى ولاية الجزيرة، وتمكنت من السيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة الولاية، ما انعكس على الأزمة الإنسانية في البلاد، مع اضطرار الآلاف من سكان الولاية والنازحين للفرار نحو المدن المجاورة، وسط تكهنات مختلفة حول أسباب انضمام ولايات جديدة للصراع.

تواصلت المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عدد من محاور القتال في الخرطوم خلال الأيام الأخيرة، حول محيط سلاح الإشارة بمدينة بحري وسلاح المدرعات. إلا أن المواجهات بين الجانبين شهدت نقلة نوعية خطرة مع وصول الصراع إلى ولاية الجزيرة، ثاني أكبر ولايات السودان في عدد السكان، والثقل الاقتصادي بعد العاصمة، وفيها أكبر مشروع زراعي في البلاد عمره 98 عاماً، هذا فضلاً عن موقعها الاستراتيجي الذي يربط بين الخرطوم التي تبعد عنها 180 كيلومتراً مع ولايات شرق البلاد، وتؤوي مئات الآلاف من النازحين، أغلبهم من العاصمة.

وكانت قوات الدعم السريع خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، تهاجم عدداً من القرى والبلدات في شمال ولاية الجزيرة، وفى 14 ديسمبر/ كانون الأول 2023 هاجمت منطقة أبو قوتة في جنوب الولاية، وسيطرت عليها، ونهبت بعض ممتلكات المواطنين، وأحد المصارف، قبل أن تنسحب، لتبدأ توغلها في الولاية بأكثر من 200 مركبة مقاتلة، واتجهت صوب ود مدني بعد اقتحام عدة قرى.

وفي 19 ديسمبر/ كانون الأول 2023 أقر الجيش السوداني بانسحاب قوات رئاسة الفرقة الأولى مشاة من ود مدني، وأنه يجري تحقيقاً حول أسباب وملابسات الانسحاب.

تعميق الأزمة الإنسانية

مع تصاعد المواجهات المسلحة بين طرفي الصراع، ووصولها إلى مدن وقرى ولاية الجزيرة في وسط السودان، خصوصاً مدينة ود مدني عاصمة الولاية الاستراتيجية وذات الثقل الاقتصادي والسكاني الكبير، حيث كانت ولاية الجزيرة ملجأ ليس للنازحين فقط، بل لكل من يحتاج إلى العلاج في كل أنحاء السودان، أطلقت منظمة الصحة العالمية، تحذيراً بشأن تدهور الوضع الصحي والإنساني في السودان، مع تصاعد القتال المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع، وامتداده إلى ولاية الجزيرة. وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن ما لا يقل عن 250 إلى 300 ألف شخص فروا من أماكن إقاماتهم منذ 15 ديسمبر/ كانون الأول، بسبب الاشتباكات بين طرفي الصراع في مدينة ود مدني جنوبي الخرطوم.

وخلال مؤتمر صحفي أعرب المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، أحمد المنظري عن قلقه الكبير من التدهور السريع للموقف في السودان، الذي يشهد الآن أكبر موجة نزوح للأطفال في العالم، مع اقتراب النظام الصحي في البلاد من مستوى الانهيار، وصعوبات وصول منظمة الصحة العالمية والمنظمات الإغاثية للمتضررين، ومعاناة ملايين السودانيين من الجوع. فهناك ما يقرب من 17.7 مليون إنسان في شتى أنحاء السودان، يعانون من انعدام تام في الأمن الغذائي، منهم 4.9 مليون على شفا المجاعة، كما ارتفعت تقديرات إجمالي المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية في عام 2023، من 15.8 مليون إنسان، إلى 24.7 مليون، وانتشار وباء الكوليرا في 9 ولايات من أصل 18 ولاية في البلاد، وأطلقت وزارة الصحة السودانية بياناً شرحت فيه ما وصل إليه النظام الصحي في البلاد من تدهور، كما أودت الحرب بحياة 12190 شخصاً، وفق تقديرات منظمة «مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها» (ACLED)، وعلقت وكالة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أعمال الإغاثة في ولاية الجزيرة، بعد وصول الصراع إليها. فضلاً عن العنف الجنسي الذي تتعرض له ملايين النساء في السودان جراء الحرب، فقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن هناك أكثر من 4 ملايين امرأة وفتاة يتعرضن لخطر العنف الجنسي في جميع أنحاء السودان.

وإلى جانب ما تشهده ولاية الجزيرة من انتهاكات، بدأت بعض التقارير التحدث عنها، مع انطلاق حملات على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بحماية النساء في السودان، وظهرت العديد من الروايات التي سردها اللاجئون إلى تشاد من مدينة الجنينة في إقليم دارفور حول المجازر التي ارتكبت في المدينة.

وأمام هذا المشهد المتطور للصراع في السودان الذي تجاوز شهره الثامن، تبرز العديد من التساؤلات حول أسباب توسيع رقعة الصراع نحو ولايات جديدة كانت تمثل ملجأ للنازحين، مثل ولاية الجزيرة، حيث تتعدد التفسيرات، فقد تكون قوات الدعم السريع زادت عليها الضغوط من الجيش في الخرطوم، فاتجهت إلى التخفيف عن مقاتليها بانتقال البعض منهم إلى ولايات جديدة تضم بعض الموالين لها، حيث يعتقد أن الهجوم على ولاية الجزيرة كان بقيادة قوات «درع السودان»(تأسست في 2022 )؛ التي انضمت إلى صفوف قوات الدعم السريع وقائدها، وهو ضابط سابق في الجيش؛ وتتواجد في مناطق سهل البطانة الذي يمتد من شرق الجزيرة في وسط السودان، وحتى مدينة القضارف في الشرق، وعطبرة في الشمال، وربما أن قوات الدعم السريع تستمر في سعيها للسيطرة المكانية على مناطق جديدة بما ينعكس على موقفها التفاوضي، وقد يكون الاستيلاء على مدينة ود مدني نقطة تحول في هذا الاتجاه.

على كل حال، لا تزال الأوضاع الأمنية والإنسانية والسياسية في السودان مستمرة في التدهور من دون إحراز تقدم حقيقي من الوسطاء في إقناع، أو إجبار طرفي الصراع على وقف القتال.

* باحثة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/pj2xwvv3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"