العربية والأجيال الجديدة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

في 18 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام نحتفي باليوم العالمي للغة العربية. وبرغم الندوات والأمسيات والطابع الاحتفالي للمناسبة، إلا أن الكثيرين يرون أن اللغة العربية ليست في أحسن حالاتها على مستويات عدة، لعل من أبرزها مسألة قديمة تعود إلى عقود سابقة طويلة، وتتمثل في أنها ليست لغة منتجة للعلوم، والأصح أنها لغة لا تُكتب بها العلوم، وفارق كبير بين المعنيين، فاللغة لا تنتج شيئاً بنفسها، ولكن أهلها هم من يوظفونها في التعبير عن مختلف القضايا بما فيها العلوم.

مستوى آخر جديد يعتبره البعض دلالة على تراجع لغتنا ويتعلق بضعف المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، والذي لا يعبر بأية حال عن تاريخ هذه اللغة أو حتى عدد من يستخدمونها، وهنا لم يدرس أحدهم من زاوية اجتماعية أنواع مستخدمي الشبكة في عالمنا العربي: خلفياتهم التعليمية والثقافية، رؤيتهم للغتهم الأم، والأهم شرائحهم العمرية، وهل يتكلمون بالعربية في حياتهم اليومية. وهنا الخطورة، فأجيال عديدة ممن تلقت نوعية ما من التعليم يركز على اللغات الأجنبية، بحجة سوق العمل، هم المنوط بهم المستقبل، وإذا كنا ننتقد أنهم لا يلتفتون إلى العربية على الشبكة الإلكترونية، فإنهم لا يلقون لها بالاً كبيراً في أحاديثهم الشخصية، أي إن العربية بالتدريج ومع تسارع العولمة ومتلازماتها لن تكون لغة حياة، وستتحول إلى لغة نخبة ضئيلة معنية بالأدب والفنون.

لنتخيل أحد الأجانب الذين لا يعرفون شيئاً عن إشكاليات العربية، ونحن نخبره عن أزمة تلك اللغة الرابعة عالمياً من حيث عدد المتحدثين، وإحدى اللغات الست في الأمم المتحدة، بمعنى أن معظم وثائق المنظمة الدولية تصدر بالعربية، وقبل ذلك هي لغة كتاب مقدس يقرأ آياته الكريمة، بالعربية، مليار ونصف المليار إنسان، بالتأكيد سيصاب صاحبنا بالدهشة ويسأل أين هي تلك الأزمة؟.

ولكن هناك بالفعل أزمة، بل أزمات تمتد من الفكري إلى النفسي، فعلى سبيل المثال، يلاحظ من سافر إلى بلدان عدة اعتزاز بعض الجنسيات بلغته، فحتى ولو كان من يحدثك يعرف اللغة الإنجليزية، فإنه سيصّر على الحديث بلغته الأم، أما أجيالنا العربية الجديدة، فهي تتفاخر بإجادتها للغة الإنجليزية تحديداً، وهناك منهم من يسخر من الذين لا يتحدثون الإنجليزية بطلاقة، بل وينكرون عليهم طريقة نطق المفردات بنبرة محلية خاصة.

نحن أمام أزمات لا تتطلب دراسات اجتماعية وحسب، ولكن نفسية أيضاً، والأهم ثقافية، فتراجع اللغة يؤشر في العمق إلى تراجع الثقافة نفسها وقدرتها على التأثير، في أهلها أولاً، وهنا الأزمة الحقيقية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5n7z6624

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"