عادي

السودان.. آمال التسوية تتلاشى

23:38 مساء
قراءة 4 دقائق
«حميدتي» وحمدوك

د. أميرة محمد عبد الحليم*

على الرغم من أن الأيام الأخيرة من عام 2023 حملت آمالاً لتسوية الصراع، عبر لقاء بين قائدي الحرب عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو عملت على ترتيبه منظمة «الإيجاد»، للاتفاق أولاً على وقف شامل لإطلاق النار، ثم عقد حوار بين طرفي الصراع وبحضور قوى مدنية حول مستقبل السودان، فإن التحركات والتصريحات التي تبناها الطرفان أثارت المزيد من العقبات أمام عقد اللقاء.

ذلك يؤكد أن طرفي الصراع لا يدركان مخاطر ما يواجهه السودان جراء حرب تدمر بآلتها منذ أكثر من ثمانية أشهر كافة مقدرات البلاد المادية والإنسانية لتضع الشعب السوداني أمام خيارات كارثية ومصير غير معروف.

فقد شهدت الأيام الأخيرة مجموعة من التحركات التي قام بها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، فقبل إعلان منظمة الإيجاد تأجيل اللقاء بين قائدي الحرب في السودان الذي كان من المقرر عقده في 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بدأ قائد الدعم السريع جولة إفريقية شملت حتى الآن ست دول إفريقية (أوغندا، وإثيوبيا، وكينيا، وجيبوتي، وجنوب إفريقيا، ورواندا)، حيث استقبله رؤساء هذه الدول استقبالاً رسمياً، بل كتب على صفحة وزارة خارجية جنوب إفريقيا استقبال الرئيس رامافوزا «للرئيس محمد حمدان دقلو» ولكن تم تعديلها بعد ذلك.

وقد أثارت هذه الجولة استفزاز وزارة الخارجية السودانية التي استدعت سفيري السودان في كمبالا ونيروبي للتشاور.

لقاء حميدتي وحمدوك

كما أثار اللقاء الذي جمع بين قائد الدعم السريع ورئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) عبد الله حمدوك في 2 يناير/ كانون الثاني بأديس أبابا وإصدارهما «إعلان مبادئ أديس أبابا» ردود أفعال غاضبة من قبل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي أكد في تصريحات له أمام جنود القاعدة العسكرية في جبيت (شرق البلاد) أنه لن يحدث صلح بين الجانبين وسيكون القتال والانتصار العسكري هو طريق التعامل بين طرفي الصراع، هذا على الرغم من تجديد رئيس «تقدم» عبد الله حمدوك دعوته في 3 يناير/ كانون الثاني لقائد الجيش بعقد لقاء بينهما لإيقاف الحرب.

تغير التحالفات

كما تصاعدت وتيرة المواجهات المسلحة في محاور القتال في مدن العاصمة الخرطوم في أعقاب اللقاء بين حميدتي وحمدوك.

وفي الوقت الذي لا تزال فيه قوات الدعم السريع تتمدد في معظم أجزاء وسط السودان، حيث استولت على ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدني، واصلت تقدمها نحو جنوب البلاد. ورداً على هذه التحركات شهدت الأيام الأخيرة تطوراً مهماً تمثل

في تسليح المدنيين، حيث ظهرت دعوات من أفراد ومسؤولين وولاة سودانيين إلى المدنيين للحصول على الأسلحة والتدريب عليها للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم، حيث برر البعض هذا الاتجاه بأنه جاء رداً على الانتهاكات التي تسببت فيها قوات الدعم السريع عند اجتياحها المدن السودانية، كما أيد قائد الجيش هذا الاتجاه حيث أشار إلى أن حمل المدنيين السلاح يأتي في إطار دعمهم القوات المسلحة.

إلا أن تسليح المدنيين يحمل الكثير من المخاطر على الأمن في السودان، حيث تشير العديد من التجارب إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى نشوب العديد من الصراعات الداخلية والحرب الأهلية.

كما دخلت قوات من «الجيش الشعبي» التابع ل«الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال» بزعامة عبد العزيز الحلو مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان، في خطوة استباقية لمنع وصول قوات الدعم السريع إليها، حيث وصلت الأخيرة إلى منطقة هبيلا الزراعية بالولاية (شرق الدلنج)، وهذا ما يبرر عدم ممانعة الجيش لوجود قوات الجيش الشعبي في المدينة وكذلك الحفاوة التي استقبلها بها المواطنون، وهذا يعبر عن تغير في التحالفات بين الجيش السوداني والجيش الشعبي بزعامة عبد العزيز الحلو الذي حاربت قواته الجيش السوداني لسنوات، ورفضت حركته الانضمام إلى اتفاق سلام جوبا بين الحكومة والحركات المسلحة الموقع في أكتوبر 2020.

إلا أن تمدد قوات الدعم السريع وسيطرتها على العديد من المدن والولايات الاستراتيجية في البلاد دفع الجيش السوداني إلى قبول المساندة من قبل المدنيين عبر ما أطلق عليه «المقاومة الشعبية المسلحة» وكذلك قبول الدعم من الحركات المسلحة في مناطق المواجهات.

هل من أفق للتسوية؟

لا تزال الأزمة في السودان تراوح مكانها، في ظل عدم الاتفاق بين الوسطاء أو أصحاب مبادرات التسوية حول خطط التسوية، وترتيبات إدارة التسوية، ما تسبب في مزيد من إرباك المشهد في السودان من جديد نتيجة لعاملين:

عدم الوضع في الاعتبار الحساسيات القائمة بين طرفي الصراع، ويبدو أن هؤلاء الوسطاء، ومن بينهم القوى المدنية، لحرصهم على إتمام الاتفاق حول وقف إطلاق النار لم يهتموا بردود الأفعال على تحركاتهم، ومن هؤلاء رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) عبد الله حمدوك، الذي اجتمع مع قائد الدعم السريع وأصدر «إعلان أديس أبابا» الذي تضمّن اتفاقاً على وقف شامل وغير مشروط لإطلاق النار دون الوضع في الاعتبار ردود أفعال قائد الجيش والحكومة، حيث انتقدت الخارجية السودانية هذا اللقاء واعتبرته يهدف إلى تقسيم السودان، كما لم يلتفت قائد الجيش إلى دعوة حمدوك لعقد لقاء مماثل مع قادة الجيش.

العبرة للمنتصر عسكرياً

كما انتهج رؤساء الدول الإفريقية التي زارها قائد الدعم السريع ممارسات زادت من تعقيد الأزمة، حيث تعامل هؤلاء الرؤساء مع «حميدتي» كأنه «الرئيس القادم للسودان» في ظل النجاحات العسكرية التي حققتها قواته على الأرض وتمكُّنها من السيطرة على أجزاء مختلفة في العاصمة، وإقليم دارفور، وإقليم كردفان، وولاية الجزيرة.

تجاهل للانتهاكات الإنسانية في السودان

ربما يعبّر تصريح وزير الخارجية الأمريكية بلينكن الأخير الذي لم يميز خلاله بين طرفي الصراع في ارتكاب هذه الانتهاكات عن تجاهل الأطراف الخارجية هذه الجرائم، وربما في سبيل الوصول إلى اتفاق بين طرفي الصراع لوقف الحرب.

* باحثة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3w6kb2cr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"