عادي
قراءات

الرياضيات تقلب حياة الإنسان

23:34 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

من خلال مفاهيم كالبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وعلم التشفير، تغلغلت التقنيات الرياضية في الحياة اليومية للبشرية، التي ليس لديها فكرة واضحة عما تعنيه الرياضيات الحديثة حقاً، وعمن يتفتق ذهنه عن مثل هذه الأمور، وعلى الرغم من التأثير المتزايد لهؤلاء العلماء إلا أنهم فقدوا – بشكل كبير – اتصالهم بشرائح عريضة من الطبقات المتعلمة.

جيورج فون فالفيتس، في كتابه الصادر عن دار صفصافة للنشر والتوزيع، بعنوان، «سوف نعرف كيف غير عالم رياضيات القرن العشرين»، بترجمة محمد رمضان حسين، يقول: «لم تكن هذه هي الحال دائماً ففي القرن الثامن عشر كان يمكن لفيلسوف مثل فولتير، أن يدون كتاباً عن فيزياء نيوتن، وكان لعلماء رياضيات عظام مكانة رفيعة في صالونات باريس ولندن وبرلين، كما فكر شعراء مثل نوفاليس باستفاضة في مسلمات إقليدس، ودلالة نظريات ذات الحدين».

لم يكن لدى أحد فكرة أن الشخص المتعلم يمكنه التحصيل دونما أدنى معرفة بعلم الرياضيات، ومع مطلع القرن التاسع عشر، فقدت الرياضيات وضوحها بسبب العمل التجريدي المهم لكارل فريدريش جاوس، وبعض معاصريه، وأصبحت مادة لا يمكن بأي حال لأحد أن يمارسها على الهامش كتسلية ظريفة.

بدأ الممارسون الهواة في الانسحاب ببطء من الرياضيات، إذ لم تعد جزءاً من التعليم العام، ويمكن أن يعترف بعض ذوي الثقافة العالية بأنهم ليس لديهم أدنى فكرة عن الرياضيات الحديثة.

يوضح الكتاب أن عالم الرياضيات العادي يعرف جيداً أن عامة الناس لا يبحثون عن المضامين الملموسة لمعرفتهم، بل لا يدركونها، وبقدر ما يرغب حقاً في تعريف المارة في الشارع بماهية الطوبولوجيا أو الهندسة الجبرية، فهو لن يحقق في النهاية سوى إيقاظ الذكريات الغائمة لسنوات الدراسة لدى هؤلاء، دون الوصول لأي مفاهيم مهمة.

يمكن للمرء الحديث عن المجموعات البيوجرافية، وعن طريقة التفكير والمسائل التي نشأت منها الرياضيات، ومن ثم قد تكون مندهشاً من الكيفية التي تتوغل بها تلك الممارسات الفكرية البحتة عميقاً في الواقع، فالجيل الذي ولد قرب مطلع القرن العشرين شهد بقوة مدى عمق هذا التدخل، لقد تغير العالم في نصف قرن بصورة دراماتيكية أكثر من أي حقبة تاريخية مضت.

يشير الكتاب إلى أنه إذا كنا نبحث عن شخصية تكرر ظهورها على السطح أكثر من الآخرين كمصدر لهذه الثورة، فلابد أن يذهب عقلنا سريعاً إلى دافيد هيلبرت في جوتنجن، عالم الرياضيات الأكثر تأثيراً في النصف الأول من القرن العشرين، كان هو الصخرة التي استندت إليها العقول العلمية التي هزت العالم حينها، كل بطريقته الخاصة، لا أحد غيره جمع هذا الكم من العلماء الذين شكلوا لاحقا دوراً قاطعاً.

يوضح المؤلف أن هيلبرت، وضع المسار لكل التطورات الرياضية في القرن العشرين، والكثير مما نراه اليوم في حياتنا اليومية كتطور الحواسيب، نشأ من أفكاره الحداثية، وليس من قبيل المصادفة أن العديد من الفيزيائيين الذين صنعوا القنبلة النووية لاحقاً قد تعرفوا، بعضهم إلى بعض، في مدرسة هيلبرت بجوتنجن في عشرينيات القرن العشرين.

يؤكد الكتاب أن هيلبرت ترأس في العصر الذهبي مدرسة قدمت علوم الطبيعة، وطورت الوسائل لفهم العالم بطريقة حديثة، جذبت هذه المدرسة الشباب الموهوبين من أنحاء العالم، كانوا باقة ذكية منتقاة وغير تقليدية، من جميع النواحي، ساند هيلبرت طلابه وحارب من أجلهم لأبعد حد.

حصل دافيد هيلبرت على جنازة مبتسرة، كان وقت وفاته أهم عالم رياضيات في عصره، ببساطة يمكن أن ندعوه أينشتاين الرياضيات، لكن العالم يضج بمخاوف أخرى عند وفاة هيلبرت في 14 فبراير 1943 كانت الوفاة المسالمة لأستاذ الرياضيات البالغ من العمر 81 عاماً في جوتنجن حدثاً حاسماً غير مأساوي في وقت يهدد فيه العنف حياة كل سكان أوروبا وآسيا وقد تنتهي – هذه الحياة – في أي لحظة، حضر العزاء (دستة) أشخاص هم آخر المتبقين من العصر الذهبي، الذي انقضى قبل عقد من الزمن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/rrxkhk4h

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"