عادي
نحن والآخر

المنصفون لا ينكرون الإسلام ورسوله

23:09 مساء
قراءة 4 دقائق
1

يَتَجَلَّى اعتراف الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم بالآخر في آيات القرآن الكريم التي يُتعبَّد بها، وفي الأحاديث الشريفة والسيرة النبوية العطرة؛ حيث لا يكتمل إيمان المسلم إلا بإيمانه بجميع الرسل والأنبياء السابقين، وبما أُنزل إليهم، بل عدم التفضيل بينهم، رغم حبنا الشديد نحن المسلمين لرسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع اليهود والنصارى لم يكرههم على الإيمان بعقيدته، وظلَّ معترِفًا بوجودهم، وعقد معهم المعاهدات، ولم ينكر لهم حقاً، كما أن سيرته الشريفة تؤكد أنه صلى الله عليه وسلم رَهَنَ سيفه ذات مرة عند يهوديّ، ولَبَّى دعوة يهودية على الطعام (وكانت قد دَسَّتِ السُّمَّ فيه).. فهل بعد كل هذا، وغيره كثير، اعترف الآخر بالإسلام وبرسول الإسلام وبالمسلمين؟

إن كل الشواهد قديماً وحديثاً تؤكد أن الآخر ينكر الاعتراف بالإسلام وبرسوله وبالمسلمين، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما وجَّهَ الاتهامات إلى الإسلام، وأساء إلى رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، كما وَصَمَ المسلمين بالعديد من الصفات السيئة، وكالَ لهم الاتهامات!! اللهم إلا القليل ممَّن رحم ربي، فأنار الله بصيرتهم، وعرفوا الحق من الباطل؛ فصدَّقوا رسول الله، لما وجدوه عندهم في التوراة والإنجيل، ولم تأخذهم العِزَّة بالإثم.

وعلى الجانب الآخر، استكبر آخرون وعاندوا، ولم يعترفوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم أنهم تَبيَّنوا أنه نبي آخر الزمان، حيث تأكدوا من علامات نبوته المذكورة في كتبهم، بل إنهم لم يكتفوا بذلك، وإنما وقفوا من رسول الله موقف العداء. وفي هذا الصدد يتساءل الدكتور راغب السرجاني، في كتابه «فن التعامل النبوي مع غير المسلمين» قائلاً: «هل وقف اليهود عند هذا الحد من عدم الاعتراف؟ على العكس تماماً.. لقد أخذوا موقف العداء من رسول الله، وقادوا حملات التشكيك في القرآن وفي الرسالة، وبدؤوا في تدبير المؤامرات والمكائد التي يريدون بها أن يصرفوا وجوه الناس عن الإسلام.. ومن ذلك أنهم انطلقوا يحذرون أهل المدينة من أن هذا الرجل ليس هو الرسول الذي جاء في كتبهم، مع أنهم كانوا يبشِّرون به قبل ذلك، حتى قال لهم معاذ بن جبل رضي الله عنه: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك، وتخبروننا بأنه مبعوث، وتصفونه لنا بصفته! فقال سلام بن مشكم: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكره لكم. فأنزل الله في ذلك: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (البقرة: 89).

ويقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (الأعراف: 157): «وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء، بشَّروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم»... وعن عطاء بن يسار، قال: لقيت عبد الله بن عمرو فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة. قال: أجل والله، إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن: «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به قلوباً غُلفاً، وآذاناً صُماً، وأعيناً عمياً».

«صحيفة المدينة»

في المدينة المنورة، حيث كان يسكنها اليهود بجانب الأوس والخزرج، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أول دستور للدولة الإسلامية الجديدة، والمعروف ب«صحيفة المدينة»، وقد حرص صلى الله عليه وسلم على الاعتراف بالآخر اليهودي، وأن لهم من الحقوق ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، مع حقهم الكامل في اعتقادهم الديني، ومما جاء في هذه الصحيفة: «ويهود أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم... ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.. على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على مَن حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والبر دون الإثم».

فهل حرص الآخر –كما حرصت باقي الأطراف- على تنفيذ ما جاء في هذه الصحيفة، حفاظاً على سيادة الأمن والأمان في المجتمع الذي يعيشون فيه جميعاً؟ لقد نقضوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وتواصل نقضهم العهود مرة بعد أخرى، بل تآمروا وتعاونوا مع جيش المشركين، كما حدث في غزوة الخندق، وفي ذلك يقول الله تعالى: (إِذْ جَاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً) (الأحزاب: 10 و11)، وقال جلَّ شأنه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (النساء: 51).

في كتابه «الإسلام والآخر.. مَنْ يعترف بمَنْ؟ ومَنْ ينكر مَنْ؟» يرى الدكتور محمد عمارة، أن المسلمين لم يغيروا الموقف الإسلامي من الآخر اليهودي.. «لقد أمَّنوا قاعدة الدولة الإسلامية بإجلاء الخونة عن هذه القاعدة.. ثم تركوا أبواب المدن الإسلامية والولايات الإسلامية مفتوحة أمام اليهود، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.. فعادوا للعيش في مدينة القدس –عقب فتح الإسلام لها– بعد أن كانوا مطرودين منها.. وأحسنت إليهم الدولة الإسلامية، على حين كان الاضطهاد واللعن والاحتقار والطرد والقتل من نصيبهم في مختلف الحضارات والدول غير الإسلامية التي عاشوا فيها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4na3pvv2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"