عادي

الاستخارة والاستشارة بداية صالحة

23:27 مساء
قراءة 5 دقائق

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) سورة الحجرات الآية 13. يحسن بالخاطب أن يفوض أمره إلى الله ويستخيره قبل الإقدام على الخطبة فعن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أكم الخطبة واكتمها ثم توضأ فأحسن وضوءك ثم صل ما كتب لك ثم احمد ربك ومجده ثم قل: اللهم إنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب فإن رأيت لي في فلانة -يسميها باسمها-خيراً في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي» رواه أحمد وابن حبان.

يقول الشيخ أسامة نعيم مصطفى في كتابه «السعادة الزوجية وقصص الصابرين والصابرات»: إذا اكتملت الشروط والصفات المطلوبة في الرجل المناسب والمرأة المناسبة، وكانا على صلاح في الدين، والخلق، والتقوى، وبعد التحري والسؤال عن الرجل في صلاحه، والمرأة في صلاحها، وليعرف كل من الطرفين ما يهمه معرفته، فإنه يلزم الرجل بالسؤال عن المرأة وأهلها، وتلزم المرأة بالسؤال عن الرجل وأهله، فيستشير كل طرف أهل المعرفة بالطرف الآخر في موضوع الإقدام على الزواج، سواء كان المستشار من الأقارب أو الجيران.

وعلى المستشار واجب ديني يتلخص في وجوب بيان ما يعرفه عن المسؤول عنه الخاطب وأهله، أو المرأة وأهلها، وإن كان في جواب المستشار ذكر مساوئ وعيوب المسؤول عنه، ولا يعتبر ذلك من الغيبة المحرمة، وإنما من النصيحة الواجبة.

ورحم الله الإمام النووي عندما قال في باب ما يباح من الغيبة: «ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان، ويجب على المشاور ألا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة».

تيسير الخير

بعد هذا السؤال والتحري يبقى أمام الرجل أو المرأة الاستخارة الشرعية حتى يلهمها الله عز وجل الخير والسعادة في هذا الزواج أو عكسه، لذا فإني أرشد الرجل أو المرأة إلى ما يلي: أولاً، على الرجل والمرأة ألا يعتمدا على اختيارهما أصلاً، بل يستخيرا الله عز وجل بصدق في تيسير الخير لهما معتمدين على توفيق الله تعالى. ثانياً، وعلى الرجل والمرأة الاعتقاد من كل قلبهما أن الله تعالى القادر على اختيار الخير لهما، والقادر على تحقيقه لهما، ولأن الله لا يضيع من فوض أمره إليه بصدق. ثالثاً، وإذا لما يظهر لكما وجه الصواب فعليكما بتكرار الصلاة مرة أخرى، فإن الخير فيها. رابعاً لا يعتمد الرجل والمرأة على الأحلام عند النوم، مما لا أصل له في الدين، وأن علامة الخير فقط بتيسير أسبابه.

وبعد هذا كله فإن على الرجل أو المرأة، الوضوء ثم الوقوف بين يدي الله تعالى، وصلاة ركعتين بقلب خاشع، وبطلب صادق من الله تعالى، وبعد صلاة ركعتين يتوجه الرجل أو المرأة مستقبلين القبلة بالدعاء التالي: «اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -وعليه أن يسمي الأمر- خير لي في ديني ومعاشي، وعاجل أمري وآجله فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي، وعاجل أمري وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به». ثم يذكر الرجل أو المرأة ما يريدان من زواج وغيره، فهذا هو مفتاح السعادة الزوجية بين الرجل والمرأة وهي التي تكون لهما طريقاً للوصول إلى قمة وحقيقة السعادة الزوجية في الدنيا والآخرة.

عدم التسرع

أما عن استئذان البكر وتخيير الثيب يقول الأستاذ محمد سعيد مبيض في كتابه «الزواج الإسلامي وآداب الخطبة والزفاف والزواج»: إذا تقدم الخاطب بطلبه للزواج وجب على ولي الأمر عدم التسرع وذلك لدراسة الطلب واستشارة المخطوبة. فلقد أعطى الإسلام المرأة الثيب- التي سبق لها الزواج- الحق في أسبقية رأيها على رأى وليها فيمن تقدم لها من الأكفاء لما لها من خبرة في الحياة الزوجية والتي لم تتوافر للبكر، لذا فما على الولي إلا أن يعطي رأيه ومعلوماته عن الخاطب وينصحها وهو الحريص على مصلحتها فإن أصرت الثيب على رأيها كان لها ما تريد. أما البكر فرأي وليها هو الراجح، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن وإذنها صماتها» متفق عليه.

وقد روى الإمام النووي في شرح هذا الحديث «واعلم أن لفظ أحق هذا للمشاركة ومعناه أن لها في نفسها في النكاح حقاً ولوليها حقاً وحقها أوكد من حقه فإنه لو أراد تزويجها من كفء وامتنعت لم تجبر ولو أرادت أن تتزوج كفؤاً فامتنع الولي أجبر فإن أصر زوجها القاضي فدل ذلك على تأكيد حقها ورجحانه».

أما البكر فلوالدها أن يزوجها ممن يراه كفؤا لها لأنه أبعد منها نظراً وأوسع خبرة وأسلم تقديراً، فإذا أساء الوالد استعمال حقه كان للإمام أن يرد نكاحه إذا ما رفع الأمر إليه.

فعن جابر «أن رجلاً زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما»، وقد حمله البيهقي على أنه زوجها من غير كفء لها. أما إذا كان لها كفؤاً فعقده صحيح. أما غير الوالد فليس له إرغام موكلته البكر على الزواج ممن لا ترغب- لأنه دون الوالد من مودة وحنان - ويحسن بالوالد أو الولي ألا يكره البكر على الزواج ممن تكره، لأنه لا يتحقق في مثل هذا الزواج السكون والاستقرار والمحبة والرحمة التي أشارت إليها الآية الكريمة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

لذلك فحينما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قدامة بن مظعون يريد أن يزوج ابنة أخيه عثمان إلى عبدالله بن عمر بينما كانت الفتاة تريد الزواج من المغيرة بن شعبة فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم رغبة الفتاة، أما لو أنها رغبت الزواج من غير كفء لها فلوليها حق منعه زواجها منه. «عن خناس بنت خداج أن أباها زوجها وهي ثيب فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها».

وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: «جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، قال فجعل الأمر إليها فقالت: «لقد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أنه ليس إلى الآباء من الأمر شيء» رواه ابن ماجه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/52czn39x

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"