عادي

«المحيط في اللغة».. ذروة العمل المعجمي

22:58 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ

مؤلف كتاب «المحيط في اللغة»، هو أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد الطالقاني، المعروف بالصاحب بن عبّاد و«كافي الكفاة»، الذي عاش ما بين عامَي 326 و385 ه، يعتبر من كبار العلماء والأدباء، كان محدثاً ثقة، وشاعراً مبدعاً، وفصيحاً؛ سريع البديهة؛ كثير المحفوظات؛ مُفوّهاً؛ محققاً؛ نحوياً؛ لغوياً، وبارعاً في مجالات مختلفة، كالحكمة والطب والمنطق، وأحد أعيان العصر البويهي، حيث شغل فيه منصب وزير، فكان من قلّة الوزراء الذين غلب عليهم العلم والأدب.

تتلمذ في شبابه على أبي الفضل محمد بن العميد وزير ركن الدولة بن بويه، وتمتّنت الصلة بينهما، حتى عيّنه ابن العميد كاتباً له، فبدت منه كفاءة فائقة أثارت إعجاب الجميع، ثم اختاره الأمير مؤيد الدولة أبو منصور بويه بن ركن الدولة، لمرافقته إلى بغداد سنة 347، بصفته كاتباً خاصاً له، فكانت تلك الرحلة فاتحة لعلاقة توطّدت بينهما على مرّ الأيام، فلقّبه من حينها ب«كافي الكفاءة»، ليتولى الوزارة في حكمه بعد ذلك، ثم في حكم فخر الدولة شاهنشاه البويهي، حيث أبلى بلاء حسنا في عمله، ونال من المقام والاحترام والأبّهة ما لم ينله غيره في زمنه.

وإضافة إلى ابن العميد، تتلمذ كذلك على لفيف من علماء عصره وأدبائه، منهم: أبو بكر بن كامل، والسيرافي، وأبو الحسن ابن فارس، ويُذكر أنه ألف 37 كتاباً، منها: «الفرق بين الضاد والظاء» الذي جمع فيه مجموعة من المفردات الضادية والظائية، و«جوهرة الجمهرة» الذي يختصر به كتاب (الجمهرة لابن دريد)، و«كتاب الحجر» الذي استفاد منه الثعالبي في كتابه (فقه اللغة)، و«المحيط في اللغة»، و«الإقناع في العروض وتخريج القوافي»، و«الأمثال السائرة من شعر المتنبي»، و«الكشف عن مساوئ شعر المتنبي»، و«التذكرة في الأصول الخمسة»، و«رسالة في الطب».

ولجلالة قدره وعظيم شأنه مدحه خمسمئة شاعر، ولأجله ألف أبو منصور الثعالبي كتاب «يتيمة الدهر»، وابن بابويه كتاب «عيون أخبار الرضا».

توفي في الري، في الرابع والعشرين من صفر سنة 385 ه، ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه في أصبهان، ودفن فيها في باب دريه، ورثاه العديد من الشعراء من بينهم الشريف الرضي بقصيدة مطولة.

قال عنه الثعالبي: «ليست تحضرني عبارة أرضاها للإفصاح عن علو محله في العلم والأدب، وجلالة شأنه في الجود والكرم، هو صدر المشرق، وتاريخ المجد، وغرة الزمان، وينبوع العدل والإحسان»، وقال عنه السمعاني: «الوزير المعروف بالصاحب اشتُهر ذكره وشعره ومجموعاته في النظم والنثر في الآفاق، فاستغنينا عن شرح ذلك»، وقال عنه ابن خلكان: «كان نادرة الدهر، وأعجوبة العصر، في فضائله ومكارمه»، وقال عنه الطريحي: «جمع الصاحب بين الشعر والكتابة، وفاق فيها أقرانه، فالصاحب بن عباد عالم فاضل؛ ماهر؛ شاعر أديب؛ محقق متكلم؛ عظيم الشأن؛ جليل القدر في العلم والأدب والدين والدنيا».

مقام بارز

«المحيط في اللغة» معجم شهير معروف، تردّد ذكره كثيراً في بحوث اللغة وكتب التاريخ والتراجم والطبقات، ونقل عنه الكثير من أعلام اللغة وفضلائها في معاجمهم ومؤلفاتهم، ونسخه الناسخون لأنفسهم، ولغيرهم، عبر عدة عصور، ونال مقاماً بارزاً في الدراسات اللغوية، فأصبح المعنيّ بالتاريخ الموسوعي للغة العربية، ملزماً بذكر هذا الكتاب، وبإعطائه ما يستحقه من الاهتمام، وهو بما يضم بين دفتين من ثروة لغوية ضخمة يمثّل ذلك التطور العظيم في العمل المعجمي في القرن الرابع الهجري، الذي شهد أعمالاً جليلة لكل من: القالي، والأزهري، وابن فارس، والجوهري، وأضرابهم من جهابذة اللغة العربية، وكل ذلك جعل من هذا المعجم تحفة تراثية خالدة وحلقة مهمة من حلقات الصناعة المعجمية الأصيلة تستحق الاهتمام.

لقد سار ابن عباد في «المحيط في اللغة» على منهج الخليل في «العين»، سواء في ما يتعلق بتسلسل الحروف مقسمة على مخارجها الصوتية، أو بترتيب الأبواب داخل كل حرف، ابتداء بباب المضاعف الثنائي، ثم باب الثلاثي الصحيح، ثم باب الثلاثي المعتل، ثم باب اللفيف، ثم باب الرباعي، ثم باب الخماسي، وقد ضمنه بعض الشواهد الشعرية على قلّتها، وإضافة إلى الخليل، اعتمد ابن عباد في مصادره على عدة علماء لغويين، من بينهم: الأصمعي، وابن دريد، والخارزنجي، الذي تردد اسمه كثيراً في «المحيط»، وتكرّر النقل عنه، بخاصة في ما أهمله الخليل.

وقد طبعته ونشرته مكتبة عالم الكتب في بيروت، سنة 1994، بعد أن حققه الشيخ محمد حسن آل ياسين، عن أربع نسخ: أولاها صورة عن نسخة كاملة محفوظة في مكتبة المتحف البريطاني بلندن، وقد كتبت سنة 760 ه، بخط محمد بن محمد التبريزي، والثانية صورة عن قطعة منه محفوظة في مكتبة أحمد الثالث بتركيا، يقال إنها كتبت في القرن السابع الهجري، والثالثة عن قطعة منه محفوظة في دار الكتب المصرية بالقاهرة، ذُكر أنها كتبت في القرن السابع الهجري أيضاً، والرابعة نسخة كاملة محفوظة في مكتبة السيد إبراهيم شمس الدين القزويني في كربلاء، وهي مكتوبة بخط نسخي مشكول، أكملها ناسخها سنة 1117 ه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4jfjwwj6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"