عادي

«البارع».. أول معجم في الأندلس

23:54 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ
إسماعيل بن القاسم القاليّ (288ه-356ه) مؤلف وعالم لغوي، ولد في مدينة ديار بكر شرقي تركيا، ونشأ في المشرق وانتقل لاحقاً إلى الأندلس، حيث وفد إلى بغداد عام 303 ه، صحبة قوم من قرية «قالي قلا» التابعة لأرمينية، فنُسب إليها، وكان لازدهار الحركة السياسية والعلمية في بغداد في تلك الفترة تأثير كبير في شخصيته وتكوينه، إذ كانت حينها قبلة يقصدها العلماء والمفكرون والمبدعون والطلاب في كل مجال، لتنتشر الحلقات التعليمية في مختلف العلوم والآداب، فتتلمذ على عدد من علماء النحو واللغة والأدب والحديث والقراءات، من بينهم: أبوالقاسم البغوي، وأبو سعيد الحسن بن علي العدوي، وأبو بكر بن أبي داود السجستاني، وابن دريد، وأبو إسحاق الزجاج، ونفطويه، وابن الأنباري، وابن درستويه، فأصبح عالماًَ كبيراً وواحداً من جهابذة اللغة العربية على مر التاريخ.

وصلت شهرة القالي الأندلس، التي كانت تنشط في ذلك الوقت في العديد من نواحي الحياة بما فيها الحركة العلمية والأدبية، ليستدعيه الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر لدين الله إليها، فقصدها مروراً بالشام ومصر والقيروان التي فقد فيها بعض كتبه، فدخل قرطبة في 27 من رمضان سنة 330 ه، فاستقبله - بأمر من الخليفة الناصر - وفد من العلماء والقادة والأعيان، على رأسه قائد أسطول الدولة الأموية في الأندلس عبد الرحمن بن رماحس، فسار في موكب واستُقبل بحفاوة كبيرة، فمدح الخليفة بقصيدة طويلة، وفي زمن إقامته في الأندلس، أدناه ولي العهد الذي كان يعتني بالثقافة والأدب ويحتضن الشعراء والكتاب والأدباء، ويهتم باقتناء نوادر الكتب، فأغدق عليه المال ليُشجعه على التأليف، فعُرف القالي هنالك بالبغدادي، وانتشر علمه فيها، وألف وقدم الدروس وأملى كُتبه في جامع الزهراء، وأقبل عليه الطلاب من كل مكان، مثل: هارون بن موسى النحوي وعبد الله بن محمود الزبيدي الأندلسي، وعبد الله بن الربيع التميمي، وأبي بكر الزبيدي وأحمد بن أبان بن سيد.

*مؤلفات

توفي القالي بقرطبة في 7 جمادى الأولى سنة 356 ه، بعد أن ترك العديد من المؤلفات منها: كتاب «الأمالي» وهو كتاب في نوادر الأخبار والأشعار، من مجموعة مجالس كان يملي فيها القالي محاضرات في اللغة والأدب بمسجد الزهراء بقرطبة، و«البارع في اللغة» و«المقصور والممدود والمهموز»، الذي قيل إنه لم يُؤلف في مجاله كتاب مثله، و«الأمثال»، و«الإبل ونتاجها» و«مقاتل الفرسان» و«في حلي الإنسان والخيل وشياتها» و«فعلت وأفعلت» وكتاب في شرح المعلقات، و«تفسير السبع الطوال».

«البارع في اللغة» كتاب معجميّ من أوسع كتب اللغة، وهو أول معجم ظهر في الأندلس، بدأ القاليّ العملَ فيه سنة 350ه، واستمر في جمع موادّه وتدوينها حتى توفي سنة 356ه قبل أن يتمَّه ويُهذِّبه، فتولى تهذيبه مُساعده محمد بن الحسين الفهري، وهو من أهل قرطبة، وصديقه محمد بن معمر الجبالي، فاستَخْرجاه من الصُّكوك والرقاع، وهذَّباه من أصوله التي هي بخطِّ يد القالي.

وقد اعتمد نفس الأساس الصوتي الذي سلسل بموجبه الخليل الفراهيدي كتابه «العين»، ولكنه اختلف في تسلسل الحروف من حيث تقدير مكان مخرج الصوت، مما أدى إلى تقديم وتأخير، فترتيب الخليل: ع ح ه خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ظ ذ ث ر ل ن ف ب م و ا ي، بينما ترتيب القالي: ه ح ع خ غ ق ك ض ج ش ل ر ن ط د ت ص ز س ظ ذ ث ف ب م و ا ي.

أما بالنسبة للأبواب فقد جعلها ستة، هي: الثنائي المضاعف وسماه (الثنائي في الخط والثلاثي في الحقيقة)، والثنائي الصحيح، والثلاثي المعتلّ، والحواشي أو الأوشاب، والرباعي، والخماسي.

يقول عنه أبو بكر الزبيدي تلميذ القالي: «إنه قاموس واسع قد شَمِل اللغات كلها»، يَقصد باللغات اللهجات، وذكر الزبيدي أيضاً أن البارع فاق كتاب «العين» بأربعمائة ورقة، كما أن القالي ذكَر فيه بعض أصول أوضح أنها مُستعمَلة، وكان الخليل في العين قد ذكر أنها مُهمَلة، ومن العلماء المتأخِّرين الذين أثنَوا على «البارع» الإمام السيوطي الذي اعتبره في كتابه «بُغية الوُعاة» أصحَّ القواميس التي رآها، ويعود السيوطي ليؤاخذ علماء عصره ومثقَّفيه على أنهم أهملوا بارع القالي، وانصرفوا لمُحكم ابن سِيده وصِحاح الجَوهري.

فلسفة

ورغم اشتهار هذا المعجم واشتهار صاحبه، فإن الناس لم تَمِلْ إليه، ولذلك لم تصلْ إلينا منه نسخة كاملة، فقد ضاعت منه أجزاءٌ كثيرة، وخاصة مقدِّمته التي قد توضِّح منهجيَّة القالي في التأليف، وهو ما صعّب استخلاص فلسفته وطريقته ونظرته إلى ما سبقه من معاجم.

وقد حققه الباحث هاشم الطعان بعد عثوره على مخطوطتين منه، إحداهما في لندن، نشر صورتها المستشرق فلتن سنة 1933م مع دراسة نفيسة، والثانية في باريس، وصفها المستشرق ديسلان في فهرسه وعزاها إلى القرن العاشر الميلادي، ونشرته مكتبة النهضة ببغداد سنة النشر: 1975 في مجلد واحد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/468tvru4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"