عادي
في شاعرية البصر

خط الديواني الجلي..جمالية تغازل العين

14:57 مساء
قراءة 4 دقائق
اللوحة
محمد شلبي

الشارقة: جاكاتي الشيخ

تعاقبت على الخط العربي التقليدي عبر امتداد مسيرته الطويلة عدة أجيال، لعبت أدواراً مهمة في الحفاظ عليه وإبراز جمالياته، وتقديمه بوصفه فناً عريقاً ومتجدداً، ومن بينها الجيل الحالي، الذي يؤكد من خلال إبداعاته قابلية هذا الفن الجميل للاستمرار، رغم دخول التطور التكنولوجي عليه، ومن الخطاطين المميزين في هذا الجيل الفنان الفلسطيني محمد أحمد شلبي.

بدأ شلبي مشواره الفني خلال مرحلة الدراسة الابتدائية، التي شهد له فيها المعلمون بجمال الخط، وإتقان الرسومات، فكانوا يستعينون به لكتابة الشهادات التكريمية للمتفوقين وتنفيذ وسائل التوضيح التعليمية، وبعد نجاحه في الثانوية العامة التحق بكلية الفنون الجميلة بجامعة النجاح، وخلال تلك الفترة كان يشارك في المعارض الفنية التي تقيمها الكلية، إلا أن شغفه وميله لإتقان الخط العربي كان كبيراً، فعكف على دراسته بشكل عصامي، وعمل في الوقت نفسه في دار للدعاية والإعلان بنابلس خطاطاً ورساماً، يقوم بخط وزخرفة بعض المساجد واللوحات الدعائية بشكل يدوي لعدم وجود الحاسوب في ذلك الوقت، كما شارك في تأليف منهاج الفنون الوطنية، وبعد حصوله على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة عام 1996، عمل مدرساًَ للتربية الفنية في المدارس الوطنية لمدة عام واحد فقط؛ فخلاله شارك في مؤتمر تربوي كبير حول تطوير المناهج، ما سلط الضوء عليه ليتحول إلى مشرف للتربية الفنية المركزية في الضفة الغربية، وليحصل كذلك على الماجستير من جامعة النجاح في الإدارة التربوية، وماجستير أخرى من جامعة اليرموك في الفنون المعاصرة، وقد شارك في عدة معارض دولية للخط العربي، في دول من بينها: الإمارات والسعودية والكويت ومصر وسوريا والجزائر.

  • *أصالة

يتميز شلبي بعمل لوحات خطية ذات تكوينات مختلفة وتصميمات شرقية متنوعة، حيث تجمع بين أصالة الخط العربي وجماليته، مُنفذاً ذلك عن طريق كتابة لوحات خطية من الآيات القرآنية والأقوال والحكم والأبيات الشعرية ذات الرسائل الإنسانية، وهو مُتقن لمعظم الخطوط، إلا أن إبداعه يتجلى أكثر في الخط الكوفي، وخط الديواني الجلي الذي اخترنا لكم من إبداعاته فيه هذه اللوحة.

عمل شلبي في هذه اللوحة على خط الآية 30 من سورة النمل، التي يقول فيها الله جل جلاله: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ﴾، وقد كتبها بخط الديواني الجلي الذي يمتاز بلين الحروف ومرونتها، ما يمنحها قابلية التقويس والتدوير، والتزويق والتعديل في بعض حروفه كالألف، كما يمتاز بإمكانية التركيب والتشكيل والتسبير الذي أغلبه نقاط مدورة زخرفية، حيث يضفي ذلك على أعماله جمالية منمنمة تشد الأبصار، وتأسر الألباب.

إن اختياره لهذه الآية الكريمة لتكون مضموناً للوحته، ينبع من دراية حصيفة بنوعية النصوص التي يجب على الخطاط اختيارها لأعماله، فهي الآية التي تتحدث عن مفتتح رسالة سليمان عليه السلام إلى الملكة بلقيس وقومها، حيث كان يدعوهم فيها إلى الإيمان بالله، فخاطبهم بذلك الإيجاز وتلك البلاغة والفصاحة، وهو خطاب يحمل في طياته تهديداً، وذلك ما انتبهت إليه الملكة، فاستشارت قومها خشية أن ينال بلادها شر لا تحمد عقباه، ورغم إبدائهم الاستعداد للقتال إلا أن ذكاءها جعلها تختار السلم وتقنعهم بالإيمان بما جاء به سليمان.

  • *تشكيل

يبرز خط شلبي نص اللوحة بشكل أفقي، مبدياً إياها على شكل رسالة، ملتزماً خصائص الديواني الجلي ومستغلاً مرونة الحروف ولينها وقابليتها للتشكيلات المختلفة، فبدأ بـ «إنه» مادّاً حرف الألف ليشكل الحافة اليمنى للشكل، ثم أتبعه بـ «من» التي جعل من طرف نونها واواً، وأتبعها بـ «سليمان» التي خطها فوقها مباشرة للإيحاء بالمرسل وبعظمة شأنه، ثم جاء بالواو المُشّكَّلة من طرف نون «من»، وأتبعها بـ «إنه» الثانية التي وضعها تحت بداية البسملة للإشارة إلى أن المرسل نبي يُنفذ أمراً ربانياً، حيث خط «بسم» وجعل من طرف ميمها سلكاً لربط الرسالة يمتد إلى خارج متن الشكل الخطي، وخط اسم الجلالة «الله» في قلب الشكل من الأعلى، وأتبعه بـ «الرحمن» التي احتضنت «الرحيم»، حيث أرسل طرف نونها ممتداً ليُشكل الحافة اليسرى للشكل بالتوازي مع الألف الأولى من الآية، وقد أضفت الزخارف المختلفة من النقاط والحركات والشدات والخطوط التزيينية على اللوحة جمالية بارزة طبعت اللوحة بميسم خط الديواني الجلي، بما يعكسه من إشراق وبهجة لافتة.

وإذا كان الخطاط قد تعمد تصميم الشكل على هيئة رسالة، فإنه تعمد أيضاً اختيار اللون البرتقالي كخلفية، لكونه معروفاً كلون للورق الذي كانت تكتب عليه الرسائل القديمة، بالإضافة إلى رمزيته للتفاؤل والسعادة والعاطفة وتخطي الأزمات، وهو ما نتجت عنه رسالة سليمان تلك، كما أن الكتابة باللون الأسود؛ بالإضافة إلى كونه اللون المعهود لحبر الكتابة، تعتبر إيحاءً برمزيته الإيجابية التي تتواءم مع رمزية اللون البرتقالي آنفة الذكر، ليشكل كل ذلك المجهود عملاً فنياً حقيقياً، يعكس المستوى الإبداعي لهذا الخطاط المتميز.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4fhbdv5r

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"