عادي

عودة ترامب للبيت الأبيض.. هل تهدد «القارة العجوز»؟

01:01 صباحا
قراءة 5 دقائق

القاهرة - إيمان مندور

«تنقسم الآراء حول حجم الضرر الذي يمكن أن يلحقه دونالد ترامب بالولايات المتحدة في حال انتخابه رئيساً مرة أخرى، لكن هناك ما يشبه الإجماع بشأن الضرر الذي قد يلحقه بالديمقراطية الليبرالية، خاصة في أوروبا، والمؤسسات المتعددة الأطراف».. بهذه الكلمات عبّرت صحيفة «لا فانغارديا» الإسبانية، قبل أيام، عن المخاوف الأوروبية من عودة ترامب للبيت الأبيض مجدداً، في الانتخابات المزمع عقدها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وتزامن ذلك مع تحذيرات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان للدول الأوروبية، من تغيرات جذرية قد تشهدها السياسة الأمريكية تجاه الصراع في أوكرانيا، في حال فوز ترامب، ما قد يعرّض الوضع الأمني ​​في أوروبا للخطر، خاصة أنه تعهّد مرات عدة بإنهاء حرب أوكرانيا باتفاق سلام في حال فوزه بالانتخابات.

فهل يملك ترامب القدرة على إنهاء الحرب؟ أم تتمسك واشنطن بدعمها لكييف؟.. والسؤال الأهم كيف ستتأثر «القارة العجوز» بذلك كله؟

  • مصير الدعم الأمريكي لكييف

قال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، في حديثه لصحيفة «الخليج»، إنه من الصعب أن تحافظ الولايات المتحدة على دعمها لأوكرانيا، لأن الحالة السياسية الأمريكية، الآن لن تعطي فرصة لدعم كييف خلال الشهور المقبلة، موضحاً أنه على الرغم من تأكيدات الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس في الحملة الانتخابية، فإن استمرار الدعم والمحافظة عليه بصورة كبيرة لن يتطور، نظراً لاعتبارات متعلقة بالداخل الأمريكي، وتخوف الديمقراطيين من اتهامات للجمهوريين بهذا الشكل.

وأشار فهمي إلى أنه ربما سيتغير الأمر بعد إجراء الانتخابات، واستمرار الإدارة الديمقراطية، لكن الفزع الأكبر من حلف الناتو، لأنه يتم الحديث الآن عن النفقة والكلفة والعائد المصاحبين لما يمكن أن يتم بالنسبة لاستمرار دعم أوكرانيا.

  • هل يستطيع ترامب إيقاف الحرب الأوكرانية؟

من جهته، يرى المحلل السياسي اللبناني، خالد العزي، أستاذ العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، في حديثه مع «الخليج»، أن حديث ترامب بأن العلاقة بين روسيا وأمريكا يمكن أن تصل إلى نتائج سريعة بحلحلة الأمور، وبالتالي يستطيع إيقاف الحرب الأوكرانية خلال 24 ساعة، فهذا كلام شعبوي يخاطب به الجمهور الأمريكي الذي يدفع الضرائب، التي تذهب في اتجاه تسليح المؤسسة العسكرية وتسليح الدول الأخرى، في ظل هذه الحالة الصعبة التي باتت تفرض نفسها على العالم بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

وأضاف: «ترامب لا يستطيع إيقاف الحرب الأوكرانية الروسية، لأنه لن يعطي انتصاراً جدياً يفوز به بوتين في ظل حالته الاقتصادية والعسكرية الحالية، ففي حال فوزه ربما يحاول إيجاد لغة واضحة مع بوتين على قاعدة مكونة من نقطتين؛ الأولى هي الانسحاب الجدي والفوري، وتأمين ضمانة وحماية أمن أوكرانيا من روسيا ومن أمريكا، والنقطة الثانية والأساسية هي عدم إدخال أوكرانيا في الناتو».

وشدد العزي على أن المشكلة ليست في إيقاف الحرب؛ بل هناك عقوبات أمريكية مفروضة على روسيا مرتبطة بعملية الدخول إلى أوكرانيا وحربها على أوكرانيا، وبالتالي هذه العقوبات لا يمكن لأي رئيس إزالتها إلا بالتوافق مع المجلس النيابي والكونغرس، أي لا يمكّن لترامب أو غير ترامب بالدخول في هذه العملية التفاوضية.

وأوضح أستاذ العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، أنه حتى لو قرر ترامب اتخاذ هذه الخطوة في حال فوزه، فلن يمكن النظر في هذه القضية قبل أكثر من سنة، فالانتخابات في نوفمبر، وتنتهي رئاسة بايدن بعد شهرين، ولكي يستلم، ويشكّل إدارته يعني ذلك الوصول إلى الربيع المقبل، وبالتالي تتأجل كثير من الملفات لوقت لاحق.

وأشار العزي إلى أن الخطاب الشعبوي في الانتخابات يختلف عن سياسة المؤسسات الموضوعة في التعامل في كيفية حل الأزمات، فيجب أن يعرف الرئيس القادم من سيكون وزير خارجيته، ومن سيكون وزير الأمن، ومن سيستلم وزارة الخزينة المالية، هؤلاء الثلاثة هم جزء من الدولة العميقة الذين يمثلون الحزب الموجود في السلطة، إلى جانب مؤسسات المال واللوبيات ومراكز الدراسات، وبالتالي سنرى هؤلاء كيف يلعبون اللعبة الدولية وعلى ماذا سيقررون، عندها يمكن القول إن الصراع بدأ في شق طريقه الفعلي، أما الخطابات الشعبوية فلا يعتمد عليها.

  • هل يمكن إيجاد نقاط التقاء بين روسيا وأمريكا؟

لا يعتقد الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية في إمكانية إيجاد هذه النقاط خلال الفترة المقبلة، لأن مساحة التجاذب أكبر، فهناك مخاوف أمريكية من روسيا حول التلاعب بنتائج انتخاباتها، وأيضاً هناك قلق من الإصرار الأمريكي على استكمال منظومة العقوبات السياسية والاقتصادية، إضافة إلى تزكية الصين لجزئية الخلافات بينهما، مضيفاً: «نحن أمام سيناريو لا أريد أن أقول إنه سيناريو صفري، لكن لن يحدث أي تقارب».

  • المخاوف الأوروبية من فوز ترامب

أكد الدكتور طارق فهمي وجود مخاوف أوروبية واضحة من فوز ترامب، لا سيما أنه تحدث مسبقاً بأنه يجب على الأوربيين أن يدفعوا ثمن الدفاع عنهم، وبالتالي هناك جملة من الإشكاليات المتعلقة بهذا الأمر، قائلاً: «لا أعتقد أن ترامب سيتراجع عن ذلك في حال انتخابه؛ بل سيتشدد مع الأوربيين في هذا الإطار».

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن أوروبا ستتأثر اقتصادياً وسياسياً وأمنياً في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فهناك مراجعات لبرنامج الاتفاقيات في الشراكة الاقتصادية، وفي حلف الناتو، وفي الأمن الأوروبي. لذلك عاد الحديث مجدداً عن تعديل استراتيجية الأمن الأوروبي ومحاولة بناء شراكات مع دول أخرى في العالم، مع الأوربيين تحديداً. وعليه، فهناك مخاوف أوروبية حقيقية من هذا الإطار، وهو ما سيكون له دور بارز في الفترة المقبلة.

وعلى الرغم من تأكيده على عدم قدرة ترامب على إنهاء الحرب، فإن طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، أوضح أنه في حال حدوث ذلك فسيتأثر الأوروبيون بطبيعة الحال، لأن روسيا ستمتد نطاقاتها الاستراتيجية إلى مناطق أوروبية، وسيكون الحديث هنا عن وقف تمدد الحلف شرقاً، وتأثر الدول الأوروبية، وستكون هناك مخاوف في دول الجوار مثل بولندا والنمسا وهولندا وغيرها، لكنه في الوقت ذاته أشار إلى الخوف من أن تعيد روسيا حلف «وارسو» تحت مسمى جديد «منظمة مؤتمر الأمن الجماعي»، التي تضم فيها الدول الحليفة لمواجهة التطورات الأوروبية، وبالتالي سيكون هناك تأثير كبير.

أما المحلل السياسي اللبناني، خالد العزي، أستاذ العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، فأشار إلى أن أوروبا تعتبر نفسها واقعة بين «فكي كماشة»؛ هما التهديد الروسي والحماية الأمريكية، وأن انتصار أوروبا يكمن في دعم أوكرانيا، ومنع سقوطها، خاصة أنه يسمح لها بالتحرر من سطوة روسيا، إضافة إلى التخلص من العبء الأمريكي الذي يفرض نفسه دائماً للحماية والدفاع عن أوروبا.

  • ما الذي يتعين على الاتحاد الأوروبي فعله؟

وأوضح الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، أن هناك مدرستين في هذا الشأن؛ المدرسة الأولى، والسهلة هي المدرسة الأمنية، التي تتحدث عن ضرورة أن يكون هناك دور لأوروبا في السياسات العالمية بدون الاعتماد على أمريكا، والمدرسة الثانية تقول إنه على الأوروبيين أن يعيدوا تشكيل الحياة السياسية مع بعضهم البعض، أي يكون لأوروبا سياسة مختلفة أو تركز على موائمة مصالحها مع أطراف أخرى في المنظومة الدولية، مؤكداً أنه يجب على الأوروبيين أن يتحركوا بمفردهم.

وبحسب فهمي، فنحن أمام عالم جديد يتشكّل، رؤية جديدة ومقاربات جديدة، وبالتالي هناك مخاوف بطبيعة الحال من امتدادات الصراعات مرة أخرى، فهناك صراعات ربما تكون كامنة، لكنها ستندلع في الفترة المقبلة، لأننا متجهون بقوة إلى عالم جديد متعدد الأقطاب، وهو ما دعا إليه الرئيس الروسي، والصين أيضاً تتبنى هذه الفكرة، لكن في كل الأحوال على الدول العربية أيضاً أن تجهّز خياراتها وترتيباتها أياً كان نوع الإدارة الأمريكية المقبلة سواء ديمقراطية أو جمهورية، وبناء شراكات أكثر حضوراً وسياسة أكثر توازناً، ومحاولة التأكيد على المصالح العربية في النطاقات الدولية والإقليمية التي تتشكّل الآن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ss6nh6f

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"