«هي» الحلقة الأضعف

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

لا تكشف الإحصاءات كل الحقائق بدقة، لكنها تعطينا صورة حقيقية عن واقع ما، تضيء على نقاط قد تبدو لنا سطحية أو شخصية محصورة بعدد قليل من الناس، فنكتشف أن العلّة موجودة في أكثر من مكان وأن الخطر يهدد كثيرين وأن التحرك من أجل اتخاذ إجراءات فعلية يجب أن يكون سريعاً وجدّياً.

من بين القضايا المهمة والخطيرة التي ازدادت انتشاراً بسبب سوء استغلال فئات من البشر للإنترنت، والتي لا نعرف ولا نسمع عنها إلا القليل بسبب شدة خوف الضحايا من الفضائح ومن التهديدات التي يتعرضون لها من قبل المجرمين، هي قضية التحرش التي يتعرض لها الأطفال والفتيات وحتى النساء والتي يصل مدى خطورتها إلى انتحار بعض الضحايا والتسبب للآخرين بخوف وأزمات تترك أثرها النفسي عليهم، وتقلب حياتهم رأساً على عقب.

ما يلفت إليه استطلاع أجرته «سي إن إن» بالاشتراك مع المنظمة غير الحكومية «بلان إنترناشيونال»، وشمل أكثر من ٦٠٠ شابة وفتاة ما بين ١٣ و٢٤ عاماً من ٩ دول حول العالم، أن ٧٥٪؜ منهن تعرّضن لمضايقات ولمحتويات غير لائقة، والأخطر أن غالبية من شملهن الاستطلاع يشعرن بأن «أولياء أمورهن ومدارسهن غير مستعدين لمساعدتهن»، ما يعني أنهن إما يخشين البوح بما يتعرضن له من تحرش من غرباء عبر الإنترنت وما يشاهدنه من صور ومقاطع فيديو مخلّة يتم إرسالها لهن، وإما يشعرن بسلبية أولياء الأمور والمسؤولين التربويين في المدارس وعدم جدية تفاعلهم مع المشكلة، فيتراجعن عن فكرة الإبلاغ ويكتفين بالانزواء وكتم ما يحدث لهن.

لا نستغرب تردد الفتيات، بل فلنقل الإناث عموماً في الإبلاغ عن جريمة ترتكب بحقهن وعن مجرمين يقتحمون حساباتهن بغير علمهن أو بحجة الصداقة فيقعن ضحايا ابتزاز ويتم استدراجهن للانحراف رغماً عنهن، لأن الشائع في كثير من دول العالم أن تكون «هي» الحلقة الأضعف كما يخجل أولياء الأمور من التحدث عن أي من تلك القضايا أمام أيّ كان حتى الجهات الرسمية والشرطية، ويفضلون التزام الصمت ويقنعون الصغيرات والمراهقات بضرورة عدم البوح بهذا «السر» لأحد حفاظاً على سمعتهن وسمعة الأسرة، في حين أصبحنا في عالم منفتح لا يقيس تلك القضايا بنفس معايير الأمس بل يعتبرها جرائم وتخصص لها الدول المتقدمة جهازاً «الشرطة الإلكترونية» لمتابعتها وملاحقة المجرمين والمتحرشين بلا فضائح.

وفي دولة مثل الإمارات، لا تكتفي الشرطة بكشف هوية المتهمين بل تكمل رحلتها مع الضحايا من أجل الاطمئنان على صحتهم وصحتهن النفسية؛ لذا نتمنى أن يتحلى كل أولياء الأمور بالجرأة والوعي الكافيين لحسن التصرف وحماية صغارهم وفتياتهم ونسائهم من المتحرشين الإلكترونيين، وأن تخصص المدارس حصصاً لتوعية طلبتها ومنحهم ذكوراً وإناثاً مساحة كافية وآمنة للتحدث بلا خوف عن أي أذى أو خطر يتعرضون له، على أن تتم متابعة القضايا بجدية وبالتعاون مع أولياء الأمور والجهات المختصة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4n6uye59

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"