عادي

تيم والز.. «رهان على السياسة المبهجة»

02:02 صباحا
قراءة 8 دقائق
تيم والز

د. أيمن سمير

«الأفقر» بين المرشحين الأربعة لمنصب الرئيس ونائبه؛ حيث لا تزيد ثروته على مليون دولار، أول مدرس في مدرسة رسمية يحصل على بطاقة ترشيح رئاسية، توفي والده بالسرطان عندما كان في التاسعة عشرة من عمره، واعتمدت عائلته على إعانات الضمان الاجتماعي؛ لتغطية نفقاتهم، وفي سن السابعة عشرة التحق بالجيش وخدم في الحرس الوطني لمدة 24 عاماً، نموذج «للأب» القريب جداً من ابنته، حتى أن البعض قالوا إنهم كانوا يتمنون أن يكون لهم أب مثله، عنوان للسعادة والمرح سواء على شاشات التلفزيون أو مع الحشود الانتخابية، له شهرة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأنه ودود ومهذب وساخر أيضاً، ويقدّم خدمات لم يقدمها أي حاكم من قبل، فيمكنه ببساطة أن يشرح لك كيف تصلح سيارتك أو كيف تتعلم قيادة السيارة بطريقة محببة وبسيطة، يمتلك مزيجاً غنياً من الخبرة العسكرية والتعليمية والتنفيذية، وهو ما يعزز من استراتيجية الحزب الديمقراطي للتقرب للشباب وصغار السن، فمن الطبيعي أن تجده يرقص أو يحتضنه الأطفال، يسابق الزمن من أجل فعل الخير، لذلك عمل على تقديم «وجبات مجانية» لطلاب المدارس، ووافق على إجازات مدفوعة لتعزيز أواصر الأسرة في ولاية مينسوتا.

عمل مدرساً للدراسات الاجتماعية، وذهب لتدريس اللغة الإنجليزية في الصين قبل أن يخدم لمدة 24 ساعة في الجيش الأمريكي في الحرس الوطني، أجمع الجميع في الحزب الديمقراطي، بمن فيهم السيناتور المشاغب جو مانشين، بأنه «صفقة حقيقية» للديمقراطيين، قاتل من أجل الطبقة المتوسطة، يقول عنه الديمقراطيون، إنه رجل وطني يؤمن بالوعد الاستثنائي لأمريكا، الوعد الذي يقوم على الحرية وعدالة الفرص للجميع دون استثناء، يتفاخر بجذوره الريفية رغم أن قواعد الحزب الديمقراطي تتركز أساساً في المناطق الحضرية والضواحي، الذين عملوا معه في مجلس النواب أو في ولاية مينسوتا يقولون عنه، إنه يتمتع بسمعة طيبة، وقادر دائماً على أن يتحدث مع خصومه المشرعين رغم كل الخلافات السياسية.
إنه تيم والز المرشح لمنصب نائب الرئيس على بطاقة الديمقراطيين مع كامالا هاريس التي قالت عنه: «إنه من النوع الذي يجعل الناس يشعرون بأنهم ينتمون إليه ثم يلهمهم ليحلموا أحلاماً كبيرة، هذا هو نوع نائب الرئيس الذي تستحقه أمريكا»، ويراهن الديمقراطيون على تيم والز- الذي ولد في ولاية نبراسكا قبل أن ينتقل إلى مينسوتا- في جذب الناخبين البيض، وسكان الطبقة الوسطى، والعمال خاصة في ولايات الغرب الأوسط مثل ويسكنسون وميتشجان، وهما من الولايات المتأرجحة، ويراهن الديمقراطيون على مساعدة تيم والز لهم في انتخابات 5 نوفمبر/تشرين الثاني القادم؛ لأنه بالفعل يمتلك خبرات كثيرة ومتنوعة، فهو يعرف قضايا عائلات «قدامى المحاربين»، لأنه كان عضواً في مجلس النواب لمدة 12 عاماً في لجنة المحاربين القدامى؛ لأنه قبل ذلك عمل في الجيش الأمريكي 24 عاماً، كما أن لديه دراية كافية بالمشكلات التعليمية؛ حيث عمل مدرساً للدراسات الاجتماعية بعد التخرج من جامعة تشادرون ستيت عام 1989، وعندما فاز لأول مرة بعضوية مجلس النواب اكتشف الديمقراطيون أنه فاز عن منطقة جمهورية عام 2006 في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب، وبعد 12 عاماً في مجلس النواب استطاع أن يهزم الحاكم الجمهوري ويصبح حاكماً لمينسوتا عام 2018، وجدّد فوزه مرة أخرى عام 2022، هذه الأيام بات تيم والز معروفاً أكثر لدى الديمقراطيين؛ لأنه أطلق وصفاً على المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ونائبه جي دي فانس، بأنهما «غريبا الأطوار»، وهو الوصف الذي باتت كامالا هاريس تستخدمه كناية عن ترامب وفانس، فكيف يساعد اختيار تيم والز الديمقراطيين للفوز بانتخابات الرئاسة القادمة؟، وما هي عناصر القوة وعوامل الضعف التي تحيط بحاكم ولاية مينسوتا؟ وهل علاقته بالصين، وعدم معرفته بقوة على المستوى الوطني يمكن أن يطيحا به وبكامالا هاريس في 5 نوفمبر القادم؟

مزايا كثيرة

لم يأتِ اختيار تيم والز ليرافق كامالا هاريس على بطاقة الديمقراطيين من فراغ، ورغم الوقت القصير في عملية الاختيار فإن كل قادة الديمقراطيين رحبوا باختياره، وكان في مقدمتهم الرئيس جو بايدن، والرئيس الأسبق باراك أوباما، ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، وتراهن كامالا هاريس على تيم والز لعدد من الأسباب وفي مقدمتها:

أولاً: البهجة والطاقة الإيجابية

بعد الحالة الضبابية التي رافقت ترشح الرئيس الحالي جو بايدن ثم انسحابه من السباق الانتخابي تراهن هاريس على بث «روح سياسية جديدة» في حملتها ولدى قاعدة الناخبين الديمقراطيين والمستقلين عبر الاستفادة من «روح البهجة والسعادة» التي تضفيها تصريحات وتعليقات تيم والز السياسية؛ لأن والز من السياسيين الذين يؤمنون بأن السياسة يجب أن تكون أكثر بهجة، ويستطيع بسهولة أن يحوّل الخطاب المظلم والمشؤوم إلى طاقة أمل وإيجابية، وهذا هو «جوهر» الحملة الانتخابية لكامالا هاريس في مقابل محاولة حملة ترامب وفانس تصوير الأمر في أمريكا بأنه يدور فقط حول الانهيار والضعف والكارثة.

ثانياً: التوازن مع الجمهوريين

رغم الإيمان الكامل من جانب والز بأجندة الديمقراطيين فإنه تبنّي في السابق مواقف كثيرة تتفق مع الجمهوريين، وكان يستطيع التوصل «لحلول وسط» سواء عندما كان أكبر عضو في لجنة المحاربين القدامي في مجلس النواب أو عندما أصبح حاكم لولاية مينسوتا، وعندما كان في مجلس النواب كان يمثل الدائرة الجنوبية في الولاية، وهي منطقة يغلب عليها الجمهوريون والمحافظون، ولهذا تستطيع هاريس عن طريق والز أن تقدم نفسها كمرشحة لجميع الأمريكيين وليس فقط للديمقراطيين، ويتناغم اختيار والز مع الحملة التي أطلقتها هاريس لجذب الجمهوريين الذين يرفضون ترامب وفانس، خاصة أن والز مع مبدأ تخفيض الضرائب على كثير من الشرائح الأمريكية، وهذا موقف مهم في جذب بعض المستقلين الذين يخشون فرض ضرائب جديدة حال استمرار الديمقراطيين في البيت الأبيض لولاية جديدة.

ثالثاً:  طمأنة الناخبين البيض

كثير من التفسيرات التي يؤمن بها الديمقراطيون تقوم على أن فوز دونالد ترامب في انتخابات عام 2016 كان نتيجة «ردة فعل» على فوز باراك أوباما بالانتخابات في 2008 و2016، ولهذا تسعى كامالا هاريس باعتبارها آسيوية وسوداء لطمأنة السكان البيض، وخصوصاً الناخبين البيض في الولايات المتأرجحة، ونظراً لأن والز نشأ في منطقة ريفية تميل للجمهوريين يمكن أن يساعد الحزب الديمقراطي في جذب الناخبين البيض من الطبقة العاملة الذين تركوا الديمقراطيين وساعدوا في فوز دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر عام 2016، ورغم أن ولاية مينسوتا ولاية ديمقراطية، وصوتت لهيلاري كلينتون والرئيس جو بايدن فإنها تتجاور مع ولايات متأرجحة وحاسمة في الانتخابات القادمة، مثل ميتشجان ووسكنسون، ناهيك عن أن «أم تيم والز» كانت ربة منزل، وعمل والده مدير مدرسة لفترة طويلة، وكل هذا قد يعطي رسالة إيجابية للطبقة الوسطى، وسكان الريف في تلك الولايات المتأرجحة، خاصة في ظل الأرقام التي نشرها مركز بيو لاستطلاعات الرأي، وقالت إن 59 % من سكان الأرياف صوّتوا لصالح دونالد ترامب عام 2016، وزادت النسبة في انتخابات 2020 إلى 65% على الرغم من خسارة ترامب لانتخابات نوفمبر 2020.

رابعاً: المحاربون القدامى

عائلات وقضايا المحاربين القدامى محور رئيسي في الحملات الانتخابية للبيت الأبيض، ودائماً الجمهوريون يتفاخرون بأنهم الأقرب لقضايا وملفات المحاربين القدامى، لكن تيم والز الذي خدم 24 عاماً في الحرس الوطني بالجيش الأمريكي، وناضل من أجل المحاربين القدامى 12 عاماً في الكونجرس من 2006 حتى 2018، يستطيع أن يعزز من حضور الديمقراطيين وسط الناخبين من المحاربين القدامى، خاصة أنه كان في فترة من الفترات مدعوماً من رابطة «بيع البنادق» الموالية للجمهوريين، لكنه تخلى عن هذه الرابطة بعد وقوع أحداث عنف، ومطالبة ابنته الوحيدة «هوب» له بالتوقف عن دعم رابطة «بيع البنادق» والسلاح الشخصي.

خامساً: الطاقة الخضراء

يمثل تيم والز «النقيض الكامل» لملف الجمهوريين في الطاقة؛ لأن تيم والز كان لديه خطة للوصول بإنتاج الكهرباء الخضراء بنسبة 100 % في مينسوتا قبل عام 2040، بينما خطط ترامب وفانس تقوم على العودة مرة أخرى للاستثمار في استخراج النفط والغاز، بهدف تحويل الولايات المتحدة لمصدر لتوريد النفط والغاز لأوربا، ولكل دول العالم، وتحدث ترامب عمّا سمّاه بـ«الذهب السائل»، وكان يقصد بذلك مخزونات النفط والغاز العملاقة في ألاسكا وغيرها من الولايات الأمريكية، بينما كان أكبر قرار توصل إليه الرئيس جو بايدن مع الكونجرس هو إقرار حزمة بـ 1.2 تريليون دولار للتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتحديث البنية التحتية بمعايير خضراء تتفق مع حماية الكوكب.

نقاط الضعف

بدأ الجمهوريون بسرعة في التفتيش في ماضي والز، لعلهم يجدون بعض الثغرات ضد الرجل الذي يطلق عليهم النكات والسخرية على مدار الساعة، ولهذا قال المرشح الجمهوري دونالد ترامب: «إن والز سيكون أسوأ نائب رئيس في التاريخ، أسوأ حتى من الليبرالية كامالا هاريس، والز سيطلق العنان للجحيم على الأرض، ويفتح حدودنا أمام أسوأ المجرمين الذين يمكن تخيلهم، سيوافق على عملية الاحتيال الخضراء ويحرق تريليونات الدولارات في مشروعات الطاقة الجديدة»، وخلال الأيام الماضية تركزت هجمات الجمهوريين ضد والز في عدد من الملفات وهي:

أولاً: الشجاعة المسروقة:

هو اتهام ساقه جي دي فانس الذي خدم في العراق لمدة 4 سنوات بداية من عام 2007، واتهم فانس حاكم ولاية مينسوتا بأنه «يسرق الشجاعة» عندما يتحدث عن خدمته 24 عاماً في الجيش، ويقول فانس، إن والز طلب الخروج من الجيش قبل أن تذهب كتيبته العسكرية من إيطاليا إلى العراق هرباً من الحرب، وأنه لا يحق له الادعاء بالشجاعة، بينما فانس ذهب للعراق عام 2007 في ذروة المعارك بين الجيش الأمريكي والمقاومين العراقيين، وسوف تكون هذه القضية علامة جديدة في الانتخابات الأمريكية؛ لأنه منذ هزيمة جون ماكين الذي حارب في فيتنام، وخسر الرئاسة في انتخابات 2008 أمام باراك أوباما لم يترشح أحد من المحاربين القدامي، بينما في 20 يناير/كانون الثاني القادم سوف يدخل أحد الرجلين كنائب للرئيس والز أو فانس للبيت الأبيض.

ثانيا: أجندة تقدمية

يحذر ترامب وفانس من أن والز لديه «أجندة تقدمية» للغاية يمكن أن تدمر الأسرة الأمريكية لعدم إيمان نائب هاريس بالأسرة الطبيعية، وينتمي والز للجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي تقوده السيناتورة إليزابيث ويدعمون الإجهاض، ويتهم الجمهوريون والز بأنه قام بتقنين استخدام بعض أنواع المخدرات في مينسوتا.

ثالثاً: غير معروف

أشار الكثير من استطلاعات الرأي أن والز «غير معروف» على المستوى الوطني لدى كل الأمريكيين، وآخر استطلاع للرأي قال إن 13 % فقط من الأمريكيين يعرفونه معرفة جيدة، وأنه معروف فقط بين الديمقراطيين في الغرب الأوسط، لكن مرافقته لكامالا هاريس في الجولات الانتخابية وتصدره صفحات الصحف ونشرات الأخبار سوف يرفعان من شعبيته، ويساعدان على البحث في سيرته الذاتية، والتعرف إليه أكثر خلال الأشهر الثلاثة القادمة، خاصة أنه محبوب لدى جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، ويستطيع حتى نوفمبر القادم الاقتراب من الولايات والمناطق البعيدة عن الغرب الأوسط.

رابعاً- الملفات الخارجية

غادر والز إلى الصين عام 1989 لتدريس اللغة الإنجليزية وفق برنامج تابع لجامعة هارفارد؛ لذلك هو يعرف القليل عن اللغة الصينية، وفي هذا العام وقعت المظاهرات الصينية في ميدان تيانمين «الميدان السماوي» في بيجين، ويتهم الجمهوريون والز بأنه متعاطف مع الصين ولم ينتقدها في ذلك الوقت؛ لأنه بعد أن عاد من الصين أراد تأسيس شركة للرحلات الطلابية بين الصين والولايات المتحدة، ولهذا سافر والز للصين نحو 30 مرة، وقال جي دي فانس: «إن الصين سعيدة جداً باختيار كامالا للحاكم تيم والز لمنصب نائب الرئيس»، لكن حملة «هاريس - والز» ردت على هذا الاتهام بأن والز ملتزم تماماً بالموقف الأمريكي الذي يرى في الصين «منافساً استراتيجياً» للولايات المتحدة على مستوى العالم، وأن الصين تتنمر سياسياً واقتصادياً على جيرانها، وأنها تسعى لتقويض النظام العالمي القائم على القواعد الموروثه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأن والز مع هاريس سوف يعملان بكل قوة على بقاء الولايات المتحدة على رأس النظام العالمي أمام رغبة الصين في تغيير النظام العالمي بالاتفاق مع روسيا، ورد والز بنفسه على هذه الاتهامات، وقال: «إن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين يجب ألّا تكون عدائية»، لكنه في نفس الوقت يذكّر الجميع بأنه عمل عضواً في اللجنة التنفيذية الخاصة بالصين أثناء خدمته 12 عاماً في الكونجرس.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ms59nrxh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"