سويسرا تتقي "الإرهاب البيولوجي" في مختبر للفيروسات الفتاكة

15:27 مساء
قراءة 6 دقائق

افتتح مؤخراً في بلدة شبيتس بضواحي العاصمة السويسرية برن أول مختبر سويسري يتوفر على أقصى درجات الأمان البيولوجي. وسيبدأ المختبر قريباً في الحصول على دفعات من الفيروسات الفتاكة مثل فيروس حمى الايبولا وفيروس حمى ماربورغ، وهي من الفيروسات الوخيمة عظيمة التفشي وشديدة الفتك لدرجة أنها تعتبر من أنواع الأسلحة البيولوجية، وتؤدي بحسب الإحصائيات إلى وفاة 50 إلى 90% من المصابين. والهدف من استقدامها هو التسريع في التعرف إلى مسببات الأمراض الخطيرة.

تمت تهيئة المختبر الجديد بحيث يحقق أقصى درجات الأمان المتناسبة مع مهمته الحساسة الكفيلة بتشخيص مسببات الأمراض ذات مستوى الخطورة ،4 الذي هو أعلى معدلات الخطر البيولوجي، وبناء على ذلك، تم عزله عن العالم الخارجي بأبواب معدنية سميكة وجدران خرسانية، وزُوِّد بخزن مؤصدة، وأنير بأضواء نيون، وبدت غرفه بكامل التحصين، وبدا العاملون فيه وكأنهم رواد فضاء، يرتدون بِدَلا خاصة تلبسهم من قمة رؤوسهم حتى أخمص أقدامهم، وتخرج منها خراطيم لولبية متصلة بالسقف لتزويدهم بالأكسجين.

وقد يبدو الأمر وكأنه ضرب من الخيال العلمي، لكن الحقيقة تقول بأن مختبر شبيتس هو الأول من نوعه في سويسرا ولا يوجد على شاكلته سوى نحو 30 وحدة على مستوى العالم. ومن المقرر أن يبدأ مهمته الفعلية في بداية عام 2011 إثر الانتهاء من المرحلة التجريبية الحالية، وسيتركز عمله على دراسة الفيروسات التي لا يزال علاجها متعذرا في الوقت الحاضر.

وقال وزير الدفاع السويسري أولي ماورر أن هذا المشروع من شأنه أن يسد ثغرة أمنية مهمة في مجال الدفاع البيولوجي، قبل أن يضيف: من المعلوم أن الأسلحة البيولوجية ربما وصلت إلى أيدي إرهابيين أو إلى دول ذات حكومات ضعيفة، مما يشكل خطراً حقيقياً على الأمن الداخلي.

أما أندرياس ستيت باشير، الطبيب المسؤول في الجيش السويسري، فقد ألمح أيضاً إلى وجود حالات مستعجلة كأن يصل البلاد مهاجر يحمل فيروساً فتاكاً فعندئذ يتطلب الأمر المباشرة في إجراء التحاليل والسرعة في إظهار النتائج.

ومن جانبه، أبدى توماس بينز، رئيس قسم الأمن البيولوجي وعلم الوراثة البشرية التابع للمكتب الفدرالي للصحة العمومية، وجهة نظر مشابهة إذ اعتبر أن للمختبر مهمة حيوية تستند إلى سرعة إجراء الفحوص وتوفير الأمان اللازم عندما تبرز الحاجة إلى التعامل مع التهديدات الوبائية مثل السارس (الالتهاب الرئوي الحاد) وانفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير.

يذكر أن سويسرا اعتمدت فيما مضى على الخارج في إجراء اختباراتها البيولوجية الخطرة، أما الآن، فلديها مختبرها الخاص. وعلى حد قول ماورر، فإنه: لا يمكن الحصول على شيء من الخارج من دون مقابل، وفكرة أن يعطينا أحد شيئاً بالمجان هي ضرب من الوهم، وأردف قائلا: لكننا هنا نساهم في تحقيق الأمن في العالم، وهي مهمة نبيلة.

والمهم، وفقا لأندرياس بوشر رئيس الشؤون الاستراتيجية والاتصالات في مختبر شبيتس، أن تكون سويسرا قادرة على التعامل مع الأزمات بشكل مستقل، وألحظ إلى أنه: عندما يتفشى وباء أو يكون هنالك هجوم بأسلحة بيولوجية يُترك كل بلد لمواجه مصيره بنفسه.

وهذا لا يعني من حيث المبدأ ألا تتعاون البلدان فيما بينها، بل المؤمل أن يعمل المختبر الجديد على تعزيز التعاون مع منظمة الصحة العالمية، وأن يصبح مركزا تعتمد عليه المنظمة في تدريب وإعداد الكوادر العلمية.

ومن جهة أخرى، يعتبر المختبر الجديد، الذي بلغت تكلفته نحو 29 مليون فرنك، ثمرة من ثمار التعاون المدني العسكري، ويقع داخل بناء يمتلكه في الأساس مركز التدريب العسكري، مما يزيد من ملاءمة الموقع لإجراء التحاليل البيولوجية الخاصة بالجيش إذا لزم الأمر. ومع ذلك، أكد بوشر بأنه: لن يسمح بدخول المختبر إلا للعاملين فيه، ولا يوجد من بينهم عسكريون، ولن يستخدم المختبر في إنتاج الأسلحة البيولوجية، وليس له مهام عسكرية، بالرغم من أنه يمكن للجيش الاستفادة من خدماته.

واستطرد قائلا: بالنسبة لعملنا، لا يهم ما إذا كان انتشار الفيروس حصل بشكل طبيعي ونتيجة لظهور مرض معين، أو أنه تم لأسباب عسكرية أو لدوافع إرهابية، ولكن المهم هو إمكانية التعجيل في التعرف إلى الفيروس وتحديد مسببات المرض، واتخاذ التدابير الطبية اللازمة من أجل التصدي للخطر.

ومن زاوية أخرى، أوضح ماورر بأن الحدود التي تفصل بين المهام المدنية والمهام العسكرية هي في غاية الجلاء، وأن هنالك هدفاً مشتركاً، هو ضمان سلامة السكان، وأن تبادل الخبرات والمعارف من شأنه أن يحقق مستوى أمنياً عالياً.

ومن المعلوم وجود حركة دخول وخروج مقيّدة بالعاملين في المختبر، وأن هذه الحركة محكومة بجملة تدابير أمنية وقائية في غاية التعقيد، فهم يمرون عبر مجموعة كبيرة من الدهاليز والأنفاق، ويُلزمون بالاستحمام وتعقيم كامل أجسادهم، فضلا عن غسل ملابسهم الخاصة بالعمل بشكل دقيق لإزالة أي تلوث محتمل، ومن ثم إيداعها في حاويات أعدت لهذا الغرض، ولا نتحدث عن النظام العجيب من الأنابيب والمرشحات (الفلاتر) لتعقيم الماء وحتى الهواء، وكيف تنتهي القمامة إلى أفران بخار محكمة لها مهمة التطهير وإبادة الجراثيم، وليس هذا فقط، ولكن حدّث ولا حرج!

ومع ذلك، ربما يخطر ببالنا أن نتساءل ما إذا لو أن خطأ ما حدث، أو أمراً ما طرأ، فخرج فيروس إلى خارج المختبر؟ هذا الاحتمال برأي ماورر مستحيل ولا يمكن حدوثه، نظراً لوجود جملة من الاحتياطات المتداخلة والتي يكمل بعضها بعضاً. ويتابع قائلاً: نحن على يقين بأنه لا يمكن أن يخرج شيء إلى الخارج مطلقاً، إذ إن كل نظام من الأنظمة وكل جهاز يخضع لسلسلة من الإجراءات والضمانات الأمنية.

كذلك، على حد قول مارك ستراسر، رئيس قسم الفيروسات في مختبر شبيتس، يخضع كل شخص من العاملين في المختبر لسلسلة من التدابير والاحتياطات الأمنية المتعاقبة للحيلولة دون وقوع أخطاء بشرية. وبحسب الوزير أولي ماورر، فإن مراقبة إجراءات السلامة كلها تتم في نفس المركز، وهي فاعلة وتعمل بشكل جيد.

وعلى ذات الصعيد، أكد بوشر على أن المسؤولية بكل جوانبها هي شأن داخلي، وأن مهمة المختبر مدنية، وأن جميع الممارسات والأنشطة خاضعة لرقابة الدولة. وفي سياق متصل، وضمن فعاليات اليوم المفتوح، تمكن الزوار للمرة الأولى والأخيرة في حياتهم من وضع أقدامهم داخل مبنى مختبر شبيتس. ولم يكن مستغربا شعور الجميع بالأمان، وقد عبرت عن ذلك إحدى الزائرات المسنات قائلة لسويس إنفو إن الاحتياطات الأمنية رفيعة المستوى، وأنا مطمئنة، وفي المحصلة، هم كذلك حريصون على حياتهم، فيما قالت سيدة أخرى: لا يوجد مكان في العالم يحقق السلامة مئة في المئة، وأكدت مع ذلك بأنها لا تشعر بأي قلق.

واللافت للنظر، أن أحداً من المواطنين ولا من الهيئات الأهلية قام بالاعتراض على بناء المختبر بالرغم من أنه مخصص للتعامل مع أكثر الفيروسات خطراً، ويحتوي على معدات مدنية وأخرى عسكرية. وقد علّق فرانز أرنولد، رئيس بلدية شبيتس على الأمر قائلاً: إن سياسة الانفتاح والتواصل الإعلامي ساعدت بالتأكيد على كسب الثقة.

وفي جولة سريعة قامت خلالها سويس إنفو باستطلاع ردود الفعل في المنطقة الصناعية المحيطة، تبين أن بناء المختبر الجديد ليس مسألة شاغلة ولا مادة جدل. وقال رجل يعمل في ورشة لتصليح السيارات: لم تجر مناقشة مطوّلة للموضوع، وأقر بأنه بدا حائراً حينما شاهد على شاشة التلفزيون تقريراً مصوراً عن المشروع، وأضاف: على أية حال، نحن كمواطنين عاديين ليس بمقدورنا أن نفعل شيئاً.

كذلك، لم يحدث أي نقاش في الموضوع في المصنع القريب الخاص بصناعة الألواح العازلة، إلا أن أحد العمال زعم بأن: الناس لم يدركوا مدى خطورة الأمر، وبرأيه أن المعلومات كانت فقيرة.

أما جاكوب رايدر، من شركة Schnydrig SA، فقد أعرب عن ثقته بالمشروع بالرغم، كما قال، من وجود احتمالية الحد الأدنى من المخاطرة، ورغم أننا نقف في الخطوط الأولى، إذ لا يبعد الموقع عنا سوى نحو مئة متر. وقال أحد المستخدمين في شركة Spiezer Colasit، كان يقف بجانب شاحنته في مركز التخلص من النفايات: لقد مضى وقت على قيام المختبر، ولقد أصبح جزءاً من المكان، وبالتالي، هو يرى إمكانية العيش حتى مع وجود مختبر دراسة الفيروسات الفتاكة، ويلفت إلى أن المختبر هو أيضاً مصدر رزق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"