عادي
صندوق النقد في تقريره حول آفاق الاقتصاد في 2008

النمو العالمي يتراجع إلى 3.7 % واحتمالات بعدم تجاوزه 3%

03:35 صباحا
قراءة 12 دقيقة
أكد تقرير آفاق النمو الاقتصادي العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي ان التوسع العالمي بدأ يفقد وتيرته السريعة متأثرا بما تحول إلى أكبر الأزمات المالية منذ الحرب العالمية الثانية .وقال إن النشاط الاقتصادي شهد تباطؤاً حاداً في الاقتصادات المتقدمة قرب بداية عام 2008 ، لا سيما في الولايات المتحدة حيث تتركز التوترات المالية الأكثر حدة ويستمر التصحيح في سوق المساكن بنفس القوة . وفي الاقتصادات المتقدمة الأخرى، تباطأ النشاط في أوروبا الغربية أيضا خلال الربع الأخير من عام ،2007 وإن أبدى الاقتصاد الياباني قدرة أكبر على تحمل هذه التداعيات . أما الاقتصادات الصاعدة والنامية فلا يزال تأثُّرها بتطورات الأسواق المالية أقل بكثير حتى الآن ولا تزال محتفظة بوتيرة نموها السريع، بقيادة الصين والهند، وإن بدأ حدوث تراجع في نشاطها التجاري وإنتاجها الصناعي .أفاد التقرير التالي نصه بأن التضخم الكلي على مستوى العالم قد زاد مدفوعا باستمرار الأسعار المرتفعة للأغذية والطاقة . ففي الاقتصادات المتقدمة، تحرك التضخم الأساسي نحو الصعود في الأشهر القليلة الماضية بالرغم من تباطؤ النمو . وفي الأسواق الصاعدة، ارتفع معدل التضخم الكلي ارتفاعا أكثر حدة، تحت تأثير نمو الطلب القوي وزيادة وزن الطاقة، وكذلك الأغذية بشكل خاص، في سلال السلع الاستهلاكية .واستمر الرواج في أسواق السلع الأساسية بالرغم من تباطؤ النشاط العالمي . وكان الطلب القوي من الاقتصادات الصاعدة، والذي شكل جانبا كبيرا من الزيادة في استهلاك السلع الأساسية خلال السنوات الأخيرة، واحدا من القوى المحركة لارتفاع الأسعار، بينما كان الطلب المتعلق بأنواع الوقود الحيوي عنصرا داعما لارتفاع أسعار المحاصيل الغذائية الأساسية . وفي نفس الوقت، تأخر تعديل العرض بالتناسب مع ارتفاع الأسعار، لا سيما في حالة النفط، كما تقلص المخزون في كثير من الأسواق حتى بلغ مستويات منخفضة قياسية للمديين المتوسط والطويل . ويبدو أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية مؤخرا يرجع، ولو في جانب منه، إلى عوامل مالية أيضا، حيث بدأت هذه السلع تبرُز على نحو متزايد باعتبارها فئة أصول بديلة .وسرعان ما انتشرت الصدمة المالية التي نشأت في أغسطس/آب 2007 في السوق الأمريكية للرهون العقارية عالية المخاطر، وامتد أثرها وبطرق غير متوقعة لتلحق أضرارا بالغة بالأسواق والمؤسسات الحيوية في النظام المالي . وتسببت التداعيات اللاحقة في تقليص السيولة في سوق المعاملات بين البنوك، وأثرت في كفاية رأس المال في البنوك الكبرى، وحثت على إعادة تسعير المخاطر عبر مجموعة كبيرة من الأدوات المالية المختلفة، ولا يزال عجز السيولة شديدا رغم التحركات القوية التي بادرت بها البنوك المركزية الكبرى، بينما تكثفت المخاوف من مخاطر الائتمان وامتدت إلى أبعد من قطاع الرهون العقارية عالية المخاطر . وتراجعت بالمثل أسعار الأسهم مع تزايد دلائل الضعف الاقتصادي، كما استمر مستوى التقلب المرتفع في أسواق الأسهم والعملات .وتُحْدِث هذه الاهتزازات المالية تأثيرا متزايدا على كل من قنوات الائتمان المصرفية وغير المصرفية في الاقتصادات المتقدمة، بينما تتزايد الأدلة على حدوث ضائقة ائتمانية واسعة النطاق وإن لم تتحول بعد إلى أزمة ائتمان مكتملة الملامح .ويُلاحَظ تشديد معايير الإقراض المصرفي في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وتراجُع حركة إصدار الأوراق المالية المهيكلة، وشدة اتساع فروق العائد على سندات دين الشركات .ويبلغ التأثير أقصى درجاته في الولايات المتحدة حيث يسهم في تعميق التصحيح الجاري في سوق المساكن .وكانت قنوات انتقال الآثار في أوروبا الغربية هي البنوك الأكثر تعرضا بشكل مباشر لمخاطر الأوراق المالية الأمريكية منخفضة الجودة واضطرابات أسواق المعاملات بين البنوك وأسواق الأوراق المالية .أسواق النقدوكان للتوتر الذي أصاب الأسواق المالية في الآونة الأخيرة أثر أيضا على أسواق النقد الأجنبي . فقد زاد انخفاض سعر الصرف الفعلي الحقيقي للدولار الأمريكي مقارنة بما كان عليه في منتصف 2007 في ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية في السندات والأسهم الأمريكية والذي أحدثه انخفاض مستوى الثقة في سيولة هذه الأصول والعائد عليها، فضلا على ضعف احتمالات النمو في الولايات المتحدة وزيادة توقعات خفض أسعار الفائدة . وجاء الهبوط في قيمة الدولار الأمريكي ليعطي دفعة لصافي الصادرات، وليساعد على خفض العجز في الحساب الجاري الأمريكي إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي، بانخفاض مقداره 5 .1% تقريبا من إجماليالناتج المحلي عن الذروة التي بلغها في عام ،2006 ولا يزال المقابل الأساسي لانخفاض الدولار الأمريكي هو ارتفاع سعر اليورو والين وعملات معومة أخرى كالدولار الكندي وبعض عملات الأسواق الصاعدة .غير أن تحركات أسعار الصرف كانت أقل حدة في عدد من البلدان ذات الفوائض الكبيرة في حساباتها الجارية لا سيما الصين والبلدان المصدرة للنفط في الشرق الأوسط .وكانت الآثار الانتشارية المباشرة على الاقتصادات الصاعدة والنامية أقل حدة مما كانت عليه في فترات العسر التي سبق أن مرت بها الأسواق المالية العالمية، بالرغم من بعض الانكماش في تدفقات رؤوس الأموال الداخلة في الشهور الأخيرة والحجم المحدود الذي اتسم به نشاط الإصدار .وكان التأثير أكثر حدة في بعض البلدان شديدة الاعتماد على التدفقات المصرفية قصيرة الأجل العابرة للحدود . واقتصرت التداعيات التجارية الناجمة عن تباطؤ النشاط في الاقتصادات المتقدمة على نطاق محدود حتى الآن، وكانت أوضح في الاقتصادات التي تربطها بالولايات المتحدة معاملات تجارية كثيفة .ونتيجة لذلك، ظل النمو قويا في الاقتصادات الصاعدة والمتقدمة بشكل عام، وغلب عليه التوازن بين المناطق المختلفة، حيث لا يزال عدد كبير من البلدان يواجه معدلات تضخم آخذة في الارتفاع بسبب زيادة أسعار الأغذية والوقود وقوة الطلب المحلي .وتعتمد الاقتصادات الصاعدة والنامية في تحمل هذه التقلبات على تقدمها المتواصل نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي، والنطاق الواسع الذي يغطيه الانتعاش الراهن في أسعار السلع، مما أعطى الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار المحلي في البلدان المصدرة للسلع دفعة أقوى بكثير من أي دفعة تلقتها في فترات الانتعاش السابقة .وكان تعزيز الأطر الاقتصادية الكلية وتحسين البيئة المؤسسية عاملين مهمين وراء هذه التطورات المواتية . ونتيجة لذلك، أصبح أداء النمو في الاقتصادات الصاعدة والنامية أقل اعتمادا على مراحل الدورة الاقتصادية التي تمر بها الاقتصادات المتقدمة، وإن كان من الواضح أن الآثار الانتشارية لا تزال احتمالا واردا .الآفاق والمخاطرتشير التوقعات إلى تراجع النمو العالمي ليصل إلى 7 .3% في عام ،2008 بانخفاض قدره نصف نقطة مئوية عما كان عليه وقت صدور عدد يناير/كانون الثاني من تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي، و1،25 نقطة مئوية عن النمو المسجل في عام 2007 وإضافة إلى ذلك، يُنتظر أن يظل النمو دون تغيير في عام 2009 .ومن المتوقع أن يستمر التباعد في أداء النمو بين الاقتصادات المتقدمة والصاعدة، مع انخفاض النمو في الاقتصادات المتقدمة بشكل عام إلى مستويات أدنى بكثير من المستوى الممكن . وسوف ينزلق الاقتصاد الأمريكي إلى حالة من الركود الطفيف قبل أن يبدأ في تحقيق تعافٍ محدود في عام 2009 ومن المرجح أن تظل الأوضاع بالغة الصعوبة في الأسواق المالية، لا سيما في الولايات المتحدة حيث يتوقع أن يظل التصحيح في أسواق المساكن عائقا أيضا أمام الطلب، كما يمكن أن يصيب الضعف أسواق المساكن في بعض البلدن الأوروبية أيضا .ولا يزال احتمال النتائج دون المتوقعة هو الأرجح في ميزان المخاطر الكلية التي تتعرض لها آفاق النمو العالمي على المدى القصير . ويرى خبراء الصندوق حاليا أن انكماش النمو العالمي إلى 3% أو أقل في عامي 2008 و2009 هو احتمال بنسبة 25% وهو ما يعادل حالة من الركود العالمي . ويكمن الخطر الأكبر في الأحداث التي لا تزال تتكشف في الأسواق المالية، لا سيما المخاوف من أن تؤدي الخسائر الفادحة في منتجات الائتمان المهيكلة ذات الصلة بالرهون العقارية الأمريكية عالية المخاطر وغيرها من القطاعات إلى إيقاع ضرر بالغ بالنظام المالي وتحويل ضائقة الائتمان الراهنة إلى أزمة ائتمان مكتملة الملامح . ولا يزال التفاعل بين الصدمات المالية السالبة والطلب المحلي من المخاطر الجسيمة التي تهدد بنتائج دون المستوى المتوقع في الولايات المتحدة وبدرجة أقل في أوروبا الغربية والاقتصادات المتقدمة الأخرى، وإن كان الاحتمال قائما بأن يتجاوز الطلب المحلي في الاقتصادات الصاعدة مستواه المتوقع .وفي الوقت نفسه، زادت المخاطر المتعلقة بالضغوط التضخمية، مما يعكس استمرار الطفرة السعرية في أسواق السلع الأساسية عالية المنافسة واتجاه التضخم الأساسي نحو الارتفاع .قضايا السياساتيواجه صانعو السياسات على مستوى العالم مجموعة من التحديات المتنوعة سريعة التحرك . وفي عالم يزداد توجها نحو التعددية القطبية، ورغم تَفَرُّد الظروف التي يمر بها كل بلد على حدة، فسوف يتعين النظر إلى هذه التحديات مجتمعة، مع المراعاة الكاملة لأثر التفاعلات عبر الحدود . ففي الاقتصادات المتقدمة، تتمثل المهام العاجلة في معالجة الاهتزازات التي أصابت الأسواق المالية واتخاذ إجراءات بشأن مخاطر النمو دون المتوقع مع النظر بعين الاعتبار أيضا عند اختيار السياسات اللازمة إلى مخاطر التضخم وبواعث القلق على المدى الأطول .ولا يزال التحدي الآني في كثير من الاقتصادات الصاعدة والنامية هو ضمان ألا يؤدي النمو القوي إلى تصاعد التضخم أو تزايد مواطن التعرض للخطر، ولكن البلدان ينبغي أن تكون على استعداد للتحرك في مواجهة تباطؤ النمو وتفاقم أوضاع التمويل إذا ما حدث تدهور حاد في البيئة الخارجية .الاقتصادات المتقدمةتواجه السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة مهمة الموازنة الدقيقة بين تخفيف مخاطر النمو دون المتوقع من ناحية والوقاية من تصاعد التضخم من ناحية أخرى . ففي الولايات المتحدة، زادت مخاطر الركود بشكل واضح وسط أجواء غموض كثيفة بشأن مدى الاضطرابات المالية ومدتها وتأثيرها وتدهور أوضاع سوق العمل، وهو ما يبرر تخفيضات أسعار الفائدة الحادة التي أجراها الاحتياطي الفيدرالي مؤخرا واستمرار التحيز للتيسير النقدي إلى أن يصبح الاقتصاد مرتكزا على أرض أكثر صلابة . وفي منطقة اليورو، ورغم أن التضخم الراهن بلغ مستويات مرتفعة غير مريحة، فإن الاحتمالات المرجحة تشير إلى تراجع هذه المستويات مرة أخرى مع نهاية 2009 تمشيا مع النطاق المستهدف الذي حدده البنك المركزي الأوروبي، مع ميل مخاطر التضخم صوب مستويات دون المتوقعة . وعلى ذلك فقد أصبح باستطاعة البنك المركزي الأوروبي أن يُحْدِث بعض التيسير في موقف السياسة النقدية .وفي اليابان، من المفيد أيضا إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير، وإن كان المجال سيكون مفتوحا بدرجة محدودة أمام تخفيض هذه الأسعار عن مستوياتها المنخفضة أصلا إذا ما حدث تدهور شديد في الاحتمالات المتوقعة للنمو .وإلى جانب هذه الأولويات العاجلة، تسببت التطورات المالية الأخيرة في إشعال الجدل الدائر حول المدى الملائم الذي ينبغي أن تتوخاه البنوك المركزية في مراعاة أسعار الأصول عند تحديد موقف السياسة النقدية . وفي هذا السياق، ينظر الفصل الثالث من هذا التقرير في الروابط بين دورات أسعار العقارات والسياسة النقدية ويخلص إلى أن التجربة الأخيرة تبدو مؤيدة للرأي القائل بضرورة إعطاء وزن أكبر لتحركات أسعار المساكن في قرارات السياسة النقدية، وخصوصا في الاقتصادات التي تمتلك أسواقا أكثر تطورا للرهن العقاري أصبحت آثار "المعجِّل المالي" فيها أكثر وضوحا . ويمكن تحقيق ذلك ضمن إطار لإدارة المخاطر تعتمده السياسة النقدية عن طريق "السير ضد اتجاه الريح" عندما تتحرك أسعار المساكن بسرعة أو بعيدا عن نطاقات التقييم الطبيعية، وإن كان من غير الممكن أو المحبذ أن تعتمد السياسة النقدية أهدافا محددة لأسعار المساكن .ويمكن أن تقوم سياسة المالية العامة في الاقتصادات المتقدمة بدور مفيد في تحقيق الاستقرار في حالة هبوط النشاط الاقتصادي، ولكنها لا ينبغي أن تهدد الجهود الرامية إلى ضبط أوضاع المالية العامة على المدى المتوسط لمواجهة شيخوخة السكان .فأولاً، هناك أدوات للضبط التلقائي يمكن أن توفر الدعم اللازم من المالية العامة من دون تعريض التقدم في تحقيق أهداف المدى المتوسط للخطر . وإضافة إلى ذلك، فإن المخاوف الحالية بشأن مدى قوة عوامل الركود ومدى الضعف الذي يمكن أن تكون الاهتزازات المالية قد أحدثته في الآلية المعتادة لانتقال آثار السياسة النقدية تمثل أسبابا وجيهة للاستعانة بدفعة تنشيطية إضافية على أساس استنسابي في بعض البلدان، ولكن أي دفعة تنشيطية من هذا القبيل يجب أن تُقَدَّم في الوقت المناسب ثم تُسحَب على وجه السرعة .ففي الولايات المتحدة الأمريكية حيث أدوات الضبط التلقائي محدودة نسبيا يبدو أن هناك من الحجج القوية ما يبرر التشريع الذي أصدرته مؤخرا بتقديم دعم إضافي من المالية العامة للاقتصاد الأمريكي الواقع تحت ضغوط، وإن كان من المهم في نفس الوقت عدم المساس بالتقدم المحرز في السنوات الأخيرة نحو ضبط أوضاع المالية العامة .وفي منطقة اليورو، يُلاحَظ أن أدوات الضبط التلقائي أكثر شمولا وينبغي السماح لها بأن تعمل بحرية تامة حول مسار للعجز يتسق مع التقدم المطرد نحو أهدافها متوسطة الأجل . أما البلدان التي أصبحت أهدافها متوسطة الأجل تحت سيطرتها التامة فيمكن أن تقدم دفعة تنشيطية إضافية أيضا عند الحاجة .ويمكن السماح لأدوات الضبط التلقائي بالعمل عند هبوط النشاط الاقتصادي، ولكن تأثيرها في الطلب المحلي سيكون طفيفا، وسوف يكون المجال ضيقا لاتخاذ إجراء استنسابي إضافي .ويحتاج صانعو السياسات ايضا إلى مواصلة جهودهم الحثيثة لمواجهة اضطرابات الأسواق المالية حتى يتسنى اجتناب وقوع أزمة ثقة مكتملة الأركان أو أزمة ائتمان شاملة . وتتمثل الأولويات العاجلة، في إعادة بناء الثقة لدى الأطراف المقابلة، وتعزيز سلامة المؤسسات من الناحيتين الرأسمالية والمالية، وتخفيف نقص السيولة .ويمكن أن يساعد إطلاق مبادرات لتحقيق الاستقرار في سوق المساكن الأمريكية أيضا على الحد من جوانب عدم اليقين المحيطة بتطورات النظام المالي . وتشمل إصلاحات المدى الأطول تحسين التنظيم في أسواق الرهن العقاري، وتشجيع استقلالية هيئات التصنيف الائتماني، وتوسيع نطاق الرقابة، وتقوية إطار التعاون الرقابي، وتحسين آليات حل الأزمات .الاقتصادات الصاعدة والناميةلا تزال الاقتصادات الصاعدة والنامية تواجه تحديات السيطرة على التضخم مع توخي اليقظة لمخاطر التطورات دون المتوقعة نتيجة لتباطؤ النشاط في الاقتصادات المتقدمة وزيادة الضغوط في الأسواق المالية . وقد يتطلب الأمر في بعض البلدان مزيدا من التشديد للسياسة النقدية حتى يتسنى الإبقاء على التضخم قيد السيطرة .وفي ظل نظام سعر الصرف المرن، غالبا ما يصبح ارتفاع سعر الصرف عاملا إيجابيا في دعم التشديد النقدي . وتقل فرص الاستجابة في البلدان التي تخضع أسعار صرفها للتوجيه المكثف أمام الدولار الأمريكي، إذ إن الارتفاع المستمر في أسعار الفائدة قد يشجع دخول تدفقات رأسمالية أكثر ضخامة . ويمكن أن تستفيد الصين وغيرها من البلدان ذات الاقتصادات المتنوعة إذا تحولت إلى نظم أكثر مرونة تتيح فرصة أكبر للحركة أمام السياسة النقدية .وبالنسبة لكثير من البلدان المصدرة للنفط في الشرق الأوسط، يمثل ربط سعر الصرف بالدولار الأمريكي عائقا أمام السياسة النقدية، وسوف يكون من المهم مواءمة تراكم الإنفاق الحالي من المالية العامة لمراعاة المرحلة الدورية التي تمر بها هذه الاقتصادات وإعطاء أولوية للإنفاق الذي يهدف إلى تخفيف اختناقات العرض .ويمكن لسياسة المالية العامة والسياسة المالية القيام بدور فعال أيضا في تجنب النشاط الاقتصادي المحموم وما يجلبه من مشكلات . فمن خلال تقييد الإنفاق يمكن خفض الطلب المحلي، وتقليل الحاجة إلى التشديد النقدي، وتخفيف الضغوط الناشئة عن تدفقات رؤوس الأموال الداخلة قصيرة الأجل . أما الرقابة المالية اليقظة التي تهدف إلى تشديد معايير الإقراض بالدرجة الملائمة وتعزيز إدارة المخاطر في المؤسسات المالية المحلية فيمكن أن تعود بالنفع على البلدان المعنية عن طريق خفض الدفعة التنشيطية التي يتيحها الطلب في ظل النمو الائتماني السريع وكذلك عن طريق الحد من تزايد مواطن الضعف في الميزانية العمومية .المبادرات والسياسات متعددة الأطرافأصبح تضافر الجهود مطلبا لا غنى عنه في مواجهة التحديات العالمية . فإذا ما حدث هبوط حاد في النشاط الاقتصادي العالمي، سيكون هناك ما يستدعي الدعم المالي المؤقت من مجموعة كبيرة من البلدان التي حققت تقدما طيبا خلال السنوات القليلة الماضية في تأمين سلامة مالياتها العامة .ويمكن أن تكون فعالية المبادرة المشتركة أكبر بكثير من فعالية الجهود المنفردة في تعزيز الثقة وزيادة الطلب، نظرا لحتمية حدوث تسربات عبر الحدود من الإنفاق الإضافي في الاقتصادات المفتوحة . ورغم أن إطلاق مبادرة من هذا القبيل لا يزال أمرا سابقا لأوانه، فمن الحكمة أن تشرع البلدان على الأقل في التخطيط للطوارئ تحسبا لاحتمال الحاجة إليها .ولا يزال الحد من المخاطر المصاحبة لاختلالات الحسابات الجارية العالمية مطلبا مهما . ومن المشجع أن هناك بعض التقدم الجاري في تنفيذ الاستراتيجية التي أقرتها اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية وخطط السياسات الأكثر تفصيلا التي وضعها المشاركون في جولة المشاورات متعددة الأطراف برعاية صندوق النقد الدولي والرامية إلى إعادة التوازن للطلب المحلي في مختلف البلدان، مع إحداث تحركات داعمة في أسعار الصرف الحقيقية .ولا تزال خريطة الطريق هذه تتلاءم مع الظروف الراهنة، ولكن استخدامها ينبغي أن يتسم بالمرونة لمراعاة السياق العالمي المتغير . ولا يزال تخفيض الحواجز التجارية من الأولويات المهمة ايضا، ولكن التقدم البطيء في استكمال جولة مفاوضات الدوحة جاء مخيبا للآمال . وقد كان تزايد التبادل التجاري مصدرا أساسيا للأداء القوي الذي حققه الاقتصاد العالمي مؤخرا والتقدم في مسيرة الحد من الفقر في جميع أنحاء العالم ولا يزال من الضروري إعطاء دفعة جديدة للجهود المبذولة في هذا المجال .ومن التطورات التي تحظى بكل ترحيب ما قُطِع مؤخرا من التزامات بوضع إطار للعمل المشترك في مرحلة ما بعد بروتوكول كيوتو من أجل معالجة تغير المناخ . وكما يطرح الفصل الرابع للنقاش، هناك تبعات اقتصادية كلية مهمة تترتب على جهود التكيف مع تراكم غازات الاحتباس الحراري والحد منها .ويخلص الفصل إلى إمكانية احتواء هذه التبعات شريطة أن تقوم الجهود المبذولة لاحتواء الانبعاثات على نظام فعال لتسعير الكربون يأخذ في الحسبان ما تسببه هذه الانبعاثات من أضرار . وينبغي أن يطبق هذا النظام في جميع البلدان لتعظيم كفاءة الحد من الانبعاثات، كما ينبغي أن يتسم بالمرونة تفاديا للتقلب، وأن يكون محققا للمساواة كي لا يفرض أعباء مفرطة على البلدان الأقل قدرة على تحملها .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"