عادي

دروس العالم الثالث للاقتصادات المتقدمة

21:16 مساء
قراءة 3 دقائق
آراء وتحليلات
آراء وتحليلات

د. عبد العظيم حنفي *

هناك عدد متزايد من الاقتصاديين المهتمين بتنمية الأسواق الصاعدة، يؤكدون حقيقة أن بلدان العالم الثالث السابق حققت تحولاً اقتصادياً تاريخياً، فأصبحت الأسواق الصاعدة هي التي تقود النمو العالمي. ويركزون على أن هذه البلدان أنجزت هذا التحول عبر ثلاثة عقود من الإصلاحات الاقتصادية التي دفعها إليها العالم الأول  أي البلدان التي حاصرتها الأزمات في عام 2008 وما تلاها  ولكن حكوماتها تبدو كارهة لتناول الوصفات الصادرة عنها.

ويرى الاقتصاديون أن الأسواق الصاعدة تمكنت من تحقيق نجاح اقتصادي بارز بتطبيق ثلاثة مبادئ أساسية، هي الانضباط؛ أي الالتزام المستمر باستراتيجية براجماتية للنمو تتوخى اليقظة والمرونة وتثمين ما يفيد البلد ككل، أكثر مما يفيد فرداً واحداً أو مجموعة مصالح بعينها، ويشيرون إلى حكاية آيسوب عن «النملة والجندب» التي يمضي فيها «الجندب شهور الصيف يغني، بينما النملة تخزن الطعام لفصل الشتاء، حين يصبح الجو بارداً يجد الجندب نفسه متضوراً من الجوع ويتوسل إلى النملة للحصول على الطعام. 

ويقول الاقتصاديون إن الولايات المتحدة من الاقتصادات المتقدمة الشبيهة بالجنادب. ففي وقت الرخاء حين كانت البلاد تحقق فائضاً مالياً، قرر الرئيس جورج بوش الابن عام 2001، الاستغناء عن هذا الفائض من خلال التخفيضات الضريبية بدلاً من ادخاره، ونتيجة لذلك وقعت الأزمة المالية لاحقاً. ولم تكن البلاد تمتلك الهامش الوقائي اللازم لتخفيف أثرها، في حين أن عديد البلدان من العالم الثالث لاسيما البلدان التي حباها الله بوفرة الموارد الطبيعية، اتبعت استراتيجية الادخار تحسباً لأوقات العسر. ولو أن الأمريكيين تواضعوا ولاحظوا الدروس التي تنطوي عليها تجربة كثير من بلدان العالم الثالث لأمكن تحقيق مستقبل أكثر إشراقاً للأمريكيين جميعاً، والمبدأ الثاني هو الوضوح؛ أي الالتزام الواضح من جانب قادة البلاد بتغيير التوجه، والمبدأ الثالث هو الثقة بين المواطنين والحكومة، على سبيل المثال، أو بين بلدين. ويؤكدون أن الاقتصادات الصاعدة تحقق تقدماً ملحوظاً على مدار العقود الثلاثة الماضية، فأصبحت تسهم بأكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي (على أساس القوى الشرائية)، مقارنة بأقل من الثلث في عام 1990. كما أن هناك بوادر على أن النمو الهائل الذي حققته الاقتصادات المتقدمة بدأ يقترب من النهاية. ومهما يظهر من إجهاد في الأسواق الصاعدة، فإن أحد الأسباب الرئيسية لسطوع نجم الاقتصادات الصاعدة هو بفضل الإصلاحات الاقتصادية الشاقة. وربما كانت من دروس «كوفيد -19» تأكيد تلك المقولة على بعض الأسواق الصاعدة.

وفي هذا السياق، يطرحون تساؤلاً: هل يعتبر تخفيف أعباء الديون إيجابياً أم سلبياً؟ يرى أنصار النظرية المعنية بمفهوم المديونية المفرطة، إيجابية تخفيف أعباء الديون التي تدور حول أن تخفيف أعباء الديون من شأنه تشجيع النمو الاقتصادي في البلدان المثقلة بالديون، وأن الدين الخارجي المفرط يؤثر في الاستثمار. ومستويات الدين المرتفعة تعني ارتفاع أسعار الضرائب في المستقبل، نظراً إلى للحاجة إلى مزيد من الإيرادات الضريبية لخدمة الدين. 

وطبقاً لهذه النظرية المعنية بمفهوم «المديونية المفرطة»، يؤدي شطب الديون إلى مزيد من الاستثمار والنمو، مما يحقق نتائج إيجابية للبلد المعني، لكن هناك فريق من الاقتصاديين يقولون إنهم درسوا البيانات وتبين لهم أن تخفيف أعباء الديون يضيف قيمة جديدة في اقتصادات البلدان متوسطة الدخل، وخاصة في بلدان أمريكا اللاتينية التي منحت إعفاء من ديونها. 

لكن البلدان التي حصلت بعد ذلك على تخفيف أعباء الديون بمقتضى المبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون، لم يكن لديها ما يمكن أن يعتبر سوقاً لرأس المال الخاص بالمعنى الدقيق. 

* باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"