عادي

الأوبئة ..أشباح تزرع الخطر

23:32 مساء
قراءة دقيقتين
1

تجسدت مخاوف الرجل الغربي من الموت في الرهبة من أحد الأمراض الغريبة عبر التاريخ، وقد حدث ذلك بشكل دوري: الرهبة من الجذام في العصور الوسطى، والطاعون (الموت الأسود) في القرن الرابع عشر، والزهري في القرن السادس عشر، أخذ كل مرض من هذه الأمراض يحوم كالشبح، وبطريقة درامية في الخبرة الجماعية الأوروبية للصدمة والألم، وقد أسهم في صك تعبيرات بلاغية تصف تلك اللعنة الشريرة، وبالمثل أثارت موجات وباء الكوليرا المتتابعة، خلال القرن التاسع عشر، وعياً وخوفاً على المستوى العالمي في الوقت الذي كان المرض نفسه يجتاح أوروبا وما وراء البحار، حاصداً أرواح آلاف الضحايا في مشهد موت فجائي، يعلو من بعده ركام الجثث والخراب.

في نفس الوقت استمرت معاناة الناس من علل أخرى مميتة أو مسببة للعجز، مثل التيفوس والتيفود والالتهاب الرئوي والجدري والسل، لكن كان ينظر إليها كمتاعب من ضمن متاعب الحياة اليومية يجب احتمالها حتى تنتهي إما بالموت أو الشفاء، ربما كان الالتهاب الرئوي الذي يسببه الدرن أكثر فتكاً من الكوليرا، حدث ذلك في الأمم الصناعية خلال القرن التاسع عشر، لكن افتراس هذا الوحش لضحاياه بشكل تدريجي لم يسبب تلك الضجة والصراخ العلني الذي سببته الكوليرا، إلا أن الدرن قد ألهم الأدب ذائع الصيت صوراً رومانسية لضحاياه.

يشير هذا الكتاب وعنوانه «أرواح في خطر» تأليف «لافيرن كونكه» وترجمة د. أحمد زكي أحمد، إلى أن الاهتمام بوجود «أجسام خارج أجسادنا» يدعم فكرتنا عن المرض بوصفه عنصراً أجنبياً خارجياً يغزو الجسد، الفكرة العارضة لهذه النظرة، أي المفهوم الفسيولوجي للمرض، فسرت المرض بوصفه ظاهرة عمومية، خلل في التوازن بين القوى الطبيعية داخل وخارج الشخص المريض، أو بمصطلحات أكثر اعتياداً لما اصطلحنا عليه في القرن العشرين، تكيف الإنسان أو عدم تكيفه مع بيئته، وتعايش كلا المفهومين متجاورين جنباً إلى جنب في الفكر الطبي عبر العصور، مع هيمنة أحدهما على الآخر أو العكس في أوقات وأزمنة متباينة.

رصدت «لافيرن كونكه» في هذا الكتاب عشرة أوبئة للكوليرا ضربت مصر بين عامي 1831 و1902 ارتبط وصولها إلى البلاد برحلات الحجيج المارة بمصر، وبتلوث مياه الشرب، وبالفقر وتدني مستوى المعيشة بشكل عام، فسجلت وصفاً موجعاً لأهم ثلاث موجات من الوباء، أولها وباء عام 1831 الذي كان أشد فتكاً، حيث حصد أرواح نحو 150 ألفا من المصريين (من ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة).

وقد صورت المؤلفة الصراع الذي حدث بين الحكومة ومعازلها والحجاج والأهالي الهاربين منها وهم يحملون المرض إلى أنحاء البلاد، وكيف كان الأطباء الحكوميون يهربون من الخدمة خوفاً من إصابتهم بالوباء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"