الورم الفقري.. يعوّق أداء الوظائف العصبية

تحقيق: راندا جرجس
يمتد العمود الفقري من أعلى الرقبة إلى الحوض، وتربطهما مجموعة من العظام الصغيرة أو الفقرات المتراصة فوق بعضها، وتحيط بالحبل الشوكي، لتشكل العمود الساند للجسم وحماية الأعصاب النازلة من الدماغ إلى الأطراف العليا والسفلى، والأحشاء الداخلية الحساسة التي تشمل القلب، والرئة، وبالتالي يعتبر من أكثر المناطق عرضة للإصابات المتعددة، ويعد الورم الفقري هو المشكلة الأكثر خطورة؛ حيث يؤثر في العظام والفقرات، ويُحدث اختلالاً في الوظائف العصبية نتيجة الضغط على الحبل الشوكي أو جذور الأعصاب المحيطة، ويعوق أداءها، ويؤثر في الأطراف، وتتراوح المضاعفات من بسيطة إلى خطِرة وربما تنجم عنه صعوبة في المشي أو شلل أو عجز دائم، وفي السطور القادمة يخبرنا الخبراء والاختصاصيون عن هذا الموضوع تفصيلاً.

يقول الدكتور زين العبيدي، استشاري جراحة العظام: إن أورام العمود الفقري يمكن أن تستهدف جميع الفئات العمرية، وتختلف نوعية الورم بحسب السن، ففي الأطفال يكون معظمها من النوع الحميد (كيسيه أو ليفية أو نسيجيه عصيبيه) وربما تتحول مع الوقت إلى سرطانية، لكن بنسبة قليلة أو نادرة الحدوث، أما عند الكبار فعلى الأغلب تكون من الأورام الخبيثة من النوعية الثانوية المنتشرة من مناطق أخرى، أو أورام الأنسجة الحامية أو الليفية العصيبية الخبيثة، أو أورام العظام والمفاصل.
أعراض وعلامات
ويوضح د.زين، أن الإصابة بأورام العمود الفقري يرافقها في البداية آلام شديدة في الظهر، وفي الحالات المتقدمة يمكن أن يتعرض المصاب إلى ضعف في أداء جزء من الأطراف، أو يؤدى إلى شلل كامل أو تهشم وتكسر الفقرات، وضغط على الأعصاب، إضافة إلى انتشار الورم إلى أجزاء أخرى، ويتم تشخيص هذه الحالة عن طريق الفحص السريري، والتصوير بالأشعة السينية والمقطعية والرنين المغناطيسي، وأخذ خزعة من المنطقة المصابة لتحديد نوع الخلايا الخبيثة.
التدخل الجراحي
ويلفت د.زين، إلى أن تحديد العلاج يتم بحسب نوع الورم سواء كان حميداً أو خبيثاً، ومدى انتشاره والمضاعفات الناجمة عن الإصابة، ففي المراحل الأولى يمكن استئصاله بالكامل عن طريق التدخل الجراحي، والتعويض عن الأجزاء المفقودة، وتجدر الإشارة إلى أن هذه العمليات هي مجرد تخفيف حجم الورم، ورفع الضغط عن الأعصاب، ويجب أن يخضع المريض بعدها للعلاج الكيميائي.
إعادة التأهيل
ويذكر الدكتور راشد آل شعيل، استشاري أمراض العظام، أن إصابات العمود الفقري متنوعة ومختلفة، وهناك العديد من المشكلات البليغة التي تحتاج إلى إعادة التأهيل، ويتم تحديدها بناء على نوع الإصابة، مثل الكسور التي يمكن أن تحدث للفقرات في هذه المنطقة، وما إذا كانت مصاحبة لعجز أو شلل أو إصابة في الأعصاب أو مخاطر أخرى ككسور في الأطراف، وتعتمد هذه البرامج على تدريب المريض على المشي بالطريقة الصحيحة، بعد الانتهاء من مرحلة العلاج الطبي.
مهام متعددة
ينوه د.راشد، إلى أن برامج إعادة التأهيل لمشكلات العمود الفقري، تختلف بحسب نوعية الإصابة سواء البسيطة أو المعقدة، ويتم وضع كل مريض على برنامج محدد بناء على إصابته، وتقييم الحالة من قبل الطبيب المختص؛ حيث إن أساليب إعادة التأهيل تختلف من شخص لآخر، وتهدف إلى تقديم العلاج اللازم وتحسين عملية الشفاء، حتى يتسنى للمصاب القيام بوظائفه وأداء مهامه اليومية والأنشطة المنزلية مثل الأكل، واللبس والاستحمام بشكل أفضل وبالاعتماد على نفسه.
أساليب مساعدة
ويذكر د.راشد، أن استخدام الأحواض المائية يسهم في تقوية العضلات والمحافظة على سلامة العظام؛ حيث تعمل هذه الطريقة العلاجية على تحفيز الحواس الحسية والعصبية بسرعة أفضل للتعافي بشكل أسرع، وهناك العديد من الأساليب المساعدة الأخرى مثل تقويم العمود الفقري الذي يستخدم فيه العلاج الطبيعي كوسيلة لتقوية العظام وتخفيف الألم، والمساهمة في علاج المشاكل الصحية، ويعزز التدليك العلاجي وتمارين اللياقة صحة الجسم، إضافة إلى ضرورة متابعة المرضى خلال الفترة العلاجية عن قرب وبدقة، ومراحل تطور الشفاء من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من برامج التأهيل.
إجراءات علاجية
ويوضح الدكتور محمد نور الدين، أخصائي جراحة الدماغ والعمود الفقري، أن أورام العمود الفقري يتم علاجها في المراحل الأولى عن طريق استئصالها بالتدخل الجراحي، وهناك بعض الإجراءات التي يجب أن يخضع لها المريض قبل العملية، مثل عمل الرنين المغناطيسي مع الصبغة، ومن ثم فحص المفراس الحلزوني، وتلوين الشرايين والأوردة للعمود الفقري حتى يتمكن الطبيب من تحديد شكل الورم ومكانه وامتداده، ومعرفة الشرايين المرتبطة بالورم أيضاً، ويستخدم الجراح الميكروسكوب وجهاز الفلوروسكوب، أثناء العملية لتحديد الفقرة المراد التدخل فيها، إضافة إلى جهاز الملاحة للمتابعة من خلال شاشته، واستخدام نظام المراقبة العصبي، الذي يعطي إشارة تنبيهية كلما اقترب الطبيب من عصب ما أو خلايا طبيعية حساسة أثناء العملية لكي لا تتعرض للأذى.
تقنية الروبوت
ويلفت د.محمد إلى أن الروبوت يعد من التقنيات الحديثة والمتقدمة التي تستخدم في الجراحة العامة والجراحة البولـــــية وغيرها من الجراحات الأخرى، ولا يزال استخداماته بالنسبة للعمود الفقــــــــري في المــراحل الأولى؛ حيث إن الموافقة الحالية على استعماله من قبل منظمة الغــــــذاء والدواء الأمريكية، تقتصر على وضــــع البراغي أو المسامير في العمود الفقري لتثــــبيت الفقرات، ومن أهم فــــوائد إجراء الروبوت الجراحي، أنه يقلل مــــن تعرض المريــــض والجراح للأشعة الخطِـــــرة، إضافة إلى دقته في تثبيت ووضع المسامير في الفقرات.
معدل الشفاء
ويؤكد د.محمد، أن معدل الشفاء من الورم الفقاري يعتمد على نوع الخلايا ومدى تحولها وتطورها، وتُشكل الأنواع الحميدة الغالبية، وتصل نسبة الشفاء في معظم الحالات إلى 90%، وهناك نوعان من الأورام الخبيثة أحداهما ينشأ في العمود الفقري، والآخر يكون ثانوياً؛ حيث إنه ينتقل من مكان إلى عضو آخر في الجسم، وينتشر حتى يصيب هذه المنطقة، وبشكل عام تعتبر نسبة الشفاء من هذه الأنواع السرطانية قليلة، ومن المحتمل أن يعود الورم مجدداً في حال لم تتم إزالته بشكل كامل، أو عدم الالتزام بالمتابعة الدورية.

الورم الشوكي

يبدأ النخاع الشوكي من قاعدة الدماغ، ويمر بداخل عظام العمود الفقري، وهو جزء من الجهاز العصبي المركزي، وتتمثل وظيفته الرئيسية في نقل النبضات العصبية من وإلى الدماغ وتوصيلها للأعصاب الفرعية، ويعتبر الورم الشوكي من المشكلات المرضية الخطِرة التي ترتبط بأورام العمود الفقري وتهدد الحياة؛ حيث إنه ينمو بداخل الحبل النخاعي، ما يؤثر في الأنسجة العصبية والخلايا التبعية في النخاع، كما يتطور في القناة الشوكية ويؤثر في القيام بوظائفه، ولم يتوصل العلماء حتى الآن إلى سبب الإصابة، إلا أن العوامل الوراثية والبيئية يمكن أن تلعب دوراً في نشأة هذه الأورام، ويرافق هذه الحالة بعض الأعراض المختلفة التي تتحول لمضاعفات مزمنة كلما كبر حجم الورم، مثل: آلام الظهر والورك والركبة والذراع، واختلال التوازن عند المشي، وضعف العضلات، وفقدان وظيفي في المثانة أو الأمعاء، وكذلك جذور الأعصاب أو الأوعية الدموية، وعظام العمود الفقري، وتعتبر الجراحة الخيار المناسب للعلاج، لكنها تعتمد على العمر والحالة الصحية للمريض حتى لا يتعرض لمخاطر أو أضرار في الأعصاب المحيطة.