أوباما على خطى نيكسون

04:30 صباحا
قراءة 4 دقائق

كان الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون أكبر صانع سلام في التاريخ الأمريكي . فهو الذي أحدث الانفتاح التاريخي مع بكين، وأشرف على أبرز معاهدات الحد من التسلح إبان حقبة الحرب الباردة .

تمهلوا، لا تتسرعوا في إطلاق أحكامكم! فما سبق ليس دقيقاً، فلنبدأ من جديد .

ريتشارد نيكسون كان أكبر داعية حرب في التاريخ الأمريكي، فهو الذي أجج الحرب في فيتنام بشدة وضخم الصراع فيها، ونقله بمأساوية إلى كمبوديا ولاوس . ونيكسون هو الذي هز استقرار شيلي، وأدار ظهره لحليفته باكستان وترك شرق باكستان بنغلاديش حالياً تنفصل عنها، وتجاهل الحرب الأهلية في نيجيريا والمجاعة في إقليم بيافرا التي نتجت عن تلك الحرب .

هذه النظرة بعد ستين أو بؤرتين لريتشارد نيكسون تكشف واحدة من أكبر التناقضات في الحركة السلمية الأمريكية . فنشطاء ودعاة السلام ينقسمون إلى مجموعتين متعارضتين أحياناً حركة مناهضة الحرب ومجتمع الحد من التسلح .

المجموعة الأولى مناهضة الحرب تعتبر ريتشارد نيكسون وتابعه المخلص هنري كيسنجر مجرمي حرب .

أما مجموعة أو مجتمع الحد من التسلح، فقد سعت من خلال وكالة نيكسون الخاصة بتحجيم التسلح لإحراز نجاحات، وقد حققت ذلك، إلا أن النجاحات التي أحرزتها لم تكن كبيرة .

هذا التناقض لايزال سارياً حتى يومنا هذا .

وعلى الرغم من أن أوباما سيهرب بلا شك من المقارنة، إلا أنه يمكن اعتباره وريث أو خليفة ريتشارد نيكسون الحقيقي . فحشود مناهضة الحرب تصب عليه اللعنات وتهجوه على سياساته التصعيدية في أفغانستان، وفي ذات الوقت يعتبره مجتمع الحد من التسلح منقذاً لأنه تعهد بإلغاء الأسلحة النووية .

يبدو أن أوباما حقق تقدماً في ملف الحد من التسلح . فعلى هامش مفاوضات كونبهاغن، اجتمع قادة روسيا، وتباحثوا حول تخفيض حقيقي للأسلحة النووية .

ومؤخراً انتهت مدة سريان معاهدة تقليص الأسلحة الاستراتيجية المعروفة اختصاراً ب ستارت .

ووعدت واشنطن وموسكو الالتزام ببنود المعاهدة التي انتهت صلاحيتها ريثما توقع معاهدة أخرى . ويسعى أوباما والرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف لإجراء تحفيضات أكبر على ترساناتهما النووية . وستعمل المعاهدة الجديدة على تقليص الأسلحة النووية التكتيكية، وهذا يعتبر تقدماً هائلاً في الحد من التسلح .

وأمام أوباما سنة واحدة يعمل فيها على إنجاح أجندته النووية لأن الانتخابات النصفية قد تحرمه من الأغلبية التي يتمتع بها حالياً في مجلس الشيوخ . وعلى طاولة أوباما توجد موضوعات دفاعية أكثر من البحث عن تخفيض الأسلحة الاستراتيجية والتكتيكية مع الروس . إذ توجد معاهدة منع التجارب النووية، التي يحتاج فيها أوباما تأييد 67 شيخاً حتى تتم المصادقة عليها .

وتضغط إدارة أوباما من أجل التوصل لمعاهدة تجعل إنتاج المواد النووية محرماً .

ومن المرجح التوقيع على اتفاقية ستارت جديدة في بواكير 2010 . وثمة ملاحظة يجب علينا أخذها في الاعتبار هنا، فأوباما تعرض لانتقادات متواصلة طوال سنته الأولى في الحكم، لأنه لم يف بوعوده الانتخابية بيد أنه في منع التسلح، على الأقل، يسير قدماً في الالتزام بتعهداته .

أما في ما يتعلق بالطرف الآخر من المعادلة، وهو مناهضة الحرب، فبصراحة أتمنى أن يكتفي أوباما بالكلام والوعود ويوقف التنفيذ . فهو عندما كان يناقش مستشاريه اشهراً عدة، لم يكن يرسل قوات إضافية لأفغانستان .

ولكن في الأسابيع الفائتة، كثف أوباما غاراته وضرباته الجوية في باكستان .

ويبدو أن سلطة البنتاغون تعاظمت في الحياة السياسية الأمريكية، وقد علق على ذلك توماس شفيتش المسؤول السابق في إدارة بوش بقوله: لم يعد لدينا حكومة مدنية في الولايات المتحدة .

هل سيتمكن أوباما من إيقاف زحف البنتاغون نحو الهيمنة على اتخاذ القرار في الولايات المتحدة؟

حتى الآن يبدو أوباما يتردد في تحدي الجنرالات والوقوف أمامهم، وهو في الواقع أذعن لهم . وبعيد خطبته حول أفغانستان في 1 ديسمبر/كانون الأول الفائت في ويست بوينت، كتب المحلل السياسي توم اينغلهارت مقالاً انتقد فيه استسلام أوباما لجنرالات البنتاغون، وقال إن أوباما لم يعد قائداً أعلى للجيش، بل أصبح منقاداً لقادة الجيش .

ولقد نبهنا أوباما في أوسلو عندما القى كلمة لمناسبة تسلمه جائزة نوبل لإيمانه القوي باستخدام العنف لتحقيق غايات نبيلة . وفي كلمته في أوسلو التي شدد فيها على تبنيه لوسائل العنف، استشهد أوباما بالمهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ بغرض التمسح بدعاة السلام، وتلطيف حدة كلامه بشأن العنف وتمسكه به .

وعندما نطالب أوباما بتنفيذ وعوده، علينا أن نكون حذرين فيما نتمناه منه . نعم، دعا أوباما عندما كان مرشحاً للرئاسة، إلى إزالة الأسلحة النووية، وهو يسير قدماً في التزامه، لكنه وعد أيضاً بإعادة تركيز الجيش الأمريكي على افغانستان وشن حرب شعواء على الإرهاب ولسوء الحظ نفذ وعده .

وعندما كان أوباما مرشحاً للرئاسة قال إنه سيختط للولايات المتحدة بداية جديدة بعد سنوات حكم بوش العدوانية الصارمة، بيد أنه شيئاً فشيئاً أخذ يتشبه بنيكسون خاصة على صعيد التزامه المتزامن بالحد من التسلح النووي، وفي الوقت نفسه شن وتأجيج الحروب، وهذا نهج ينبغي على أوباما ألا يقتدي به .

محلل سياسي ومدير مشارك في هيئة فورين بوليسي إن فوكاس البحثية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"