صعود اليمين المتطرف

03:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

ودّعت البرازيل، وديمقراطيتها، حكم اليسار، مع فوز ضابط الجيش السابق غايير بولسونارو في جولة الانتخابات الثانية، على منافسه الاشتراكي فرناندو حداد، ممثل حزب العمال. وخلال حملته الانتخابية، لم يُخف بولسونارو إعجابه الشديد بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسياسته الحمائية، ذات النزوع القومي الواضح، التي تغلّب المصالح الأمريكية على أية مصالح عالمية مشتركة، ويأتي فوز بولسونارو بعد أن عصفت بالبرازيل حالة من الركود، منذ عامين، مع تنامي الفساد والجريمة.
وفي إيطاليا، يتنامى حضور حزب «رابطة الشمال» الذي يمثل أقصى اليمين المتطرف، خصوصاً بعد تحقيقه نتائج قوية في الانتخابات في مارس /آذار من العام الجاري.
في النمسا وفرنسا وألمانيا، يحرز اليمين تقدماً قوياً على حساب الأحزاب اليسارية، ويكاد يكون خطاب معظم الأحزاب اليمينية المتطرفة متشابهاً، من حيث الاعتماد على زيادة الفوبيا من الإسلام، واللاجئين، والتركيز على العناصر الوطنية في الهوية، وحماية الاقتصادات المحلية، في مواجهة قوانين الاتحاد الأوروبي، وكل هذه القضايا تجلب مزيداً من المناصرين، في ظل تنامي الأزمات الاقتصادية، وتوسّع الهوّة بين النخب الرأسمالية وعموم الفئات الاجتماعية.
وكانت بريطانيا، منذ تصويت بريكسيت، قد عبّرت عن سعيها للانفكاك عن الاتحاد الأوروبي، والتخلّص من عبء دعم دوله الفقيرة، وإيجاد مصالح مستقلة خارج نطاق الاتحاد، تنطلق من المصالح البريطانية القومية، وليس من القيم الأوروبية الجماعية، في استعادة لسياسات القرن التاسع عشر التوسعية، والتأكيد على الهوّية البريطانية في مواجهة الهوّية الأوروبية.
منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، استعادت أحزاب اليمين واليمين المتطرف في أوروبا حضورها، وتنامى هذا الحضور بعد موجات اللجوء الواسعة من الشرق الأوسط، وخصوصاً من العالم العربي، بعد تحوّل معظم حركات ما يسمى«الربيع العربي» إلى حروب، كما استفاد اليمين المتطرف من صعود الحركات الإرهابية، وفي مقدمتها «داعش»، لبناء خطاب حمائي، يمجد الذات الوطنية، في مواجهة الآخر المختلف، وقد لاقى هذا الخطاب صدىً لدى جمهور واسع، مصاب بالإحباط الاقتصادي والاجتماعي، خصوصاً مع تراجع قوى اليسار الأوروبي، والتي أصيبت بحالة من الركود في بناها الداخلية.
يذكر هذا المناخ السياسي في أوروبا اليوم بالمناخ السياسي ما بعد الحرب العالمية الأولى، وتفكك الإمبراطوريات القديمة، الألمانية، والنمساوية، والروسية، والعثمانية، وانتشار حالة من الركود الاقتصادي، ما أفسح المجال أمام صعود القوى اليمينية، ووصولها إلى الحكم، في إيطاليا، وألمانيا، وفشل الدول الكبرى آنذاك من إيجاد توازنات في النظام الدولي.
يطرح الوضع الراهن أسئلة كبرى على النظام الدولي الراهن، وعلى الآليات التي يدار بها سوق العمل الدولي، مع استمرار حالة الفشل في بناء نظام دولي، يخلف النظام الدولي القديم، ثنائي القطبية، كما يطرح شكوكاً حول أحد أهم الكيانات الموجودة اليوم، وهو الاتحاد الأوروبي، الذي تتّسع الهوة بين دوله، كما تتّسع الهوّة بين مواطني الدولة الواحدة، وفشل خطاب العولمة، والمواطنية العالمية، في حل أزمات الهوّية، حيث يبدو اليوم خطاباً ثقافوياً، أكثر من كونه خطاباً يعكس التحولات العولمية.
لقد عمّمت العولمة السلع، ووسّعت الأسواق، وأوجدت مشتركات كبيرة في القيم الاستهلاكية حول العالم، إلا أنها خلقت أزمات كبيرة، ليس فقط في الدول الطرفية في سوق العمل الدولي، بل في دول المركز الغربي نفسها، وفي الدول التي لم تستطع المنافسة، ضمن مجالات العولمة الجديدة، وفي مقدمتها روسيا، وبناءً عليه، فإنه يبدو منطقياً أن تحدث حالة من النكوص السياسي والقيمي، فالطبقة النيوليبرالية التي تهيمن على قسم كبير من الإنتاج العالمي وعوائده المالية، غير مهتمة فعلياً في إحداث حالات استقرار، بقدر ما هي مهتمة باستمرار مصالحها.
لا تبدو فرص مواجهة موجة صعود اليمين المتطرف في العالم قوية، فهو يعيش وينمو على أزمات النظام الدولي الحالي، حيث لا توجد مخارج واضحة لأزمة هذا النظام، كما أن تقليص الهوّة بين دول الاتحاد الأوروبي لا تبدو ممكنة، بل إنها مرشّحة لمزيد من التوسّع، كما أن إيقاف موجات اللجوء نحو أوروبا من الشرق الأوسط وإفريقيا، قد يكون ممكناً بشكل مؤقت، إلا أن الشروط المولّدة للجوء مستمرة، وفي حالة ازدياد، ناهيك عن إمكانية نشوب حروب جديدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"