عادي

ما بعد ميركل.. نهج ألماني مختلف

23:22 مساء
قراءة 4 دقائق
1

كتب ــ المحرر السياسي:
يقرر انتخاب زعيم جديد للحزب الديمقراطي المسيحي الألماني رسمياً دخول ألمانيا مرحلة ما بعد أنجيلا ميركل، حيث يترقب الألمان والأوروبيون، ومعهم دول العالم، مؤشرات على النهج الجديد ربما في السياسة الألمانية الداخلية والخارجية.

معلوم أن بصمات ميركل المميّزة في ما يتعلق بالسياسات الداخلية وسياسات الاتحاد الأوروبي والسياسات الدولية، تجلت في أسلوبها الهادئ في التعامل مع الأزمات الطارئة ومشاكل دول الاتحاد، خاصة أزمة الديون، وتفشي الفيروس. ويسجل لها وهي تلميذة المستشار هيلموت كول، وخامس مستشار ألماني من أصل ثمانية منذ تأسيس حزبها الذي مضى عليه 75 عاماً، حفاظها على المواقف المتوازنة حيال المعادلات التي تحكم السياسة الدولية القائمة على التوازن والتعددية القطبية، كما يحسب لها الدفاع عن ثقافة الحوار، ورفض الاستقطاب في مقابل مواقف تيارات اليمين المتطرف العنصري المعادية لأوروبا الموحدة والداعمة للسياسات العنصرية والشعبوية، خاصة حيال قضية المهاجرين التي لا تزال موضع جدل ساخن بين دول الاتحاد.
من هنا، تكتسب خلافة المستشارة ميركل التي تنتهي فترة ولايتها في سبتمبر / أيلول المقبل، أهمية خاصة وسط العواصف السياسية التي تجتاح القارة الأوروبية تغذيها الحركات اليمينية والشعبوية في أكثر من دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وليست ألمانيا استثناء.
وقد عقد الحزب الديمقراطي المسيحي مؤتمره السنوي يوم 16 يناير/ كانون الثاني الماضي، وانتخب أرمين لا شيت، رئيس حكومة ولاية شمال الراين-ويستفاليا، رئيساً للحزب، من بين 30 مرشحاً، حيث فاز في انتخابات الإعادة وحصل على 521 صوتاً من أصل 1001 عضو شاركوا عبر الإنترنت في عملية الانتخاب. وقالت ميركل بهذه المناسبة: «آمل أن يتم انتخاب فريق قيادي يحمل مصير الحزب بين يديه ويتعاون مع جميع الأعضاء على توفير الحلول المناسبة لمشاكل المستقبل».
ويقود زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي عادة الحملة الانتخابية كمرشح لمنصب المستشارية باسم الحزب، وحليفه العتيد الحزب المسيحي الاجتماعي. لكن هذا العام، ظهر متنافسون آخرون لقيادة التحالف المسيحي في الانتخابات، لا سيما رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي ورئيس حكومة ولاية بافاريا، ماركوس زودر، وهو أحد السياسيين الأكثر شعبية في ألمانيا.
ودعا زودر في كلمة أمام أعضاء حزبه إلى توخي الحذر وعدم الإفراط في الثقة بالفوز في الانتخابات. وقال إن الوباء قد غيّر المجتمع الألماني لمستويات لم تكن في بال أحد.
وينتظر أن يصدر قرار الحزب رسمياً بتسمية المرشح لانتخاب المستشار في مارس/ آذار المقبل. ويتولى المستشار الجديد منصب وزير الدفاع الذي تشغله أنيجريت كرامب-كارنباور، التي حظيت بدعم لا محدود من أنجيلا ميركل، لكنها فشلت في فرض سيطرتها على الحزب، وأعلنت في فبراير/ شباط الماضي تنحيها عن رئاسته.
التنافس على الزعامة
وتحتدم معركة زعامة الحزب الديمقراطي المسيحي منذ نحو السنة بين ثلاثة سياسيين مخضرمين، هم أرمين لاشيت، وفريدريك ميرتس، ونوربيرت روتجن، وكل منهم يحمل شهادة في القانون، وينتمون جميعاً إلى الطائفة الكاثوليكية، وهم من ولاية شمال الراين.
ويعود التاريخ السياسي للمتنافسين الثلاثة إلى العام نفسه، حيث انتخبوا للبرلمان عام 1994. ويمتاز ميرتس، وهو الأكبر سناً، بأنه كان عضواً في البرلمان الأوروبي بين عامي 1989 و1994، و قد اكتسب خبراته البرلمانية الأولية فيه.
وبعد أقل من شهر على الانتخابات البرلمانية في عام 1994 كان الثلاثة ينتمون للتحالف الحاكم بزعامة هيلموت كول، والمؤلف من الحزبين المسيحيين والحزب الديمقراطي الحر. وقد انتخب ممثلو الأحزاب الثلاثة كول لولاية خامسة كمستشار لألمانيا. وكانت تلك واحدة من جولات انتخابية عدة ظهر فيها فريدريك ميرتس على قوائم الحزبين المسيحيين بعد انجيلا ميركل.
ونجح الثلاثة في تحقيق إنجازات سياسية وراء كواليس البرلمان لكن أحداً منهم لم يحظ بفرصة للتألق في ظل قيادة هيلموت كول خلال سنوات حكمه الأخيرة التي تميزت بالركود داخل الكتلة البرلمانية للحزبين المسيحيين. لكن لاشيت، وروتجن، تحالفا مع متعاطفين من أجل توجه جديد ومعتدل داخل حزب الاتحاد المسيحي، حيث تشكلت المجموعة الداعية إلى إصلاح قانون الجنسية وفتح باب الهجرة.
والحقيقة أن الانطباع السائد في أوساط أعضائه أن الحزب يعاني أزمة هوية، بعدما هيمن على الحياة السياسية المحلية منذ أكثر من سبعين عاماً.
ملامح السياسة الداخلية
لا يتوقع المحللون تغييراً يذكر في جوهر السياسة الداخلية بعد ميركل. وقد أشاد أرمين لاشيت باستمرار بسياسات المستشارة، وقال: «لا أرى فائدة في التنكر لخمسة عشر عاماً من السياسات الناجحة والإنجازات».
وقال في كلمة ألقاها قبل بدء التصويت إن شخصية ميركل القوية وحضورها وأسلوبها في القيادة تعبر عن الثقة الكبيرة التي تتمتع بها. ودعا إلى عدم الاكتفاء بإنجازات الماضي، وضرورة تحقيق عقد جديد من التحديث والتطوير وتحويل الحزب الحاكم مجدداً إلى مصنع للأفكار والاختراعات. وأكد على جذب المزيد من الشباب الفاعلين المؤهلين من ذوي الأصول المهاجرة الذين يُشهَد لهم بقدراتهم الكبيرة وسرعة اندماجهم مع المجتمع الألماني، ليكونوا أعضاء ومسؤولين داخل أروقة الحزب.
ولطالما دافعت ميركل عن التوازن والتعددية القطبية مع الحفاظ على التوازنات الدولية القائمة، بالتزامن مع تفشي ظاهرة التيارات الشعبوية حول العالم. و قد حاولت ميركل الحفاظ قدر الإمكان على الحوار لحل النزاعات الدولية، ما أكسبها احتراماً كبيراً في الداخل والخارج.
أين أحزاب اليمين؟
لا تخلو ألمانيا، كغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، من تصاعد شعبية أحزاب اليمين التي منها ما هو متطرف يركب موجة معاداة كل ما هو غير ألماني، ويستغل بعض أعمال العنف التي تتعرض لها ألمانيا أحيانا، وتعلو أصواتها في المواسم الانتخابية المحلية في الولايات لتوسيع نطاق دعايتها الإعلامية وطرح شعارات طنانة جديدة.
وقد شهدت ألمانيا في السنوات الأخيرة مشكلتين في ما يتعلق باليمين المتطرف، الأولى تزايد العنف الذي بات ممثّلاً في الشارع، والذي أدخل الخطاب المعادي للمهاجرين في النشاط السياسيّ للبلاد، والأخرى الصعود السياسيّ السريع لحزب اليمين المتطرّف «البديل من أجل ألمانيا» الذي يعكس ظاهرة المتطرّفين ضدّ الأقليات والمهاجرين.
وكشفت انتخابات المجالس المحلية عن تزايد في شعبية الحزب، ما يجعل ألمانيا أكثر عرضة للتهديدات اليمينية المتطرّفة مقارنة مع الدول الأخرى في القارّة. وهناك من يرى أن هذه الظاهرة هي رد طبيعي من قبل الشرائح الاجتماعية التي فقدت ثقتها بالأحزاب التقليدية القائمة، ويريدون بلاداً مستقلة حرة من أي تدخل أمريكي، ويسعون للتحرر من قوانين الاتحاد الأوروبي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"