ضد غياب المعنى

22:47 مساء
قراءة دقيقتين

محمد عبدالله البريكي

يظل النص الشعري بهيئته الأصلية هو المعبر عن إحساس الشاعر بما كتب، لأنه يحمل جملة عواطفه ونزوعه لاستخدام عنصر الموسيقى وتوارد المعاني والاندفاع نحو التعبير بشكل مغاير من أجل الوصول إلى الهدف الرئيسي الذي يمنح النص في النهاية أهمية خاصة تؤكد موهبة الشاعر وأصالته وتفرده، ولعل إحجام العرب قديماً عن ترجمة نصوصهم يرجع إلى إيمانهم بأن اللغات الأخرى ليست بالكفاءة ذاتها التي يمكنها أن تولِّد معاني ومفرداتٍ تقابل النص، فضلاً عن الأوزان التي ميزت القصيدة العربية في السابق، والتي جعلتها في منتهى الإحكام، وقد عبر الجاحظ نفسه عن ذلك من خلال قوله في كتاب الحيوان «وفضيلة الشعر مقصورة على العرب، وعلى من تكلّم بلسان العرب، والشعر لا يستطاع   أن يترجم، ولا يجوز عليه النقل، ومتى حوّل تقطّع نظمه وبطل وزنه وذهب حسنه وسقط موضع التعجّب لا كالكلام المنثور».

الحقيقة أن ترجمة النص لا بد أن تكون أمينة حتى لا يحدث بما يسمى خيانة النص، ولعل العرب كما هو معروف فطنوا إلى مسألة ترجمة الشعر في بداية القرن العشرين، وأنه لا يمكن إنكار أن الشعر الذي ترجم من اللغات الأخرى إلى العربية كان له دور في اتساع أفق العالم الشعري، حيث أن كل شاعر استطاع أن يستفيد من هذه التراجم على طريقته الخاصة سواء في النزوع إلى التجديد في بنية النص العمودي والتفعيلي أو النثري، لكن تظل ترجمة الشعر على الرغم من أهميتها بالنسبة للشعراء في تحقيق شهرتهم أمراً عسيراً على القارئ الواعي الذي يتمنى أن يتقن كل اللغات ليقرأ الشعر بلغته الأصلية دون النزوع إلى ترجمات تصيب وتخطئ.

 وقد حدث واطلعنا على ترجمات مهمة لشعراء عالميين أمثال بوشكين وبودلير لها طابعها المميز، فضلاً عن أنني على يقين بأن ترجمة الشعر إلى اللغات الأخرى من العربية إلى الأجنبية أو من الأجنبية إلى العربية من الأهمية بمكان، إلا أنه على الرغم من ذلك فإنني ضد ترجمة الشعر باعتباري شاعر، لأن النص في كثير من جوانبه يفقد معناه ولغته وموسيقاه ولا يبقى منه مع المترجم الماهر سوى مضمونه على أغلب الظن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"