واشنطن وإفشال قمة هانوي

04:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

بعد صعود اليمين المتطرف إلى الواجهة في الغرب، وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية، بدا واضحاً أن العالم مقبل على المزيد من الأزمات، لا سيما أن الرأسمالية العالمية، أثبتت على مدى التاريخ أنها تقتات على أزمات الشعوب ومصائبها.
وإذا كان هذا هو حال الغرب عامة، فإن الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، تبدو أكثر إثارة للأزمات من غيرها، في ظل الظروف الذاتية التي تعيشها، حيث تتخبط هذه الإدارة في أزماتها الداخلية، تحت حكم رجل يتعامل مع السياسة كأنها سوق للبورصة، ولا يتورع عن افتعال الأزمات والحروب للخروج من مآزقه السياسية الداخلية، ولعل آخر سيناريوهات هذه الأزمات، هو ما يحصل حالياً في ملف الأزمة بين بيونج يانج وواشنطن؛ حيث تسعى الأخيرة إلى نكْء الجرح الكوري، لأهداف سياسية لا تتعلق من قريب أو بعيد بما تزعمه الإدارة الأمريكية، حول ما تسميه سعيها للسلام، في شبه الجزيرة الكورية.
فبعد محادثات مهدت لها واشنطن، وسوّقتها الماكينة الإعلامية الغربية، بأنها بداية الخلاص من الأزمة الكورية، يخفق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال محادثاته مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في قمة هانوي، في التوصل إلى اتفاق؛ وذلك بسبب مطالب كوريا الشمالية برفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها حسب الرئيس الأمريكي.
وقال ترامب للصحفيين، بعد تقليص مدة المحادثات في العاصمة الفيتنامية: «بشكل أساسي كانوا يريدون رفع العقوبات كلية، لكننا لا نستطيع فعل ذلك...كان يتعين أن ننسحب». ومع ذلك، قال ترامب إن كيم أكد له أنه سيواصل التوقف عن التجارب النووية والصاروخية. من جانبه، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إنه يتمنى أن يتمكن الجانبان من المضي قدماً. وأضاف أنهم طلبوا من كيم أن يفعل المزيد لكنه كان «غير مستعد للقيام بذلك».
ويأتي الإعلان عن التعثر، رغم أن كيم قال إنه ما كان ليحضر قمة فيتنام مع ترامب لو لم يكن مستعداً لنزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية. وكذلك عبّر عن ترحيبه بفتح مكتب اتصال أمريكي في العاصمة الكورية الشمالية بيونج يانج.
وبغض النظر عن التفاصيل التي تسوقها أجهزة الإعلام حول فشل هذه المحادثات، إلا أن من يتابع السياسة الأمريكية، لا يحتاج لكثير من العناء، لاكتشاف المراوغة والبراغماتية العجيبة التي تستخدمها واشنطن مع مختلف أزمات العالم، التي عادة ما يكون لها نصيب الأسد في افتعالها؛ إذ إنه واضح بكل جلاء أن إدارة ترامب غير جادة في إنهاء الأزمة الكورية، وإلا فإن رفع العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، يعتبر مطلباً جديّاً ومناسباً لبداية مشوار طريق السلام، لو توفرت النية الأمريكية الصادقة، إلا أن وراء الأكمة ما وراءها. وفي مؤشر يكشف النوايا الأمريكية نشر موقع «ناشيونال إنترست» العسكري الأمريكي تقريراً أطلق عليه «أبواب الجحيم» التي تهدد العالم؛ بسبب لعبة ترامب الخطِرة.
وقال الموقع، إن إثارة الرئيس دونالد ترامب، وحش كوريا الشمالية مجدداً، يعيد إلى الواجهة احتمالية استخدامه سلاحاً نووياً بصورة كبيرة، خلال النزاع الوشيك.
ورصد الموقع العسكري، المشاكل الجمة، التي يمكن أن يواجهها الجيش الأمريكي، وكوريا الجنوبية، في حال اندلاع مواجهات حربية مباشرة مع بيونج يانج.
وبدأ الموقع في رصد السيناريو المتوقع للعمليات العسكرية، التي يمكن أن تقوم بها القوات الأمريكية وكوريا الجنوبية من أجل تدمير ترسانة كيم جونغ أون النووية.
وأشار إلى أن الجيش الأمريكي سيواجه في البداية بطاريات المدفعية الكورية الشمالية، التي لا يمكن إيقافها بسهولة، خاصة أنها يمكن أن تطول عاصمة كوريا الجنوبية سيؤول بسهولة شديدة. كما أن الجيش الكوري الشمالي يمكن أن يستنزف القوات الأمريكية والكورية الجنوبية بصورة كبيرة.
ولكن السيناريو الأكثر تشاؤماً هو أن التدخل العسكري الأمريكي الكوري الجنوبي يمكن أن يؤدي إلى تدخل عسكري صيني في الحرب. وبغض النظر عن جدية هذه الاحتمالات، أو غيرها فإن اللعب في ملف أزمة ساخنة منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، يمثل استهتاراً بالأمن والسلم العالميين، ويضع العالم بأسره أمام احتمال مواجهة قد تكون كارثية على العالم كله.
وأخيراً يمكن القول إن الولايات المتحدة، على اختلاف الإدارات التي مرت عليها تقدم الدليل تلو الدليل، على أنها لا تخوض أي مفاوضات، من أجل تحقيق الأهداف المعلنة التي تسوّق لها، وإنما لاستغلال الآخر، وممارسة الضغوط عليه، خدمة لأجنداتها الخاصة، وأكبر دليل على ذلك، هو مسرحية تدمير العراق، والصراع العربي-«الإسرائيلي»، وما آلت إليه نتائج المفاوضات التي تبنتها واشنطن، وكانت الراعية الأولى لها على مدى عقود طويلة.
وما فشل محادثات فيتنام إلا دليل على عدم الجدية الأمريكية في حل هذا النزاع الذي يهدد العالم منذ عقود.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"