مسكينة أيتها الكيمياء

رفيف
01:32 صباحا
قراءة دقيقتين
جمعت قطعان داعش المتوحشة المدرّسين في الرقة السورية، وقالت لهم احذفوا الكيمياء والفلسفة من المناهج المدرسية، فأي حمق وتوحش هذا في القرن الحادي والعشرين؟ ولكن هذا أرحم من جمع الناس وطرحهم على الأرض مثل الغنم وإطلاق النار على رؤوسهم على نحو هستيري يكشف بكل بساطة عن حالة نفسية مرضية يمتلئ بها هذا المقاتل الشاب القادم من بلدان أوروبية أحياناً، ولكن الثقافة الغربية بكل معاصرتها وتنويرها لم تجعل منه إنساناً سوياً أو على درجة قليلة من الآدمية .
نعود إلى الكيمياء . . والفلسفة . .
قل الفلسفة مغضوب عليها قبل داعش وقبل هذا الزمن المظلم الذي يحدد توقيته أناس خرجوا من الكهوف، ومع ذلك، فإن الكثير من أعلام الفكر والفقه والدين في العالمين العربي والإسلامي هم رموز إسلامية ودينهم الدين الإسلامي، ولكن عندما يتسيس الدين ويتحول إلى مؤسسة إرهابية مسلحة، فلا تتوقع شيئاً من هؤلاء سوى العمى . . عمى البصر، وعمى البصيرة .
توقفت عند منع الكيمياء من المناهج المدرسية على يد الداعشيين الذين سمّاهم أحد الصحفيين العرب "إيبولا العصر"، فقد نسي هؤلاء أن السلاح الذي يحملونه من رصاص ومواد تفجير وهلاك للبشرية لم يكن سلاحاً لولا الكيمياء . إنهم يستخدمون الكيمياء يومياً ويحرّمونها في المدارس .
الفريد نوبل كيميائي صنع الديناميت في البداية لاستخدامات مدنية حضارية مثل شق الأقنية والبناء والتعمير، ولكن العقل السياسي التدميري حرف رسالة نوبل عن مسارها المدني، وصار الديناميت سلاح القتلة والإرهابيين المزنّرين بالأحزمة الناسفة، وفوق هذا مزنّرون بأحزمة فكرية ظلامية تكفيرية تحيط برؤوسهم وأدمغتهم المغلقة على الرعب والعنف .
هل كان العالم العربي الإسلامي الجليل جابر بن حيان يعرف أن الكيمياء ذات يوم ستصبح مطلوبة الرأس ويتوجب حزّ يديها وأصابعها بخناجر وسيوف القرون الحجرية، لا بل لم يذكر التاريخ لا في القرن الحجري ولا في الجاهلية وما قبل الجاهلية أن أقدمت فئة ضالة مريضة على قتل الناس من الأطفال والنساء والمرضى والأصحاء والأبرياء والغلابى والفقراء بهذا التوحش وبهذه السيكولوجية الانكشارية المرعبة .
على العالم أن ينتبه جيداً إلى هذه الظاهرة الإرهابية التي ولدت في الهلال الذي كان خصيباً . ظاهرة القتل اليومي الجماعي والمسعور بلا أي رادع، وبلا أي ثقافة سوى ثقافة المخدّر الإرهابي الذي يسري أولاً في عقل القاتل . . ومن ثم يمتد إلى يديه وأظافره وأنيابه .
مسكينة أيتها الكيمياء . . مسكينة أيتها الفلسفة .


sflooz@gmail .com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"