“تل أبرق” درة الساحل الغربي للخليج

يعود إلى 5 آلاف سنة ويضم أكبر قلاع المنطقة
13:02 مساء
قراءة 6 دقائق

يقع تل أبرق عند الخط الحدودي الفاصل بين إمارة الشارقة وأم القيوين بالقرب من الطريق الرئيسي المؤدي إلى إمارة رأس الخيمة، على ارتفاع 10 أمتار فوق مستوى السهل المجاور، ويتكون التل من بيوت من سعف النخيل براستي أو عريش تحيط بحصن ضخم بواجهة حجرية يبلغ قطره 40 مترا، وهي الأكبر بين قلاع من نفس صنف قلاع أم النار مثل الهيلي 1و8 وقلعة البدية وكلباء متراوحاً قطرها بين 16و25 مترا، ويستدل على بيوت السعف عدد كبير من ثقوب الأعمدة في جميع المناطق المنقبة، في حين يرتفع الحصن إلى مسافة حوالي 8 أمتار من مستوى الأرض الأصلية إلى أعلى الجدران الداخلية.

داخل الموقع توجد بئر كانت توفر ملجأ ومصدرا للمياه في أوقات الشدة وكان الحصن مستخدما منذ حوالي 2200 إلى 1500 قبل الميلاد، عندما تم تشييد مصطبة من الطوب اللبن غطت البناء السابق وحفظته من التآكل والتخريب، وعلى بعد 10 أمتار غرب الحصن يوجد قبر دائري الشكل مشيد بالحجارة من طراز فترة أم النار يبلغ قطره 6 أمتار مقسم من الداخل بجدار واحد فقط ويبدو أنه كان مدفنا جماعيا لسكان تل أبرق أثناء فترة استيطانه المبكرة ويحتوى القبر على بقايا أكثر من 150 فردا بينهم أطفال ورجال تزيد أعمارهم على 60 عاما رغم أن معدل عمر الإنسان لا يتجاوز 40 عاما.

وأظهرت دراسات تحليل العظام أن عضلات السكان كانت ضخمة، وأن عظامهم كبيرة جدا وأظهرت الدراسة أيضا أن السكان عانوا من بعض الأمراض وقد تبين من خلال دراسة هيكل عظمي لفتاة تبلغ من العمر 18 عاما، أنها كانت تعاني من مرض شلل الأطفال، كما تم اكتشاف عدة حالات كانت تعاني من مرض التهاب المفاصل.

تم اكتشاف عدد كبير من المواد المصنوعة في تل أبرق التي تشهد على قيام اتصالات واسعة النطاق مع العالم الخارجي، فقد تم التعرف إلى فخاريات من وادي الرافدين وجنوب غربي إيران وبلوشستان والبحرين وأفغانستان بكتريا ووادي السند، إضافة إلى مواد أثرية أخرى نذكر منها على سبيل المثال الأختام الإسطوانية الفضية من إيران والقصدير من أفغانستان، وتظهر هذه المصنوعات أن الموقع كان على اتصال مع مناطق أوسع في العصر البرونزي في غرب ووسط وجنوب آسيا.

وللتعرف أكثر إلى المكان وأهميته التاريخية والدلالات التي تتركها اللقى الأثرية والتاريخية التي عثر عليها في تل أبرق التقينا الدكتور صباح عبود جاسم أستاذ آثار الشرق الأدنى القديم ومدير التنقيبات الأثرية بإدارة الآثار بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة وقال: تل أبرق أكبر التلال الموجودة بمنطقة الخليج بشكل عام، وقد كشفت التنقيبات على أنه كان مدينة مهمة ومستوطناً ضخماً بسبب الاستيطان المتكرر الذي توالي عليه، بما شكل طبقات أثرية كثيرة، تشغل حيزا زمنيا يمتد لأكثر من ألفي عام ابتداء من عصر أم النار وانتهاء بالعصر الحديث.

وأشار إلى أن من مميزات التل وجود برج دائري كبير يبلغ قطره حوالي 40 متراً يمثل قلعة من أكبر قلاع المنطقة وفيه وخارجه كان يسكن الناس، إضافة إلى مواضع أخرى للسكن قريبة من الموقع.

وأضاف: بإزالة طبقة أقدم، كشفنا عن منصة كبيرة جدا من اللبن بنيت لأغراض دفاعية أصلا وسكنية لوقت لاحق ولكن الآثار تشير إلى أن بداية سكن الموقع بالإنسان كانت في الألف الثالث قبل الميلاد بمعنى مرور 5000 سنة على تعمير الموقع.

وعن أبرز ما ميز تل أبرق لفت جاسم إلى البرج الكبير وقريبا منه قبر دائري الشكل يبلغ قطره حوالي 6 أمتار ويعود لفترة حضارية اعتاد علماء الآثار والمنقبون تسميتها أم النار، وفي تلك الفترة يتوقع وجود البرج، موضحا أن القبر تميز بشكله الدائري وبأحجار ذات وجه منتظم ومتساو من الخارج ومدخل يؤدي إلى حجرات دفن داخلية وفيها عثر على عظام بشرية وهياكل لأكثر من 150 شخصا بمعنى أنه كان قبرا جماعيا، بما يعطي دليلاً آخر على أن قبور فترة أم النار تمتاز بأنها قبور جماعية.

ونفى أن يكون قد تم دفن كل هؤلاء البشر مرة واحدة مؤكدا أنهم دفنوا على فترات متوالية.

وأشار إلى أنه من المثير في دراسة عظام الموتى أن قسما منها تعرض لالتهاب المفاصل الذي يصيب العظام، أما المثير جدا في سجل المكتشفات العظمية، هو تسجيل أول حالة شلل أطفال في التاريخ، عبارة عن عظام فتاة عمرها 18 سنة ظهر أصابتها بشلل الأطفال معتبرا أن كلتا الحالتين استثنائية كما لم ينف الحالة الصحية الجيدة التي كان يتمتع بها سكان تل أبرق طبقا لما أوردته الدراسات، موضحا أن ذلك معناه تناولهم غذاء جيدا متنوعا وأطعمة مغذية مثل الأسماك وقد وجدت آلاف عظام الأسماك في المكان.

وعن أسباب الهجرة من الموقع قبل نحو ألفي عام قال الدكتور صباح: الموقع استوطن بشكل متواصل من الألف الثالث إلى الألف الأول والسبب الرئيسي الذي دعا الناس لهجرته بل وهجرة أي موقع يسمى اليوم أثريا هو تغير المناخ وحصول الجفاف وانعدام أو قلة مياه الشرب وترتب على ذلك قلة المراعي واضمحلالها أو نتيجة هجمات خارجية ساهمت بشكل مباشر في هجرة البشر من المكان.

وكشف أن الموقع لم يتم تنقيبه إلى اليوم بشكل كامل، وإنما جزء قليل منه لأن عمر التنقيبات 20 عاما فقط.

وأكد الشيخ خالد بن حميد المعلا مدير عام دائرة الآثار والتراث بأم القيوين أن تل الأبرق ما بين إمارة الشارقة وإمارة أم القيوين من أقدم المواقع الأثرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يعود تاريخه إلى الألف الثالث قبل الميلاد وقد عاصر حضارة أم النار في أبوظبي.

واتفق مع ما ذكره الدكتور صباح جاسم أن البعثة العراقية اكتشفت الموقع في العام 1973م بالتعاون مع دائرة الآثار السياحية في العين بعد ذلك عاود اكتشافه والتنقيبات فيه بشكل أوسع من قبل البعثة الأسترالية برئاسة الدكتور دان يوتس، وقد استمرت التنقيبات فيه لمدة ثلاثة مواسم حيث أعلن عن اكتشاف بناء دائري لقلعة كبيرة على شكل مدرجات مبنية من الأحجار البحرية بالإضافة إلى مجموعة من البرونزيات والفخاريات واللقى الأثرية المهمة، معتبرا أن اكتشاف القلعة دليل على التطور في العمارة، وعن أول اكتشاف لموقع أثري لسكان السواحل وهو أعشاش الصيادين.

وقال: عثر علماء الآثار الأستراليون على القبر في تل الأبرق، ويضم هيكلاً عظمياً كاملاً لفتاة تبلغ من العمر 18عاماً، عظامها مشوهة بشكل بشع من جراء شلل الأطفال، مستدلا بما ذكره أحد علماء الآثار أن الدلائل على وجود شلل الأطفال في ذلك الوقت شيء نادر، ولذلك فهذا اكتشاف طبي وأثري في غاية الأهمية.

وعلى هامش أحد المؤتمرات الأثرية التي عقدت بمتحف الشارقة للآثار قال البروفيسور هانس أوربمان من جامعة توبنجن الألمانية وأحد الذين نقبوا في الموقع: تل أبرق من المواقع الأقدم في المنطقة، كما توجد مواقع أخرى بنفس القدم في كلباء، وهي مواقع مهمة قد لا تقل أهمية عن تل أبرق ليس في دولة الإمارات ولكن في عموم المنطقة بسبب الاستيطان الأثري الطويل الذي امتد على مدى عشرين عاما وبسبب تميزه بالمكتشفات الأثرية المنقولة وغير المنقولة.

وكان مركز المدينة عبارة عن برج دائري كبير، ويعد هذا البرج أكبر قلعة من نوعها تكتشف في المنطقة، لقد عاش في البرج مئات الأشخاص الذين عملوا في صيد الأسماك وتربية الماشية والتجارة والزراعة والصناعة وقد وجد قرب البرج قبر دائري به عظام أطفال ورجال تزيد أعمارهم على 60 عاماً، وتؤكد جميع الموجودات أن تل أبرق كانت مركزاً تجارياً حيوياً ونجد نتيجة الاكتشافات أن هذه المدينة سكنت لأول مرة قبل خمسة آلاف سنة.

وتناول هانز عدة لقى جديدة منها قلادة حجرية ناعمة، تبرز الروح الشريرة التي كان يعتقد بأنها تسبب انتشار الأمراض في العصر الآشوري الحديث والعصر البابلي الحديث، كما عثر في هذه الفترة على قلادة تصور رسما لقارب شراعي، وهذا يعطي مؤشراً على وجود تواصل مع العالم المحيط بهم، حيث يظهر القارب مربع الشكل في المؤخرة مع زوايا حادة وشراع مثلث الشكل، وهي أقدم صورة لقارب شراعي يتم اكتشافه حتى هذه اللحظة، والمصادر التاريخية تشير إلى ارتباط هذه السفن والمراكب الخليجية بنوع عرف باسم المركب المخيط ولا يستبعد أن يكون أهل الخليج قد استخدموا المركب المخيط منذ فترة تمتد نحو ألف سنة قبل الميلاد.

وكشف أن هناك معادن تم استخدامها في تل أبرق حيث تم تحليل 150 مكتشفا تحليلا كيميائيا وأثبت وجود النحاس والقصدير والرصاص والزنك والزرنيخ ، والفضة والنيكل والحديد والكبريت والسليكون إضافة إلى بدء صناعة السبائك من النحاس والقصدير، بما يشير إلى مواقع العصر البرونزي في دولة الإماراتة وجنوب شرق الجزيرة العربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"