سد الفجوة بين ضرائب الأثرياء والطبقات الأدنى

22:06 مساء
قراءة 4 دقائق

بروفيسور روبرت شيلر *

بعد نحو عقدين من الزمان من تصريح الملياردير الأمريكي وارن بافيت، الذي قال إن نظام الضرائب في الولايات المتحدة يصب في صالح الأثرياء، ويلقي العبء الأكبر على الطبقة المتوسطة من الأمريكيين، تتسع الفجوة مرة أخرى نحو المزيد من الضرائب على كاهل المواطنين العاديين، حيث قال بافيت وقتها إنه يتعين إجراء تعديلات كبيرة على النظام الضريبي ليكون أكثر عدلاً في التعامل مع الجميع. يشير خبراء إلى أن سبب زيادة الفجوة يعود في المقام الأول إلى النمو الكبير لأسهم قطاع التكنولوجيا الذي أصبح المجال المهيمن على الاقتصاد الأمريكي خلال السنوات الماضية، ففي العام 2020، كان 6 من أثرى أثرياء أمريكا مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس ولاري بيج ومارك زوكربيرج ووارن بافيت وسيرجي برين، من كبار المساهمين في الشركات التي لا تدفع أرباحاً، حيث كان مجموع ثرواتهم يتخطى ال 500 مليار دولار وقتها، أو ما يعادل 0.5% من إجمالي الثروات في الولايات المتحدة.
أشارت تقديرات أعدها خبراء من مجلس المستشارين الاقتصاديين ومكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض الشهر الماضي، إلى أن أغنى 400 أسرة في أمريكا، ممن تتجاوز ثروة كل منها ملياري دولار، كان متوسط ضريبة الدخل الفيدرالية التي سددوها يبلغ 8.2%، وذلك بحساب مكاسب الأسهم غير المباعة في مداخيل هذه الأسر، فيما دفع المواطنون من الطبقة المتوسطة نحو 13.3% من مداخيلهم للضرائب، وفي ذات الوقت يمثل عجز الميزانية الأمريكية إلى الناتج المحلي الإجمالي حالياً، ثاني أعلى مستوى له منذ العام 1945، حيث يقول غالبية الأمريكيين وفقاً لاستطلاعات الرأي، إنهم يتطلعون إلى نموذج ضريبي جديد يدفع فيه الأثرياء ضرائب أعلى مما يدفعه المصنفون ضمن الطبقة الوسطى، وهو ما من شأنه ردم الفحوة بينهم، إلى جانب أنه سيعمل على تعزيز العدالة الاجتماعية، ومع ذلك فإن الكونجرس الأمريكي مازال يماطل في مسألة زيادة الضرائب المفروضة على الأثرياء.
تتضمن القوانين الأمريكية الخاصة بالضريبة ثغرة قانونية خطيرة تسمح للصناديق الاستثمارية بدفع معدل أقل من الضرائب مقابل الرسوم التي يتحصلون عليها من عملائهم، حيث إن القانون يعتبر تلك الرسوم مكاسب رأسمالية وليست مداخيل من المفترض أن يتم دفع ضرائب عليها. وفي سبيل التعاطي مع هذه الثغرة، أعربت الإدارة الأمريكية الحالية عن أنها ستعمل على سد الفجوة، بيد أن كل الاقتراحات التي قُدمت إلى مجلس النواب لاقت الكثير من العقبات، واقترح البعض فرض تشريعات تجبر الشركات التكنولوجية العملاقة على التبرع بنسب محددة من أرباحها لأصحاب المداخيل الأقل، أو لصالح النظام الضريبي الأمريكي الذي يستعيض بتلك الأموال عما يأخذه من أصحاب المداخيل المتدنية في الولايات المتحدة، ولكن هذا المقترح يبدو أنه يواجه أيضاً الكثير من العقبات، رغم أن الشركات الكبرى أبدت استعداداً للعمل به. 
يتعين على قادة مجموعة العشرين، التي تضم الاقتصادات المتقدمة والناشئة الرئيسية في العالم، المصادقة على اتفاقية ملزمة تقضي بفرض ضريبة على الشركات الكبرى التي تمتلك فروعاً خارجية، بمعدل لا يقل عن 15%، حيث كان تنافس الدول على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة عمالقة التكنولوجيا حول العالم، أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انخفاض نسب الضرائب التي يدفعونها وتفاوتها من دولة لأخرى، ولكن إنشاء منظومة ضريبية متكاملة بين الدول يمكن أن يؤدي إلى تنظيم هذه المسألة، على أن تصدر كل دولة التسهيلات التي تتناسب مع مستوى اقتصادها وفي ذات الوقت توفير بيئة جاذبة لتلك الشركات.
هنالك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق دول مجموعة العشرين فيما يتعلق بحالة عدم الإنصاف الضريبي بين الأثرياء والطبقات الأدنى، وفي ذلك اقترح خبراء واقتصاديون فرض ضريبة بنسبة 0.2% سنوياً على قيمة جميع أسهم الشركات المدرجة في البورصة بلا استثناء، مع التأكيد على أن تكون تصاعدية بسبب أن الأثرياء يملكون الكثير من أسهم الشركات، أما الفقراء فإنهم لا يملكون منها شيئاً، وذلك سيجعل من الصعب على الأثرياء وأصحاب تلك الأسهم التهرب من دفع الضرائب المستحقة عليها، نسبة لأن قيم تلك الأسهم معروفة بحكم كونها شركات مدرجة في البورصة وأسواق الأسهم.
كما يشير خبراء اقتصاديون إلى أن ضريبة الثروة لن تؤثر في توفر التمويلات الخاصة بالشركات، وذلك بسبب أن الشركات المتداولة والمدرجة في الأسواق، يمكنها إصدار المزيد من الأسهم، على الرغم من أن ذلك يمكن أن يخفض بشكل طفيف من قيمة الأسهم المصدرة، ومن ثم يمكنها بيع الأسهم في السوق، كما يمكن أيضاً توسيع نطاق الضريبة لتشمل الشركات الخاصة الضخمة، باستخدام طرق ووسائل مبتكرة في التعاطي مع المداخيل والمكاسب الضخمة التي تجنيها كل عام. 
لا شك في أن الانفتاح الاقتصادي الذي شهده العالم طوال العقود الماضية، كان أحد المحركات الرئيسية لتغيير حياة الملايين من الناس حول العالم، ونقلهم من مستوى العوز إلى مستوى تلبية الاحتياجات بكل سهولة، ولكنه في المقابل أدى أيضاً إلى زيادة كبيرة في ثروات الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي كانت قادرة على نقل أرباحها إلى أي دولة تتمتع بمستويات منخفضة من ضرائب الشركات. يجب على مجموعة العشرين الآن اتخاذ تدابير عاجلة للتطرق لهذه المسألة الحرجة، ومنها الاتفاق على تطبيق نسبة ال 15% المقترحة، باستثناء الشركات الناشئة التي لم تبلغ بعد مستوى تحقيق أرباح كبيرة تتطلب فرض ضرائب كبيرة عليها، على أن يخضع ذلك لسلطة كل دولة وتقديراتها، حيث إن تلك الدول تمتلك من الأدوات والقوة ما يمكنها من تبني هذا الإطار واعتماد النسبة الضريبية المقترحة التي ستكون مفتاحاً لحل معظم مشاكل فجوة الضرائب بين الأثرياء والطبقات الأدنى.

* خبير حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2013، وأستاذ الاقتصاد بجامعة «ييل»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2013، وأستاذ الاقتصاد بجامعة «ييل»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"