حضور الغائب

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

حبيبٌ ما سلوناه حبيب الأرض والعرب
شفيف الروح والسلوى نزيه الحلم والسبب
عزيز الوصل حيّاه شقيق الشوق والنَّسب
سبيل الخلد مسراه نزيل الفكر والقلب
في ظهيرة يوم الثلاثاء 20 أغسطس 2019، ارتحل الأديب والشاعر والإعلامي الإماراتي القدير، حبيب يوسف الصايغ، رحمه الله، في العاصمة أبوظبي، بعد ألَمٍ مفاجئ ألمَّ به وأسكت قلبه عن القول والفعل، كما لو أنَّ موتته الفجائية تلك، تستحضر قولته الشعرية: (السكتة القلبية، قصيدة احتجاج هادئة، يقولها عادة، شاعر كبير، يكتشف موهبته متأخراً)، وكما لو أنَّه أثناء تلك الموتة التي حان أجلها في تلك الظهيرة الظاهرة على حقيقتها، يستذكر مقولته الشعرية الدالة على ارتحالاته المتجددة: (تقمصني رجل، رابني أمره، ثم صادفت صورته، في جواز السفر).
ثلاث سنوات مرّت على رحيل حبيب الصايغ وليس غيابه؛ فهو الحاضر الذي يحثّنا رحيله على السير نحو سيرته، نحو أسرار لغته.. فنذهب إليه وهو المتربع على عرش قصيدته، وإلى حيث أدبياته المختلفة في أنفاسها والمؤتلفة في لغتها الشعرية، بما يحيطها من أحداث ومجريات ومناسبات وأزمنة وأمكنة، ونذهب إليه حيث مواقعه الإدارية التطوعية والرسمية. نذهب إليه لذاته المبدعة في مجالات إنسانية، تتوافق والفكر الحضاري لمفهوم احترام قدرات الآخرين، واحترام آرائهم، واحترامه أولاً وأخيراً لذواتهم الإنسانية ولطبيعتهم الخلاّقة إبداعاً وفكراً.
 نذهب أول ما نذهب إلى تلك البارحة المطلة من عام 1955 التي لا تبرح ذاكرة المشهد الثقافي العربي، ولا تغيب عن حاضر حضارة دولة الإمارات العربية المتحدة.. ففي تلك البارحة استقبلت عائلة يوسف عبدالله الصايغ في أبوظبي كائنها البشري الجديد: حبيب. كبر الحبيب، وصار شيئاً يُذْكر بين إخوته وأقرانه وأبناء جيله وجيرانه، وصارت له أقواله وأفعاله وأحلامه وأحماله وأملاحه وملامحه، إلى أن أضحى حبيب يوسف الصايغ: الصائغ للشعر، منذ صرخته الشعرية الأولى في عام 1980 (هنا بار بني عبس.. الدعوة عامة)، وحتى آخر أنفاسه الشعرية التي تشير إلى بصمته الخاصة والخالصة للبوح الشعري.
ثلاث سنوات مرّت على رحيل حبيب الصايغ، وبين الحل والترحال، ثمة محطات وحيوات وحكايات وأيام وليال، ومنجزات إبداعية متناثرة هنا وهناك في منصات إعلامية إماراتية وعربية مقروءة ومسموعة ومُشاهدة، بحاجة إلى لملمتها وانتشالها من بين رُكام الغبار والنسيان لتُصار إلى كتب أدبية، ومراجع وطنية تطلع عليها الأجيال الإماراتية، وتستنير بها في قادم الأيام من عمر الوطن، لما لتلك المآثر الإبداعية من جرعات ثقافية وكنوز وطنية، كُتبت بحبر الوفاء للبلاد والإخلاص للكتابة، بكل ما تشهد به من عبقرية ذلك الراحل حبيب الصايغ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yxr5nhpk

عن الكاتب

أديب وكاتب وإعلامي إماراتي، مهتم بالنقد الأدبي. يحمل درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، من جامعة بيروت العربية. وهو عضو في اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات، وعضو في مسرح رأس الخيمة الوطني. له عدة إصدارات في الشعر والقصة والمقال والدراسات وأدب التراجم

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"