عادي

اليمين المتطرف بإيطاليا يزعزع التماسك الأوروبي

17:22 مساء
قراءة 4 دقائق

اتخذت إيطاليا منعطفاً حاداً نحو اليمين، الاثنين، بفوز الحزب الشعبوي الذي تتزعمه جورجيا ميلوني في الانتخابات العامة، ما يفتح الباب للمرأة التي أبدت في الماضي إعجابها بموسوليني لتكون أول رئيسة للوزراء في تاريخ البلد.
وفاز حزب ميلوني «فراتيلي ديتاليا» (إخوة إيطاليا) الذي له جذور فاشية جديدة، بـ26 في المئة من الأصوات في انتخابات الأحد وفق نتائج جزئية. وتقود ميلوني ائتلافاً يتوقع أن يفوز بأغلبية مقاعد البرلمان ويؤلف حكومة هي الأكثر يمينية في إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية.
ويمثل نجاح هذه السيدة تغييراً هائلاً في إيطاليا العضو المؤسس للاتحاد الأوروبي، وثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، بعد أسابيع فقط من انتصار اليمين المتطرف في الانتخابات في السويد.

  • سابقة تاريخية

وكتبت صحيفة «ريبوبليكا» اليومية في عنوانها الرئيسي «ميلوني تظفر بإيطاليا»، بينما قال ستيفانو فولي في افتتاحيتها إن إيطاليا «تستيقظ هذا الصباح وقد تغيرت للغاية». وأضاف فولي «إنها المرة الأولى منذ عقود التي يتغير فيها الوجه السياسي للبلاد بشكل كامل. لا نعرف حتى الآن ما إذا كان مصيرها في أوروبا قد تغير أيضاً، لكن هذا السؤال هو الأول من بين العديد من الأسئلة» التي تواجه الإيطاليين الآن.
ومن المتوقع أن تصبح ميلوني التي أجرت حملتها الانتخابية تحت شعار «الله، الوطن، العائلة»، أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في إيطاليا رغم أن عملية تشكيل حكومة جديدة قد تستغرق أسابيع.
ومع ارتفاع التضخم وأزمة الطاقة التي تلوح في الأفق والحرب في أوكرانيا، سعت المرأة البالغة 45 عاماً إلى طمأنة القلقين بشأن افتقارها إلى الخبرة وماضيها الراديكالي. وقالت جورجيا ميلوني إن الناخبين بعثوا «برسالة واضحة» لدعم حزبها في قيادة الائتلاف اليميني إلى السلطة. وأضافت، في تصريحات للصحفيين، «إذا دعينا لحكم هذه الأمة فسوف نفعل ذلك من أجل جميع الإيطاليين. سنفعل ذلك بهدف توحيد الناس وتعزيز ما يوحدهم وليس ما يفرقهم».
وحلّ حليفاها في الائتلاف، حزب «الرابطة» اليميني المتطرف بقيادة ماتيو سالفيني و«فورزا إيطاليا» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني، خلف حزبها وفق النتائج الجزئية.
ويُتوقع أن يفوزوا جميعاً بنحو 44 في المئة من الأصوات، وهو ما يكفي لتأمين أغلبية في مجلسي البرلمان. ولا ينتظر إعلان النتائج الكاملة حتى وقت متأخر من يوم الاثنين، لكن «الحزب الديمقراطي» من يسار الوسط المنافس الرئيسي للتحالف اليميني اعترف بأن هذا يوم «حزين».
وانخفضت نسبة المشاركة إلى أدنى مستوى تاريخي إلى حوالي 64 في المئة، أي أقل بنحو تسع نقاط مئوية من الانتخابات السابقة عام 2018.

  • أوروبا فخورة وحرة

سرعان ما جاءت تهاني حلفائها القوميين في أنحاء القارة، من رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافتسكي إلى حزب «فوكس» اليميني المتطرف في إسبانيا. وكتب زعيم حزب «فوكس» سانتياغو أباسكال عبر تويتر «لقد أوضحت ميلوني الطريق لأوروبا فخورة وحرة قوامها دول ذات سيادة».
لكن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس حذر من أن «الحركات الشعبوية تكبر دائماً، لكنها تنتهي دائماً بالطريقة نفسها- بكارثة».
بدورها قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن، في تصريح لمحطة بي إف إم تي في، «سنكون حريصين (مع) رئيس المفوضية الأوروبية (أورسولا فون دير لايين) على أن تكون القيم المتعلقة بحقوق الإنسان... ولاسيما احترام الحق في الإجهاض، محترمة من الجميع».
وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية فولفغانغ بوشنر، خلال مؤتمر صحفي، إن «إيطاليا بلد مؤيد للغاية لأوروبا ومواطنوها مؤيدون جداً لأوروبا، ونفترض أن ذلك لن يتغير».
أما المفوضية الأوروبية فقد أعربت على لسان المتحدث باسمها إريك مامر عن أملها في إقامة «تعاون بناء» مع الحكومة الإيطالية المقبلة.

  • مشاكل مع بروكسل

وتراجعت ميلوني عن فكرة انسحاب إيطاليا من منطقة اليورو، لكنها تقول إن روما يجب أن تشدد على مصالحها أكثر، وتتبنى سياسات تتحدى بروكسل في كل شيء تقريباً من قواعد الإنفاق العام إلى موجات الهجرة الواسعة.
ويريد تحالفها أيضاً إعادة التفاوض بشأن صندوق الاتحاد الأوروبي للتعافي من تداعيات الوباء، وترى أن الـ200 مليار يورو (193 مليار دولار) التي من المقرر أن تتلقاها إيطاليا يجب أن تأخذ في الاعتبار أزمة الطاقة، لكن الأموال مرتبطة بسلسلة من الإصلاحات بالكاد انطلق رئيس الوزراء المنتهية ولايته ماريو دراغي في تطبيقها، ويرى محللون أن لديها مساحة محدودة للمناورة في هذا الصدد.

  • اختلافات داخل الائتلاف

تصدرت ميلوني استطلاعات الرأي منذ دعا رئيس الوزراء إلى إجراء انتخابات مبكرة في تموز/ يوليو بعد انهيار حكومة الوحدة الوطنية. وحزبها هو الوحيد الذي لم ينضم إلى ائتلاف ماريو دراغي في شباط/ فبراير 2021، ما جعلها عملياً زعيمة المعارضة الوحيدة في إيطاليا.
وقال رئيس «مركز دراسات الانتخابات الإيطالي» لورنزو دي سيو لوكالة الصحافة الفرنسية إن ميلوني اختارت بعد ذلك القيام بـ«حملة حذرة ومطَمئنة للغاية».
واعتبر أن «التحدي الذي تواجهه هو تحويل هذا النجاح الانتخابي إلى قيادة حاكمة... قادرة على الاستمرار».
وتتميز السياسة الإيطالية بعدم الاستقرار، إذ تشكلت حوالي 70 حكومة منذ عام 1946، كما أن ميلوني وسالفيني وبرلسكوني ليسوا متفقين دائماً. ورجحت صحيفة «كورييري ديلا سيرا» أن حلفاء ميلوني «المستائين والمنهزمين عملياً» سوف يمثلون «مشكلة».

  • روسيا وأوكرانيا

كان أداء «الرابطة» و«فورزا إيطاليا» ضعيفاً، فقد حصلا على 9 في المئة و8 في المئة من الأصوات على التوالي في مقابل 17 و14 في المئة عام 2018. واتفقت الأحزاب الثلاثة على برنامج مشترك للحكم يشمل إقرار تخفيضات ضريبية وكبح تدفق المهاجرين، لكنها اختلفت في عدد من المجالات.
تؤيد ميلوني بشدة عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا بسبب حرب أوكرانيا، فيما انتقدها سالفيني ووصفها بأنها غير فعالة. وواجه برلسكوني، رئيس الوزراء الثري الأسبق وصديق فلاديمير بوتين منذ فترة طويلة، انتقادات الأسبوع الماضي حين اعتبر أن الرئيس الروسي «دفعته» حاشيته إلى الحرب.
تعود جذور حزب «إخوة إيطاليا» إلى حركة ما بعد الفاشية التي أسسها أنصار بينيتو موسوليني، وقد أشادت ميلوني نفسها بالديكتاتور عندما كانت يافعة.
لكنها سعت إلى النأي بنفسها عن ماضيها مع تحول حزبها إلى قوة سياسية وازنة. وقد انتقل الحزب من 4 في المئة فقط من الأصوات عام 2018 إلى تصدر نتائج انتخابات الأحد. (أ ف ب)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3wwv8rkm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"