التوحد: مرض ذهني أم خاصية شخصية؟

13:07 مساء
قراءة 4 دقائق

عندما تشرق الشمس يفضل جون البقاء في البيت، فأشعة الشمس والتأثيرات الضوئية تسبب له الانزعاج . كما ينزعج أيضا من الأصوات المرتفعة أو عندما يركب طفل أجنبي إلى جانبه في الحافلة المدرسية . وجون، الذي يبلغ 12 عاماً من العمر، يعاني من مرض التوحد . وعن ذلك تقول والدته مونيكا شيلي: جون لا يستطيع الكتابة والكلام، كما أنه لا يفهم كل شيء .

تضيف يمكن القول إنه يشبه طفلاً في عامه الأول أو الثاني .

وقد اكتشف الأطباء إصابة جون بمرض التوحد المبكر مند أن كان عمره ثلاث سنوات . ويعاني المصابون بهذا النوع من التوحد من نقص في اكتساب المهارات الحركية وتواجههم مشكلة تفسير العواطف . كما أن الكثير منهم يظل منغلقاً على ذاته ويكرر نفس الأشياء التي يقوم بها كل يوم .

وبدوره يعاني راينر دويلو من مرض التوحد . وكان في مقتبل العمر عندما اكتشف الأطباء إصابته بأعراض متلازمة أسبرجر وهو نوع من التوحد لا يؤثر على القدرات الحركية والكلامية للمصابين به، وإنما يؤثر على علاقاته الاجتماعية .

وعن ذلك يقول دويلو ذو 43 عاماً: كانت شهاداتي المدرسية تتضمن إشارة إلى أنني لا أستطيع الاندماج في الرحلات المدرسية .

ويضيف بكل بساطة لم أكن أعرف تماماً كيف أكوّن صداقات وكنت أسعد دائماً عندما أكون لوحدي وأتفرغ للقراءة .

وقد أزال تشخيص إصابته بمتلازمة أسبرجر عنه عبئاً كبيراً، فقد أصبح يعرف أخيراً السبب وراء عزلته الاجتماعية . واليوم هاهو عضو في إدارة جمعية آسبيس (Aspies) وهي أكبر جمعية للمصابين بالتوحد، حيث يعمل فيها مترجماً وكاتباً في موقع ويكيبيديا .

وعن نشاطه في هذه الجمعية يقول دويلو لدي موهبة عالية واهتمام كبير بالجغرافيا والتاريخ . وفي بعض الأحيان أعكف لساعات على كتابة قوائم بأسماء الحكام والعواصم . والآن أصبح بإمكاني الاستفادة من ذلك بشكل أفضل .

حالات مختلفة

وفيما لا يقدر بعض المصابين بمرض التوحد على الكلام، يتميز البعض الآخر بملكات لغوية كبيرة . كما تستطيع فئة من مرضى التوحد الرسم والتخطيط لساعات طويلة، في حين لا تملك فئة أخرى حتى القدرة على الحركة .

كما يوجد نوع منهم له ذاكرة غير عادية، بينما يعاني نوع آخر من إعاقة ذهنية . لكن رغم كل هذه الاختلافات، فإن مرضى التوحد يجتمعون في خاصية واحدة وهي انعزالهم الاجتماعي وصعوبة اندماجهم مع الآخرين .

وبخلاف ما كان يُعتقد قبل أعوام من وجود أنواع مختلفة تماماً من التوحد، فإن دراسات حديثة أثبتت وجود فوارق بسيطة بين مختلف أنواع حالات الإصابة بالتوحد .

من جهته، يرى مدير مركز تطور الاضطرابات العصبية في معهد كارولينسكا في ستوكهولم سفين بولته أن التوحد لا يختلف نوعياً عن متلازمة أسبرجر فهذان النوعان يختلفان فقط في قوة الأعراض .

وأصبح الباحثون في مرض التوحد يتحدثون اليوم عن نوع آخر من حالات التوحد يُنسب إلى خلل آخر في الجهاز العصبي . لكن العلم لا يزال عاجزا حتى اليوم عن تفسير نوع الخلل الذي يصيب الدماغ والجهاز العصبي الذي يؤدي إلى الإصابة بمرض التوحد .

وتظهر صور دماغ الأشخاص المصابين بالتوحد أن المناطق المسؤولة عن استقبال العواطف واللغة في الدماغ لا تعمل بشكل جيد . وبخلاف ذلك تنشط المناطق المسؤولة عن التعرف إلى الأشياء وتفاصيل الأمور .

ويرى الباحث البريطاني في أمراض التوحد سيمون بارون كوهين أن المصابين بالتوحد يمتلكون نوعاً مختلفاً من الدماغ البشري .

ففي إحدى الدراسات، قام هذا الباحث بقياس مستوى هرمون التيستوسترون في السائل الذي يحيط بالجنين قبل الولادة الذي يكون له تأثير على نمو الدماغ وخلص للنتيجة التالية: عندما قمنا بفحص الأطفال بعد الولادة وجدنا أنه كلما كانت نسبة التيستوسترون عالية قبل الولادة، كلما ازداد احتمال إصابة الأطفال بمرض التوحد .

وأضاف أن أدمغة الأفراد المصابين بالتوحد تختلف أيضاً عن الأدمغة العادية في كيفية توزيع الدوبامين والسيروتونين العصبية - التي تلعب دوراً في التحكم في الخوف والتحفيز .

كما خلصت دراسات أجرتها جامعة فرايبورغ إلى وجود خلل في التواصل بين مختلف الخلايا العصبية في دماغ المصابين بمرض التوحد، وإلى وجود علاقة بين الطفرة الجينية والإصابة بالتوحد .

دور العوامل البيئية

حسب اسفين بولته توجد عوامل أخرى تساهم في زيادة احتمال الإصابة بمرض التوحد . ويعرض نتائج تجربة حديثة بهذا الخصوص .

ويقول: توصلت دراسة دنماركية، أجريت مؤخراً، إلى وجود علاقة بين الإصابة بمرض التوحد والالتهابات الفيروسية التي تحدث خلال الحمل . فحسب هذه الدراسة، فإن خطر الإصابة بالتوحد يرتفع من واحد إلى اثنين في المئة إذا تعرضت الأم لهذا النوع من الالتهابات أثناء الحمل .

وعلاوة على ذلك تساهم بعض الأدوية ومشاكل الحمل، إضافة إلى التلوث في زيادة خطر الإصابة بالتوحد . لكن رغم ذلك وحسب بولته فإن وجود أحد هذه العوامل لا يعني بالضرورة خطر الإصابة بالتوحد . فهذا المرض قد ينشأ عن تعقيدات أخرى تختلف من فرد لآخر .

التشخيص مسألة شخصية

يعتمد أطباء الدماغ والأعصاب على تشخيص مرض التوحد من خلال معاينة سلوك المريض وعلاقته بمحيطه الاجتماعي . ويبقى تحديد إصابة الشخص بهذا المرض من عدمه مسألة شخصية . وكلما تعقدت الصورة التي يرسمها علماء الأجنة والدماغ والأعصاب عن التوحد، كلما ازدادت صعوبة المعايير التي تسمح بتحديد هذا المرض من عدمه . وهو ما جعل مديرة عيادة الطب النفسي للأطفال والشباب في جامعة ماربورغ إينغه كامب بيكر تقول نحن أمام شيء غير واضح المعالم ولا نعرف تماماً حدود ذلك . . . الكثير من الدراسات أظهرت أن التوحد هو في الأصل صفة تؤدي إلى ظهور سمات التوحد التي يمكن أن نجدها أيضاً في المجتمعات العادية وربما أيضاً تكون مرتبطة أيضاً بغيرها من الاضطربات . لكن التعريف الحقيقي للتوحد يظل مجهولاً .

(دويتشه فيلله)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"