عادي
أبو الفنون بطاقة عبور إلى قلوب البشر

الخشبة ملاذ الروح في مهرجان المسرح العربي

14:41 مساء
قراءة 5 دقائق
مشهد من عرض آي ميديا
مشهد من عرض فاصل زمني
  • هموم البشر في مقدمة أولويات المسرح

الدار البيضاء: محمد إسماعيل زاهر

في الدورة الثالثة عشرة من مهرجان المسرح العربي المقامة في الدار البيضاء بالمغرب، يشعر محبو الفنون عبر شهادات وتجارب العديد من الكتاب والمخرجين أن الخشبة من خلال ما تناقشه فكرياً أو تطرحه جمالياً، أصبحت ملاذاً للأرواح المنهكة في عصر يشهد الكثير من التحولات والتناقضات، وأن «أبو الفنون» يمتلك بطاقة سحرية ما يستطيع من خلالها الولوج إلى قلوبنا وأعماقنا بمنتهى السلاسة والعذوبة.

شهد اليوم الخامس للمهرجان ثلاثة عروض، هي «فاصل زمني»، تأليف وإخراج محمود الزغول، الأردن، و«بريندا» تأليف وإخراج أحمد أمين الساهل، المغرب، و«آي ميديا» تأليف وإخراج سليمان البسام، الكويت.

يبدأ عرض «فاصل زمني»، بممثلين يتحدثان، كل من وجهة نظره، عن مجموعة من التناقضات التي يعيشها البشر الآن، يقول أحدهما: «لماذا نعمل ونحن نكره وظيفتنا لنشتري أشياء لأناس لا نحبهم»، أما الممثل الثاني فيعبر عن عدم فهمه للكثير من مفردات الحياة الضبابية، التي لا نستطيع إدراكها بسهولة، ويؤكد أن جميع المعايير باتت مختلة، وليس بإمكاننا إدراك الصواب من الخطأ، أو تمييز الخير من الشر. يناقش العرض بعد ذلك مختلف مشاكل واقع بعض البلدان العربية: الفقر، الرغبة في الهجرة، الفوارق الطبقية، وأحلام الأجيال الجديدة الضائعة، والهويات المتصارعة، والأسر المفككة، ويتطرق إلى وقائع عابرة وعرضية مثل قضايا الحليب الفاسد والأطعمة منتهية الصلاحية. هناك خلل أشبه بالمرض، وذلك ما نسمعه مباشرة على لسان إحدى الشخصيات عندما تصيح: «لقد انتشر المرض في كل مكان».

جاءت سينوغرافيا العرض لتبرز حالة التناقض الواضح بين الإنسان وواقعه، حيث ارتدى الممثلون ملابس بيضاء، بينما كانت الخلفية معتمة طوال العرض، في إشارة إلى براءة ونقاء قلوب البشر الذين يعيشون في ظروف مأساوية، ولكن مشكلة العرض الأساسية تمثلت في أنه يود نقاش مختلف مفاصل الواقع في مدى زمني لا يسمح بذلك.

أسطورة معاصرة

أما عرض «آي ميديا» فيستند إلى أسطورة «ميديا» اليونانية، تلك الساحرة التي قتلت أولادها في نوبة غضب، ولكن سليمان البسام يقدم معالجة معاصرة للأسطورة تختلف كثيراً عن أصلها اليوناني، مع إسقاطات سياسية تتعلق باللاجئين والشباب العربي الذين يموتون في قوارب الهجرة، بالإضافة إلى قضايا الأقليات العربية في أوروبا، أما «ميديا» في العرض فلا يملك المشاهد إلا التعاطف معها، فالمسرحية تنتقد العنف الذي يسود مدينة «كورنثيا»، تلك التي ترمز إلى أي مكان على شفا الانهيار. واعتمد العرض كثيراً على الموسيقى والغناء، وتضمن مقاطع مطولة باللغة الإنجليزية.

وجاء «بريندا» متكئاً على نص غنائي من موسيقى «الراب» الشعبية للمغني الأمريكي توباك شاكور، الذي قتل عام 1996 وكانت أغانيه تعبر عن الكثير من الهموم الاجتماعية والسياسة، مثل: العنصرية ضد السود والمسلمين، والحرب في الشرق الأوسط والظلم واضطهاد الشعوب الفقيرة. وتطرق العرض إلى قضايا المرأة بمختلف أشكالها: التغرير بالقاصرات، والتحرش، والظروف الاقتصادية التي تدفع بعض النساء إلى التنازل عن كرامتهن وآدميتهن.

الأمير والمتشرد

من جانب آخر واصل المؤتمر الفكري للمهرجان فعالياته من خلال الإضاءة على تجارب لفنانين مغاربة، وتحرك الممثل والمخرج والمؤلف عبد الحق الزروالي، في شهادته بين الواقع والخيال، الحياة والمسرح، وقال: «62 عاماً مضت حتى الآن.. لم أهدأ فيها ولو للحظة عن التفكير في الإجابة عن سؤال واحد، كيف أكون جديراً بالانتماء للمسرح؟ كيف؟ وهو أبو الفنون والآداب وكل العلوم والصناعات؟ مِرآة الحضارات وبوصلة التطلعات لاستيعاب الكون بكل أسراره وتجلياته. وكيف أزعم قدرتي على ولوج مجال بكل هذه المتطلبات وهذا الغموض؟ من هنا اتضح لدي أن المسرح هو الذي اختارني وليس أنا من اختار الغوص في لججه العاتية، وهكذا صار المسرح عندي غاية الغايات وليس مجرد وسيلة، حتى أصبحت لا أدري هل أنا أمثل في الحياة، أم الحقيقة هي أنني أحيا في التمثيل؟ لقد أتاح لي المسرح فرصة الانفلات من ضيق الذات الصغرى إلى عمق واتساع الذوات الكبرى عبر الأدوار التي لعبتها في العديد من المسرحيات والعروض الفنية، كما أتاح لي مجالات للسفر عبر الأزمنة والأمكنة وعبر الأحداث والحالات التي لم تكن بالنسبة لي مجرد محطات عبور تنتهي بنهاية هذا العرض أو ذاك».

انصهر الزروالي في عشقه للمسرح حتى امتزج فيه، ويتابع بالقول: «النتيجة.. هي أنه لم تُبْقِ لي أدوار الشخصيات التي عشتها ولا أقول شخصتها فوق خشبات المسارح حتى خمسة في المئة من أناي الحقيقية كما تحدده بطاقة تعريفي أو جواز السفر.. بمعنى أنني بلغت أقصى درجات التفكك.. أي ما يسمى بالفرد المتعدد.. المتسامح والحاقد.. الأمير والمتشرد.. الصوفي الزاهد المتعبد.. والنمرود المارد.. المقلد والمجدد. نحن إذن أمام حالة امتزج فيها وإلى حد الانصهار المطلق ما هو تجربة حياتية كمجرد كائن حي يرزق، بما هو طقوس مسرحية».

هذا العشق للمسرح منح الزروالي الحق في مساءلة واقع الفنون عامة والمسرح خاصة، يقول: «من هنا أوجه النداء لكافة المبدعين الحقيقيين بأخذ فترة من الراحة.. فترة للتركيز والتأمل فيما وصلت إليه الأمور؟ حتى أننا لم نعد نميز بين التهريج والكوميديا، وبين البؤس والتراجيديا؟، نعم أصبح التسيب سمة العصر، ويبقى السؤال.. ماذا فعلت بي أيها المسرح؟ أعترف أنه لولا المسرح ما كنت لأصل إلى هذا العمر، إلى هذه اللحظة التي أنا فيها الآن، بالنظر إلى الظروف التي نشأت وترعرعت فيها.. وإلى الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مررت بها، وكل العوامل التي كانت ستودي بي حتماً إما إلى القبر.. وفي أحسن الحالات إلى الجنون».

انفتاح بلا حدود

أما المسرحي عبد المجيد شكير مدير فرقة «أبعاد» فتناول انفتاح الفرقة على النصوص المسرحية العربية، حيث تكرس اسم الفرقة مغربياً وعربياً مع مسرحية «يوم من زماننا» للكاتب السوري الراحل سعد الله ونوس، وحصلت على إعجاب لافت، يقول: «في هذه اللحظة صار للفرقة موقع مهم داخل المشهد المسرحي المغربي، ونسبياً العربي؛ وأصبح لها اختيار فني يرسم مسارها، وهو اختيار الاشتغال على النص الفصيح، لكتّاب على امتداد الخريطة العربية. فقدمنا «بروتوكول» (عن زيارة الملكة) لممدوح عدوان من سوريا، و«كلام الليل» (عن بدرانة) لغنام غنام من الأردن، و«نيكاتيف»(عن مكان مع الخنازير لأثول فوغارد) التي ترجمها محمود أبو دومة من مصر، و«ظل الجنرال» (عن جنرال الجيش الميت لإسماعيل كاداريه) من إعداد عبد الباسط بومزيرق من ليبيا. مع عودة إلى سوريا بمسرحية«طعم الطين» (المعدّة عن رسالة حب) للكاتب السوري الراحل علاء الدين كوكش».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/m2fk5p34

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"