عادي
دراسة محلية: 70% من أهلها في القطاع الخاص لا يعتمدون على مرجع علمي

الصيدلي بين علاج الفقراء والالتزام بالضوابط

03:44 صباحا
قراءة 16 دقيقة

الصيدلة مهنة حساسة، وحساسيتها تجعل من عمل الصيدلي قضية تتباين فيها وجهات النظر إزاء دوره وواجباته ومسؤولياته، فهل يقتصر عمله على صرف الدواء للمريض نفسه؟ وهل تكفي الصيدلي خبرته أم لا بد له من الدراسة الأكاديمية لكي يؤدي عمله باتقان؟ في هذا السياق، كشفت رسالة ماجستير أشرفت عليها جامعة الشارقة ان 70% من الصيادلة في القطاع الخاص في الدولة لا يعتمدون على أي مرجع علمي محلي أو عربي في بيع الأدوية التي تعطى من دون وصفة طبية، بل يعتمدون على خبرتهم الشخصية المتراكمة عبر السنين، كما أن أغلبية الصيادلة لا يحتفظون بأي ملفات حول الوضع الصحي او الملف الدوائي للمرضى، الأمر الذي يمنعهم من القيام بإحدى أهم مهماتهم الأساسية وهي مراقبة تضاد الأدوية مع بعضها او تضادها مع الوضع الصحي للمريض. وأضافت الدراسة التي قامت بها

الصيدلانية ندى الربيعي المسجلة في جامعة أوترخت في هولندا، وذلك في اطار التعاون العلمي الجديد ما بين جامعتي الشارقة واوترخت، أن مادة الرعاية الصحية الدوائية لا يتم تدريسها كمادة أساسية في جامعات الإمارات، وشملت الدراسة عينات من الصيادلة والمرضى والأطباء في كل من إمارات دبي والشارقة وعجمان. الخليج التقت عددا من الأطباء الذين تحدثوا عن العلاقة بين مهنتي الطب والصيدلة على اعتبار ان كلاً منهما مكمل للآخر، مع توضيح محاذير وصف أدوية من دون وصفة طبية، إضافة الى الأسس التي يعتمدها الصيادلة في مهنتهم، حيث أوضحوا انهم يقدمون معلومات كافية للمرضى حول كيفية استخدام الدواء وعدد الجرعات وغير ذلك، الى جانب مشروع قانون جديد تعد لإصداره وزارة الصحة يهدف الى إلزام الصيادلة الاحتفاظ بملفات عن التاريخ المرضي لكل فرد.

توضح الدكتورة زنيب خليل، الأستاذة في كلية الصيدلة في جامعة الشارقة والمشرفة على رسالة الماجستير، ان مصطلح الرعاية الصحية الدوائية هو مصطلح جديد اعتمدته عدة دول أوروبية وغربية، ويشمل تقديم الصيدلي العلاج والرعاية اللازمين للمرضى بغية تحسين صحتهم وحياتهم، اضافة الى التثقيف الصحي للمريض بهدف تحسين استخدام العلاج والاستفادة المثلى منه.

وتابعت ان هدف البحث هو القيام بدراسة نوعية وكمية المعلومات التي يحصل عليها المريض من الصيدليات الخاصة في دولة الإمارات ومدى استيعاب المريض لها ورضاه عنها، كما هدف البحث الى تحليل نوع وطبيعة العلاقة بين الاطباء والصيادلة الأمر الذي من شأنه توضيح مدى التعاون بين القطاعات الطبية (الصيدلية والعيادة) في مجال التوعية والرعاية الصحية للمريض، حيث تم إجراء البحث في ثلاث إمارات وهي دبي والشارقة وعجمان ضمن طريقتي الاحصاء والمراقبة، وتم لقاء 300 مريض (100 مريض في كل إمارة) و36 طبيباً من مختلف الاختصاصات (12 طبيباً في كل إمارة)، كذلك تمت مراقبة 300 حوار بين الصيدلي والمريض في صيدليات مختلفة في الإمارات الثلاث (100 في كل إمارة). وتضيف: توصلت الدراسة الى أن 70% من الصيادلة لا يعتمدون على أي مرجع علمي محلي أو عربي في بيع الأدوية التي تعطى من دون وصفة طبية ويعتمدون بالتالي على خبرتهم الشخصية المتراكمة عبر السنين، كما أن أغلبية الصيادلة لا يحتفظون بأي ملفات حول الوضع الصحي او الملف الدوائي للمرضى، الأمر الذي يمنع الصيدلي من القيام بإحدى اهم مهماته الأساسية ألا وهي مراقبة تضاد الأدوية مع بعضها او تضادها مع الوضع الصحي للمريض.

وبينت الدراسة ان مادة الرعاية الصحية الدوائية كمادة تدريسية أساسية لا يتم تدريسها في جامعات الإمارات كما هي الحال في مختلف الدول الأوروبية، الأمر الذي من شأنه ان يسهم في تهيئة صيادلة المستقبل كي يكونوا قادرين على القيام بدور أفضل في توعية المريض وإيصال المعلومة الصحية بأفضل شكل، كما أن هذا الأمر يسهم في تغيير فهم الصيدلي لدوره وعلاقته بالطبيب على أساس الشراكة العلمية من أجل مصلحة المريض أولاً وأخيرا.

وأشارت الدكتورة خليل الى أن سؤالا وجه الى الصيادلة عن ماهية المعلومات التي يقومون بإعطائها للمرضى وعن أهمية هذه المعلومات لهم، فتبين وجود رابط معنوي (احصائي) بين ما يظن الصيدلي انه يقوم بإيصاله للمريض وبين ما يؤمن بأهميته.

وتتابع: حين قارنا بين ما يقوله الصيدلي انه يقدمه للمرضى وبين المعلومات التي تم تسجيلها من خلال المراقبة تبين لنا انه لا يوجد رابط معنوي - إحصائي بين الأمرين، مما يدل على أن المريض لا يحصل على معلومات كافية حول الدواء من قبل الصيدلية، كذلك الأمر بالنسبة لما يقوله المريض إنه يحصل عليه، حيث تبين عدم وجود ارتباط معنوي من الناحية الاحصائية بين ما يقوله الصيدلي والمريض مما يؤكد ان المرضى لا يحصلون على كمية كافية من المعلومات حول الأدوية.

ولفتت الى أن الدراسة بينت أن 68% من الأطباء غير معترفين بدور الصيدلي في اعطاء معلومات للمرضى بخصوص الأدوية واستعمالها ومضاعفاتها.

أما في ما يخص رضا المرضى عن كمية المعلومات وعن طريقة اعطائها لهم، فقالت الدكتورة خليل إن الدراسة أظهرت أن غالبية المرضى ممن شملهم البحث لا يشعرون بالرضا من الوضع الراهن، إلا أنه وبالمقابل هناك غالبية تؤمن بأن دور الصيدلي يجب ألا يقتصر على بيع الأدوية بل يجب أن يتعداه ليرقى إلى مستوى اعطاء النصائح، الأمر الذي يشكل أرضية ويبين جاهزية المجتمع لتقبل دور أكثر فاعلية للصيدلاني في النظام الصحي.

وذكرت الدكتورة خليل أن الدراسة خرجت بعدة توصيات، أهمها وجوب تحويل دور الصيدلي من الدواء إلى المريض، باعتبار المريض هو المحور الأساسي الذي يسعى الجميع لإيصاله إلى بر الأمان من خلال اعطائه كل ما يلزم من معلومات وارشادات تمكنه من الاستخدام المقنن والأمثل للدواء، وكذلك يتوجب على وزارة الصحة في دبي القيام باجراءات مختلفة بهدف تطبيق أشمل للتوعية الصحية الدوائية من خلال إنشاء لجنة لمتابعة كتابة وتأليف مراجع علمية وطنية ليعتمد عليها الصيادلة في بيع الأدوية بالدولة، كما عليها العمل على توفير مواد مكتوبة باللغتين العربية والانجليزية للمرضى، اضافة إلى تنظيم مؤتمرات واجتماعات دورية للصيادلة التي ستسهم بتجديد المعرفة العلمية لديهم.

رأي القانون

ويوضح الدكتور عصام سليمان طه، نائب مدير أحد المستشفيات الخاصة في عجمان، أن مهنة الصيدلة من المهن الطبية المساعدة، ولا يقتصر دور الصيدلي على بيع الدواء فقط، بل هو المسؤول عن تأمين الدواء الملائم لعلاج المريض ومساعدة الطبيب على شفاء المريض وذلك بصرف الدواء الصحيح والجرعات المحددة، والتحذير من أية آثار جانبية قد تحدث نتيجة تعاطي هذا الدواء، وقد ورد تعريف الصيدلي في قانون دولة الإمارات الاتحادي رقم (4) لعام 1983 في شأن مهنة الصيدلة والمؤسسات الصيدلانية قائلاً هو يكمل دور الطبيب في القضاء على الأمراض.

ويضيف: لا يحق لأي فرد ممارسة مهنة الصيدلة إلا بعد أن يمنح ترخيص مزاولة المهنة من وزارة الصحة، وفقاً لشروط معينة كما ورد في المادة رقم (2) من القانون، حيث نصت على أنه يشترط في من يطلب هذا الترخيص ما يأتي:

أن يكون حائزاً على شهادة الصيدلة الأساسية من معهد عالٍ أو كلية أو جامعة معترف بها.

أن يكون قد مارس مهنة الصيدلة مدة لا تقل عن سنتين تلي حصوله على شهادة الصيدلة الأساسية، وذلك إذا كان طالب الترخيص من غير المتمتعين بجنسية الدولة.

ألا يكون محكوماً عليه في جريمة مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره أو صدر عفو عنه من السلطات المختصة.

ان يجتاز الامتحان الذي تجريه الوزارة لهذا الغرض وفق القواعد التي يصدر بها قرار من الوزير بعد أخذ رأي لجنة التراخيص.

وأشار إلى ان دراسة الصيدلي تعطيه نظرة شمولية على تركيب ووظائف اجزاء الجسم ثم ترتكز بشكل أساسي على المواد الكيميائية وعلم الدواء والسموم، فالصيدلي بعد تخرجه يكون عنده علم عن تركيب الجسم البشري بشكل عام وعلم متعمق عن تركيبات الأدوية بشكل خاص، كذلك يكون دور الصيدلي جنباً إلى جنب الطبيب في تثقيف ونشر الوعي الصحي في المجتمع.

ويرى الدكتور طه انه ونظراً للجوء الكثير من الناس للصيدلي مباشرة لأخذ الدواء المناسب من دون الرجوع إلى الطبيب في بعض الحالات التي يرونها بسيطة وشائعة مثل الإصابة بالبرد والانفلونزا، ونظراً إلى أن الصيدلي غير مطالب بمعرفة التاريخ المرضي للمشتكي أو مدى تقبل جسمه للدواء، حيث ان هذا دور الطبيب، فقد نص القانون في المادة (11) لا يجوز للصيدلي المرخص ان يصرف دواء أو مستحضراً صيدلانياً إلا بموجب وصفة طبية مكتوبة بخط واضح تحمل اسم الطبيب الذي أصدرها وختمه وتوقيعه وتاريخ تحريرها، على أن يكون هذا الطبيب مصرحاً له بمزاولة مهنة الطب البشري أو البيطري في الدولة.

ويتابع: وأحياناً يعود الطبيب للصيدلي لأخذ معلومات عن دواء معين نظراً للزيادة المطردة في أصناف وأنواع الأدوية واختلاف مسمياتها من شركة لأخرى، حيث إن الصيدلي أكثر تخصصاً من الطبيب في علم الأدوية وأعراضها الجانبية فإنه يعتبر عمله مكملاً لعمل الطبيب الذي يشخص المرض ويحدد جرعات الدواء، أما الصيدلي فهو ملزم باتباع وصفة الطبيب أو تقديم البديل ان لم يتوفر الدواء الموصوف بعد الرجوع إلى الطبيب المعالج واخطاره حسبما حدده الدستور في المادة (13)، في حين لا يجوز للصيدلي وبغير موافقة الطبيب الذي أصدر الوصفة الطبية تكرار صرف أدوية تحتوي على عناصر مخدرة أو مجهضة أو لها خاصية التراكم في الجسم أو تؤدي إلى الاعتياد على استعمالها وبالتالي الإدمان عليها.

وذكر الدكتور طه ان المادة (12) من الدستور نصت على انه لا يجوز للصيدلي المرخص اعطاء السموم أو صرفها أو بيعها بكميات أكبر من الجرعات الطبية المقررة بدساتير الأدوية. مشيراً إلى انه يمنع منعاً باتاً صرف أدوية المضادات الحيوية والفيروسية المحتوية على البنسلين والجونتامسين والمهدئات، إضافة إلى أدوية علاج السمنة والقلب والمسكنات القوية إلا بواسطة وصفة طبية، كما أن هناك أدوية يمنع صرفها من دون وصفة مثل بعض الأدوية المضادة للزكام وبعض المراهم الخاصة بالالتهابات وبعض المطهرات الخارجية والفيتامينات.

ويبين أن الأطباء بشكل عام يحذرون من تناول الأدوية بشكل عشوائي ومن دون استشارة الطبيب لما يترتب عليه من مخاطر عديدة، حيث إن بعض الأدوية لا يمكن اعطاؤها للمريض مع بعضها بعضاً، أو قد تحتاج إلى تعديل جرعاتها وفقاً لكل حالة، لذلك فإن الطبيب هو الوحيد القادر على وصف الدواء المناسب مع أخذه في الاعتبار كافة الاحتياطات اللازمة.

ويشير الدكتور طه إلى ان الكثير من الناس يلجأون إلى الصيدلي بدلاً من الطبيب بحجة ضيق الوقت، إلا انه يتوجب على الصيدلي رفض بيع أي دواء من دون وصفة طبية مع عدم القيام بأي ممارسات خارج نطاق وظيفته، حيث إنه لا يمكن مراقبة كل صيدلي، بل يترك الأمر لضميره المهني.

محاذير وضوابط

يقول الدكتور أمين الشنطي استشاري أطفال ورئيس قسم الأطفال في مستشفى الذيد، ان من الأضرار المهنية والمحاذير الطبية أن يقوم الصيدلي بدور الطبيب المختص مثل صرف الدواء كونه مادة سامة، حيث إن العاملين في المهن الطبية يعرفون الدواء باعتباره كل مادة مصنعة أو غير مصنعة تعطى للإنسان لغرض العلاج وتحسين الوضع الصحي من دون ترك أعراض سلبية.

أما بالنسبة للمعايير الطبية ومحاذير صرف الدواء من قبل الصيادلة فهناك اجماع دولي على الخطوط الحمر في صرف الدواء، إلا أن هناك بعض الدول تتساهل في بيع الدواء بالمحلات الكبيرة التي عادة ما تكون فيها صيدلية، وتسمح ببيع أدوية معينة مثل المعالجة لحموضة المعدة أو الصداع أو ارتفاع درجة الحرارة، ففي بريطانيا وكندا والولايات المتحدة على سبيل المثال يمكن للفرد شراء أدوية المعدة والصداع والفيتامينات من الخزائن الملحقة بالمحلات الكبرى، أما في ألمانيا فإنه يمنع شراء دواء المعدة والمضادات الحيوية الا بوصفة طبية، بينما هناك أدوية تعطى للأطفال حديثي الولادة ممن يعانون التقيؤ والاسهال والمغص وهي تعد أخطر من المضادات الحيوية، اضافة الى الاسبرين الذي يصرف من قبل الصيدليات للأطفال دون سن الرابعة عشرة مع انه من المعروف طبياً ان هذا الدواء لا يصرف للاطفال الا في حالتين هما الروماتيزم ومرض كواساكي لانه يسبب تلف خلايا المخ والكبد مما يؤدي إلى اصابة الطفل بالشلل الكامل ومن ثم الوفاة.

ويشير الدكتور الشنطي الى وجود مخاطر عدة لدى صرف الدواء بلا وصفة طبية، حيث ان الدراسات الأخيرة اظهرت ان دواء Dicyclomine الذي يعطى للاطفال خلال عامهم الأول لعلاج المغص يسبب هبوطاً في التنفس ومن ثم توقف التنفس والتشنجات لديهم ومن ثم الموت المفاجىء، لافتاً إلى أنه لا يوصى بإعطاء الطفل أي دواء لعلاج المغص سوى ماء السكر المخفف لانها اعراض تزول لوحدها تكون ناتجة عن التحولات المعوية عند الاطفال حديثي الولادة.

ويرى ان الالتزام بالضوابط المهنية ونشر الوعي الصحي بين المرضى وافراد المجتمع هما اللبنات الاساسية لصحة أفضل خالية من المرض ومن سلبيات الدواء، موضحاً أن الصيدلي يعتبر بائع أدوية مرخصاً ومتعلماً في مهنته نتيجة توجيهات الطبيب، كما انه ليس مخولاً لصرف أي دواء حيث انه من الخطأ الذي يرتكبه بعض المرضى التوجه إلى الصيدلية لطلب الدواء دون وصفة طبية، خاصة الاطفال، حتى ولو كانوا يعانون من أمراض بسيطة مثل السعال على سبيل المثال، وذكر ان الصيدلي يرتكب خطأ فادحاً لدى عدم تقديمه معلومات للمريض الذي يحمل وصفة طبية حول عدد الجرعات ومضاعفاتها وتفاصيل أخرى يطلب المريض الاستفسار عنها.

وسرد الدكتور الشنطي قصة إحدى الحالات والتي تعود لطفل عانى ارتفاعاً في درجة الحرارة وحالة إسهال وقيء حيث لجأت والدته إلى الصيدلية لصرف أدوية لعلاج حالة طفلها، وبعد يوم واحد من استخدام الدواء توقف الاسهال الا انه وفي اليوم التالي عادت الحالة مرة أخرى لتعود إلى صيدلي آخر ليصرف لها مضاداً حيوياً مع الاستعاضة عن دواء الاسهال بآخر، حيث لاحظت الأم أن طفلها لا يخرج وبدء انتفاخ بطنه وفي اليوم الثالث اصيب بفقدان الشهية وفقدان الطاقة والحيوية، وبعد ذلك تم احضار الطفل الى المستشفى ليتبين انه يعاني من شلل في الامعاء نتيجة إعطائه دواء غير مناسب لحالته، وبعد خمسة أيام من اعطائه المغذيات اللازمة عادت معدة الطفل لنشاطها وبذلك تم انقاذه من موت محقق.

بيت الطب والصيدلة

من جانبها تعتقد فاطمة المراغي المدير التنفيذي في إحدى المستشفيات الخاصة في الشارقة ان العلاقة بين الطب والصيدلة كالعلاقة بين الدجاجة والبيضة فلا يكن تحديد ايهما الأصل وايهما الفرع، حيث ان الطب تشخيص ودواء ولا يكتمل احدهما الا بالآخر، ومن هناك كان الخلط أحياناً بين مهام كل منهما لتنشأ بعض المشاكل المترتبة على تداخل الاختصاصات أو فصلها.

وتضيف: احياناً يلجأ المريض الى الصيدلي مباشرة لوصف بعض ما يعانيه من اعراض مرضية طالباً منه العلاج المناسب حيث يقوم الصيدلي بصرف الدواء طالما انه لا يحتاج إلى وصفة طبية وبذلك يقوم بمهام الطبيب، وقد يكون ذلك الأمر مقبولاً في بعض حالات الصداع العارض أو آلام المعدة العادية لأن لدى الصيدلي خلفية علمية طبية تؤهله لمعرفة التركيبة العلمية للعقاقير وتأثيراتها المختلفة في الجسم، الا انه يجب ان يوجه المريض لضرورة مراجعة الطبيب في حال التكرار أو زيادة الألم، كما يجب عليه تعريف المريض بالآثار الجانبية للدواء والحالات التي يمنع فيها تناوله.

وتشير إلى انه من الطبيعي ان يستعين الصيدلي بخبرته إلى جانب عمله وهذا لا يعيب بل يعتبر ميزة، حيث ان الخبرة في أي مجال تعتبر اضافة يومية للمخزون العلمي والمعرفي لكل فرد في مجاله وعدم الاستفادة منها جهل وتقصير، مع ملاحظة عدم الركون الى الخبرة واهمال الناحية العلمية والمعرفية التي اساسها الاطلاع العلمي ومعرفة ماهو جديد في عالم تتسابق فيه الاكتشافات والابحاث بشكل مستمر، كما ان الصيدلي كالطبيب إذا توقف عن متابعة الابحاث في مجال عمله نضب عطاؤه، ويبدو ذلك جلياً عند صرف وصفة طبية لدواء يكون اسمه العلمي غير متوفر في الصيدلية فيتصل الصيدلي بالطبيب لمعرفة امكانية تغييره بدواء آخر لعلاج الحالة نفسها، وقد تكون الوصفة محررة في بلد آخر، حيث أن بعض الأدوية يختلف اسمها العلمي من مكان لآخر مع وجود بديل بالتركيبة ذاتها وله الخصائص نفسها.

وتؤكد المراغي أنه ليس من مهام الصيدلي شرح تفاصيل الدواء وكيفية استخدامه وسبب وصفه للمريض طالما أنه يصرفه بواسطة وصفة طبية، وفي الوقت ذاته من حق المريض السؤال عن الأسلوب الأمثل لاستخدام الدواء والأعراض الجانبية له والفوائد المترتبة على تناوله، مشيرة الى ضرورة ألا يكون الطبيب ولدى تحرير الوصفة خاضعاً تحت تأثير أي جهة دوائية لأسباب شخصية أو أخرى كأن يحبذ وصف دواء معين بغير موضوعية.

ملف لكل مريض

ولاستطلاع رأي الصيادلة يوضح الدكتور زياد أبوشاويش (صيدلي مسؤول) أنه لا يمكن صرف أي دواء إلا بوصفة دوائية كما أنه من واجب الصيدلي التقيد بما هو مدون في الوصفة مع تقديم شرح كاف للمريض عن الدواء مثل كيفية تناوله وعدد الجرعات وما شابه، ويعتقد أنه لا يتوجب على الصيدلي تقديم شرح مفصل عن الدواء إلا إذا كان المريض يستخدم دواء آخر له تفاعلات جانبية مع الدواء الموصوف، مشيراً إلى أن وزارة الصحة تسمح للصيدلي بصرف أدوية معينة تسمى الكاونتر OTC وهي تشمل أدوية السعال الخفيف والحساسية والانفلونزا والرشح إلا أن المضادات الحيوية وأدوية الأمراض المزمنة لا تصرف إلا بوصفة طبية خاصة الأدوية المراقبة وشبه المراقبة.

ولفت الدكتور أبوشاويش إلى دراسة لاتزال قائمة تجريها إحدى الصيدليات الخاصة في الدولة حول ضرورة فتح ملف لكل مريض خاصة المصابين بأمراض مزمنة، وذلك لأهمية توثيق التاريخ المرضي لكل حالة لدى صرف أي دواء بهدف تفادي الأخطاء عند صرف الأدوية ولمتابعة حالة كل مريض وذلك بالتعاون مع الطبيب المعالج بهدف توفير الوقت على الصيدلي لدى صرف الدواء.

ويرى أن الخبرة المتراكمة لسنوات لا تكفي الصيدلي لدى تعامله مع المريض والدواء، لأنه من الممكن لأي شخص غير الصيدلي التمتع بخبرة في بيع الأدوية في أي صيدلية، الأمر الذي يعد غير كاف ليكون مصدر معلومات آمناً للمرضى عند التعامل مع الأدوية معرباً عن اعتقاده بأن الخبرة المعتمدة على الدراسة والممارسة ومتابعة كل ما هو جديد في عالم الأدوية هي الأساس في مهنة الصيدلي وليس الخبرة فقط.

ويطالب الدكتور أبوشاويش الجهات المسؤولة بإلزام الجامعات في الدولة بتدريس مادة الرعاية الصحية الدوائية لطلبة الصيدلة بهدف زيادة وعي الصيادلة إضافة إلى ضرورة متابعة الصيادلة لكل ما هو جديد في عالم الأدوية والمؤتمرات العلمية لأجل توسيع مداركهم.

فن التعامل

أما الدكتور هشام السيد (صيدلي) فيقول: في بعض الأحيان يلجأ بعض الصيادلة إلى صرف أدوية قاربت صلاحيتها على الانتهاء، وفي الوقت نفسه تناسب الحالة المرضية أكثر من الدواء المحرر في الوصفة الدوائية، حيث انه ليس من الخطأ الاستعاضة عن دواء بآخر له الفاعلية العلاجية نفسها أو أكثر وبذلك لا يعتبر الأمر تجاوزاً لدور الطبيب، مشيراً إلى أن الصيدلي يعتمد في صرف الدواء على خبرته العلمية المختصة بالدواء نتيجة عدم توفر الدواء الموصوف في الصيدليات كافة دون علم الطبيب الذي حرر الوصفة فيلجأ الصيدلي دون استشارة الطبيب إلى استبدال الدواء بآخر لأنه غير ملزم بذلك، الأمر الذي يهدف إلى توفير الوقت والجهد على المريض حتى لا يضطر إلى السؤال عن الدواء في أكثر من صيدلية لعلم الصيدلي أن الدواء غير متوفر تحت هذا الاسم التجاري في صيدليات الدولة.

ويضيف: بعض المرضى وبسبب قلة الوعي وعدم ادراكهم للتركيبات العلمية للأدوية يشعرون بالخوف عند استبدال الدواء الموصوف بآخر.

ويرى الدكتور السيد ان الصيدلي الذي لا يمنح الوقت والانتباه الكافيين للمرضى عند صرف الأدوية يتميز بنقص الخبرة وفن التعامل مع الآخرين لأنه ولدى منح المرضى الاهتمام والوقت للإجابة عن استفساراتهم وشرح تفاصيل تتعلق بكيفية تناول الدواء واعراضه الجانبية يساهم في تعزيز الثقة بينه وبين المرضى، حيث انه وفي حال خسارة هذه الثقة فإن الصيدلي سوف يخسر أكثر من مريض بسبب تناقل الحديث بين المرضى أي الزبائن.

ويشدد على أن الصيدلي المحترف لا يعمد إلى صرف الأدوية لدى لجوء أحد المرضى إليه يشكو من أعراض مرضية حتى ولو كانت بسيطة بل ينصحه بأهمية مراجعة الطبيب المختص، إلا أن غالبية المرضى قد يلجأون إلى الصيدلي محل الثقة اعتقاداً منهم أنه قد يحل مكان الطبيب لتوفير الوقت والجهد وقيمة الكشف.

ويشير إلى أن الصيادلة من خلال ممارسة المهنة لديهم الوعي والخبرة الكافيين للتعامل مع المرضى والأدوية إلا أنه يفضل عدم الاعتماد على الخبرة المتراكمة لسنوات بل متابعة الجديد في عالم الدواء، الأمر الذي يساهم في زيادة الوعي والثقافة الصحية لديهم، في حين يؤكد الدكتور مصطفى صالح (صيدلي) ضرورة منح المرضى الوقت الكافي للإجابة عن استفساراتهم حول الأدوية الموصوفة مثل طريقة تناولها وعدد الجرعات، وتفاعلها مع الأدوية الأخرى، إلا أن بعض المرضى يحتاجون إلى وقت إضافي مقارنة مع غيرهم حيث إن الصيدلي لديه مرضى آخرون لا يستطيع التغاضي عنهم، الأمر الذي لا يعد عدم منح هؤلاء المرضى الوقت الكافي، مشيراً الى أن بعضهم يعود أكثر من مرة للسؤال ذاته، الأمر الذي قد يجعل الصيدلي غير قادر على مواكبة كافة الاستفسارات للمرضى في آن واحد.

ويضيف: الأساس في عمل الصيدلي هو الخبرة العلمية التي تزيد نتيجة الممارسة والخبرة المتراكمة ولا يمكن لأي صيدلي صرف دواء من دون مرجع علمي لأنه إذا ارتكب أي خطأ دوائي يكون المريض هو الضحية.

ويشير الى أن الصيدلي ليس من مسؤولية عمله تشخيص حالات المرضى بل صرف الدواء الموصوف فقط من قبل الطبيب، إلا أنه وفي حالة اعتماد نظام توفر التاريخ المرضي لكل حالة في كافة الصيدليات فإنه سيعمل على توفير وقت الصيدلي والمرضي في آن واحد لمعرفة الأدوية التي تناولها المريض في السابق تجنباً لأية مضاعفات دوائية قد يصاب بها نتيجة إغفال الطبيب المعالج أو الصيدلي لدواء قد يسبب مضاعفات جانبية، لافتاً الى أنه من النادر وقوع الصيدلي في أخطاء لدى صرف الوصفة حتى لو كان يعاني من ضغط كبير في العمل لأنه ملزم بمراجعة الوصفات الدوائية بدقة قبل صرفها بل الاستفسار من الطبيب المعالج في حالة ساوره شك حول أي دواء.

ويؤكد الدكتور صالح ضرورة زيادة توعية الجمهور حول حقهم في الاستفسار عن أي دواء من الصيدلي وعدم الاكتفاء بخبرتهم الشخصية لأنها قد تكون خاطئة أو غير كافية.

تجاوب مع المرضى

وفي السياق ذاته، يوضح حميد محمد الشامسي وكيل الوزارة المساعد لشؤون الصيدلة والتموين في وزارة الصحة ان الأدوية يتم صرفها من قبل الصيادلة تحت إشراف معين حيث هناك تشديد لدى وصف المضادات الحيوية والتي لا تصرف إلا بوصفة طبية، مشيراً الى ضرورة توخي المرضى الحذر وعدم تناوله أدوية من غير وصفة طبية لأن الأضرار أعلى من تكلفة الكشفية. ويضيف أن الصيدليات لا تحتفظ بملفات عن المرضى حيث ان الأمر لا يعد الأمثل.

أما بالنسبة لأدوية الأمراض المزمنة فقال الشامسي انه في حال وجود تقرير مع المريض يوضح أنه يعاني مرضاً مزمناً ويتناول دواء معيناً فيمكن للصيدلي صرف الدواء لأن الدواء يتم تحريره بوصفة روتينية، ولفت الشامسي إلى انه يتم التعامل مع الواقع حيث ان العديد من المرضى لا يستطيعون زيارة الطبيب للحصول على وصفة دوائية حيث هناك بعض الصيدليات تتساهل مع المرضى لدى بيع الدواء من دون وصفة.

وذكر أنه لم ترد الوزارة أية شكاوى من المرضى حول عدم منح الصيادلة لهم الوقت الكافي حيث ان لهم الحق في السؤال عن أي معلومات دوائية، مشيراً الى أن الصيدلي يقوم بصرف الدواء مع إعطاء المريض معلومات دوائية عن تعارضه مع أدوية أخرى، كما أنه ومن واقع العينات وجد أن الصيادلة يتميزون بتجاوبهم مع المرضى عند إعطاء معلومات تتعلق بالدواء لهم.

ويوضح الشامسي انه يتم تقييم عمل الصيادلة وفق معايير مشددة حيث ان نسبة النجاح في الامتحان التحريري أو الشفهي لا تتجاوز 35% من اجمالي المتقدمين له، في حين ولدى ممارسة الصيدلي للمهنة في الميدان تتطور وتزيد معلوماته بشكل دائم حول الأدوية وتفاعلاتها، مشيراً الى أنه ولدى زيادة عدد الصيادلة والمساعدين في الصيدلية الواحدة تزيد فرصة إعطاء معلومات دوائية متكاملة للمريض. وأضاف ان وزارة الصحة بصدد إعلان مشروع قانون جديد يهدف الى رفع مستوى مزاولة مهنة الصيدلة ويلزم الاحتفاظ بملفات عن التاريخ المرضي لكل شخص.

ولفت الشامسي الى ان المادة (15) من القانون الاتحادي تنص على الصيدلي المرخص أن يسجل الوصفات الطبية التي صرفها في سجل يعد لهذا الغرض وان يمهرها بخاتم الصيدلية بعد أن يثبت على كل وصفة رقم تسجيلها في السجل المذكور وثمن الدواء الذي استوفاه ممن قدمها ثم يردها إليه أو يعطيه نسخة منها بالشروط ذاتها إذا تطلب الأمر أن يحتفظ بها.

كما نصت المادة (14) في الفصل الرابع من القانون ذاته والذي تحدث عن الوصفات والجرعات الطبية إذا وجد الصيدلي المرخص خطأ أو سهواً في الوصفة الطبية المقدمة إليه أو خامره شكل في شأن بعض بياناتها، كان عليه أن يتصل سراً بالطبيب الذي أصدرها لتجلية ذلك وأن يعيدها إليه إذا لم يقبل الإيضاحات التي قدمها، وفي هذه الحالة يجب على الطبيب أن يضع خطاً تحت الأمر محل الخلاف في الوصفة الطبية وأن يوقع قرينه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"