عادي
أفق

المصادفة من منظور ثقافي

02:05 صباحا
قراءة دقيقتين

من المفيد النظر إلى التغييرات الاجتماعية التي حصلت وما تزال تحصل في العالم، بوصفها تغيرات ثقافية، تخضع في تحليلها الأخير، إلى جملة من المصادفات، التي لم يحسن العالم التقاطها في حينه، وحين حصولها تشكل صدمة للجميع، والحقيقة أن نظرة متفحصة لبعض هذه الظواهر الاجتماعية، سوف تعيدنا إلى فكرة تحليل البنية، وما يلحق ذلك من تفكيك وإعادة البناء، وفق حركة الزمن وسيرورتها .

وأول خطوة للتعامل مع هذه التغييرات، هي اعتبارها منظاراً حقيقياً لحركة الوعي البشري، التي تم رصدها أثناء صدمة الحداثة العالمية، التي اتفق على أن أسبابها تعود لثورة الاتصالات، التي أدت إلى انفتاح الشعوب على بعضها، وما تبع ذلك من تدفق المعلومات، وهذه الثورة الرقمية التي فاجأت الجميع بكل ما يمكن توقعه، ولا يمكن احتسابه من تكثيف لحظة الزمن، ما يستوجب إعادة التعاطي مع المشهد الجديد، من واقع حس ثقافي يحتاج إلى مزيد من التحليل وربط الأحداث مع بعضها .

إن مثل هذه المفاجآت، تستدعي منا الانتباه إلى أهمية قراءة التاريخ الاجتماعي للبشر، قراءة تحليلية ثقافية متأملة، وعودة إلى المئة عام الأخيرة - على سبيل المثال - سوف تدلنا على لحظات أخرى توقف الزمن عندها، من مثل أحداث الكساد الكبير الثلاثاء الأسود أو ما يعرف بأسوأ كارثة اقتصادية عالمية عرفها التاريخ في عام ،1929 وهذه أعادت النظر في قانون أدم سميث، فأدى ذلك إلى ضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد، والذي يتابع أحداث السنوات اللاحقة سوف يرصد بالتحليل، انعكاس هذه الأزمة في عسكرة النظام الأمريكي، والخطوات التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية، تنبه الروائيون والكتاب إلى هذه الأحداث، مثلما رصد الكثير من المفكرين أحداثاً مشابهة، من بينها الحرب الأهلية الأمريكية، التي أدت في ما بعد إلى يقظة السود وإيقاظ العالم من سبات العبودية، والتنبه إلى الحقوق الثقافية والإنسانية والاجتماعية للبشر .

هي لحظات خارجة عن النمط، تكثف فيها الزمن كما أسلفنا، ودائماً كان لها وقع الصدمة، وإذا تجولنا في التاريخ، وعدنا إلى وباء الكوليرا الأول في عام 1816 الذي انتشر في البنغال، ثم تفشى على نطاق عالمي خلال موجات متلاحقة، وحصده لأرواح ملايين الأشخاص، سنرصد لحظة من لحظات تكثف الزمن، أدت إلى تحسين سبل الصحة العلاجية، التي يستفيد منها العالم الآن، فمن كان يظن أن الكوليرا كانت سبيلاً إلى قيام نهضة دوائية لم يشهد لها العالم مثيلاً قبل مئة عام .

حسناً، ماذا عن قانون اكتشاف الجاذبية، ودوره في تغيير المعادلات والأرقام، وتوجيه بوصلة الفيزياء إلى خريطة جديدة، ألم يكن ذاك محض مصادفة، شحذ فيها نيوتن خياله فاستغل القدرات الخارقة لذهنه ليكون سبباً في نهضة العلوم الحديثة؟

أسئلة كثيرة تحتاج إلى منظور ثقافي وحضاري، لا يكتفي بالظاهرة، بل يغوص في أعماقها، ويرصد تحولاتها وفقاً لقانونها الخاص، الذي يختزل ويكثف ويفاجئ ويصدم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"