عادي

نهاية النجوم والمجرات

23:27 مساء
قراءة 3 دقائق

د. حميد مجول النعيمي *

لنقرأ في الآيات الكريمات أدناه: «فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنّسِ. الْجَوَارِ الْكُنّسِ. وَاللّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ. وَالصّبْحِ إِذَا تَنَفّسَ. إِنّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ» التكوير 15-19، وتنعكس عظمة القسم وأهميته في الاستدلال على المقسوم به وهو هنا مذكور بصفات قد تلتقي تماماً مع صفات ما يسمى بالثقوب السوداء (النجوم الميتة)، فهي في الأصل نجوم تجري في مداراتها فيصدق عليها الوصف باللفظ جوار، وأما اللفظ خنس فيتطابق معها بكل معانيه في اللغة ومنها: الخفوت والاحتجاب والاختفاء، والتراجع والاندثار بعد ظهور وازدهار، وهي بالفعل نجوم عملاقة هوت في نهاية أعمارها وانكمشت مادتها واستترت ولا يظهر منها أي ضوء (توفت)، والسبب شدة جاذبيتها التي تجعلها تكنس كل شيء يحيط بها وفي طريقها وتبتلعه فتزداد كتلة وحجماً وقوة، وهنا يتجلى وصفها بلفظ الكنس أو المكانس الضخمة الشافطة. والمعرفة بالأوصاف الفيزيائية الفلكية لهذه الأجرام جاءت خلال الثلاثين سنة الماضية، علماً بأن الثقوب السوداء رصدت بشكل غير مباشر خلال المواد الكونية المحيطة بها، وقد رصدت في النجوم الثنائية وفي مركز الحشود النجمية الكروية وفي مركز المجرات و الكوازارات الكبيرة، لذا فإن ورودها في القرآن بألفاظ ومصطلحات تدل عليها بدقة علمية كونية لدليل واضح وحاسم على أنه كلام الله الخالق.

في سياق الموضوع نفسه لنقرأ: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى» النجم 1-4، ثم قوله تعالى في السورة نفسها

«وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى، مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى، وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى، وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولى، وثمود فَمَا أَبْقَى، وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى» 45-52 حيث تأكيده تعالى: «وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى» بمضمون فلكي في سياق أرضي من بيولوجيا حياة الإنسان واندثارها، وكذلك «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى» وما يليها من آيات، فهل ثمة علاقة بيولوجية بين «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى» و «وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى» والحياة على الأرض؟ أي هل ثمة حياة على النجم في الآية الأولى كانت واندثرت، وثمة حياة في نجم الشِّعْرَى كانت واندثرت أيضاً؟ وهل النجم في الآية الأولى هو الشِعْرى في الآية 49 من دون البسملة؟

إننا؛ إذ نتأمل هذه العبارات بجمال أخاذ فإنها لتنبئنا بأشياء فلكية فيزيائية ليست سهلة التحديد، لكنها ليست مستحيلة التحليل.

«وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى» تتحدث الآية عن النجوم وليس الكواكب أو الشهب المختلفة تماماً عن النجوم، فالنجم الطارق والنجم الثاقب والنجم إذا هَوى، لا علاقة لهذه الآيات بالشهب والنيازك المتساقطة باستمرار والتي ترى بالعين المجردة.

المقصود في هذه الآية، أن النجوم العملاقة (الأكبر من الشمس بعشرات أو مئات أو آلاف المرات) والتي وصلت إلى مراحلها النهائية من عمرها، فهي تتهاوى على نفسها بعد أن تستكمل طاقتها الذاتية، وبعد ذلك تكون في حالة انفجار كبير جداً ونسميها بالمستعرات العظمى وبعد الانفجار تخلف وراءها نجماً نيوترونياً أو ثقباً أسود.

نقصد بالتهاوي أنه بعد بلايين السنين من عمر النجم العملاق يستنفد وقوده، ثم ينفجر ويتهاوى على نفسه نحو المركز، حيث تتجمع طاقته وتكبر جاذبيته (أي تتسارع وتتساقط مادة النجم تتهاوى باتجاه مركز الجاذبية)، وكل نجم في الكون لابد أن يأتي عليه يوم يستهلك فيه وقوده ومن ثم يهوى على نفسه ويموت على شكل مادة مكدسة عالية الكثافة.

ونفس الشيء بالنسبة للكون لابد وأن له نهاية (يتهاوى على نفسه) عندما تستنفد جميع النجوم الكتل العالية طاقتها وتتحول إلى ثقوب سوداء ذات جاذبية وكثافة عاليتين جداً ثم تبلع المواد التي حولها وبما في ذلك النجوم صغيرة الكتل وحتى بعض المجرات والحشود المجرات بعد أن تكبر كثافة الكون لتكون أكبر من الكثافة الحرجة بكثير ومن ثم يعود الكون في عملية الانسحاق الكبير أي كما كان سابقاً (رتقاً) قبل الانفجار الكبير (الفتق).

«يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ، كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ، وَعْدًا عَلَيْنَا، إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ»،الأنبياء 104.

* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/58y7s93r

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"