عادي

احذروا إهدار مكاسب رمضان

21:44 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

تعوّد كثير من الناس على أداء العبادات والطاعات وأعمال الخير بإخلاص طوال شهر رمضان، فإذا ما انقضى عادوا إلى حياتهم الطبيعية التي يعيشونها طوال شهور السنة بما فيها من سلوكيات خاطئة، وتجاوزات تبتعد بهم على أخلاقيات دينهم، بل إن البعض يفعل في أيام العيد فقط ما يهدر مكتسباته من رمضان من هداية وطاعة.. فقد انتهى بالنسبة له موسم الطاعة والعبادة والتسابق في عمل الخير.

يصف د. شوقي علام مفتي مصر سلوكيات هؤلاء ب«الخطأ الكبير» ويقول: العطاء الروحي والأخلاقي لشهر رمضان يرسم للإنسان طريق الهداية والاستقامة لتظل مكارم الأخلاق ملازمة له طوال أيام وشهور السنة، وموجهة لحياته الخاصة والعامة في كل مكان يذهب إليه أو يوجد فيه.. وضابطة للسلوك ومهذبة للغرائز والانفعالات في كل الأوقات، فكل من عاش رمضان في عبادة وتقوى وورع، وأخلص في عباداته وعطائه الخيري والإنساني من الطبيعي أن تستمر معه هذه الحالة الإيمانية بعد رمضان.. أما من تعامل مع رمضان على أنه محطة طارئة في حياته، وأن صلاته وصومه وزكاته مجرد طقوس دينية لا تأثير لها على مسار حياته وحركته في المجتمع، فسوف يهدر بسهولة ما اكتسبه من أجر وثواب وفضائل خلال الشهر الكريم.

الصورة

ويضيف: «يجب أن يعلم الجميع أن عطاء شهر رمضان المبارك ليس موسمياً أو مؤقتاً، بل هو عطاء دائم، يصحح مسيرة الإنسان ويرسم له طريق الهداية والاستقامة، وكل إنسان عاقل يدرك أنه من الخطأ أن يفرط في مكتسبات هذا الشهر الكريم الذى تعددت فضائله، وتنوعت مكاسبه، فكل من صام رمضان وأدى ما عليه من واجبات دينية وإنسانية وأخلص في عبادته جدير بأن يكون من الذين وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغفران ذنوبهم وتخليصهم من آثامهم حيث يقول صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الصحيح: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».

ويحذر د. علام من التعامل مع هذه المكاسب العظيمة وهذا الفضل الكبير من الله على الإنسان ب«الجحود لنعمة الهداية والصلاح»، ويقول: كل من يعود إلى المعاصي وحياة الفوضى السلوكية بعد رمضان هو إنسان جاحد لعطاء الله له، ناكر لما أنعم الله عليه به، وهو لا يدرى هل تتكرر له هذه الفرصة مرة أخرى أم لا؟

وسائل للهداية

يقول د. محمود الصاوي، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر: بعد انقضاء الشهر الكريم من الخطأ أن يعود الإنسان إلى حياته الطبيعية التي ألفها وما فيها من مخالفات وتجاوزات فيخوض في الأعراض ويتتبع العورات، ويمتلئ قلبه بالحقد والحسد على الآخرين.

ويضيف: كل من تعامل مع الشهر الفضيل بشكل صحيح وصلى وصام وتصدق مخلصاً في عباداته، واستفاد من السنن والمستحبات والفضائل التي يزخر بها الشهر الكريم لا يعود إلى تجاوزاته السلوكية بعد رمضان، وكل من يفعل ذلك يؤكد أنه لم v شيئاً من العبادات والطاعات التي أداها كطقوس شكلية، من هنا فالذين يصلّون ويصومون ويزكّون ويحجّون ويعتمرون ويرتكبون التجاوزات السلوكية والأخلاقية لم يستفيدوا من عباداتهم، حيث أدوها كطقوس خالية من أهدافها الحقيقية.

وينصح د.الصاوي كل مسلم حريص على استمرار عطاء شهر رمضان معه ليوجه حياته إلى الأفضل بمداومة الحرص على العبادات التي حرص عليها في رمضان، ويقول: الصلاة مفروضة علي المسلم في رمضان وغير رمضان، والصوم موجود أيضاً بعد رمضان من خلال صوم النوافل الذي حثنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي يظل الإنسان مرتبطاً بعطاء الصوم طوال العام، وصوم النوافل الذي كان يحرص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كثير ومتنوع، والزكاة موجودة وملازمة للمسلم طوال شهور السنة حسب دورة أمواله التي تجب فيها الزكاة، والعمرة من القربات إلى الله في رمضان وغير رمضان، كما أن الحج يأتي عقب الانتهاء من الصوم بأسابيع قليلة لكي يتكامل عطاء الفريضتين.

عطاء أخلاقي

يؤكد د. محمد رجب مدير الفتوى بوزارة الأوقاف المصرية على ضرورة أن تستمر (هداية رمضان) مع الإنسان طوال العام، ويقول: الصوم الذي أداه المسلم إيماناً واحتساباً هو الذي يحقق هدفه ويأتي بثماره في حياة الإنسان، وهو الذي يبقى معه طوال العام، يهذب سلوكه، ويقوّم ما اعوّج من تصرفاته، ويصرفه عن كل سلوك معيب.. والصلاة التي حرص عليها الإنسان في رمضان مطلوبة منه وبنفس الحرص والخشوع طوال العام، والذين أطعموا الفقراء والمحتاجين في رمضان، عليهم أن يدركوا أن إطعام الطعام من أفضل القربات إلى الله في رمضان وفى غير رمضان.. لذلك لا ينبغي أن يفرط مسلم عاقل بسهولة في مكاسب رمضان..

ويتابع: على كل شبابنا أن يتجنبوا السلوكيات المعيبة وحياة المعصية والرزيلة، بعد رمضان، فقد أنعم الله على الإنسان بالعقل الذي يدرك به ما ينفعه وما يضره، فعليه أن يكون أميناً مع خالقه قبل أن يكون أميناً مع نفسه، وأن يكون لديه شعور بالمسؤولية فلا يصدر عنه من قول أو فعل إلا كل ما هو طيب، فالكلمة الطيبة يكسب بها الإنسان أجراً من الله تعالى إذا كانت صادقة نافعة مفيدة للآخرين، كما أن الكلمة الخبيثة التي تدعو إلى الباطل وتؤدي إلى الشر والفساد يعاقب عليها كما قال تعالى: «ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء».. والنبى صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً من رضوان الله يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4fpteawn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"