الإنصات إلى الشباب العربي

23:10 مساء
قراءة 4 دقائق

جهاد أزعور *
قد يكون من الصعب استرجاع حالة التفاؤل وسط تفاقم حالة انعدام اليقين والاضطرابات العالمية. وعكس استطلاع أصداء بي سي دبليو السنوي لرأي الشباب العربي 2022، الذي أجري بعد بضعة أشهر فقط من الحرب الروسية الأوكرانية وفي أعقاب جائحة (كوفيد-19)، توقعات اقتصادية متزايدة القتامة. وكانت أسعار السلع الأساسية سريعة الارتفاع واضطرابات سلاسل التوريد تغذي التضخم في مختلف أنحاء العالم. وتسببت أسعار المواد الغذائية المرتفعة في إجهاد الأسر المنخفضة الدخل وتقويض الأمن الغذائي في أجزاء عديدة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA).

ولم يكن هناك الكثير من التغيرات منذ ذلك الحين. وعلى الرغم من بعض التراجع منذ نهاية 2022، لا تزال ضغوط الأسعار مرتفعة على نحو عنيد؛ ومن المتوقع أن يبلغ معدل التضخم نحو 15% في العالم العربي. وقد واصَل عدد كبير من البنوك المركزية في المنطقة تشديد السياسة النقدية لمنع توقعات التضخم من الإفلات من مرساها. وقد يُفضي هذا، مقترناً باضطرابات الأسواق المالية العالمية وتفاقم حالة انعدام اليقين، إلى تقويض النشاط الاقتصادي في المستقبل المنظور.

وفي هذا السياق، ليس من المستغرب أن تكون تكاليف المعيشة ومعدلات البطالة متزايدة الارتفاع بين أكثر المخاوف إلحاحاً في نظر الشباب العرب. وغطى استطلاع عام 2022 خمس دول في مجلس التعاون الخليجي (البحرين، والكويت، وعُمان، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة)، وشمال إفريقيا (الجزائر، ومصر، وليبيا، والمغرب، والسودان، وتونس) ودول شرق المتوسط (الأردن، والعراق، ولبنان، وفلسطين، وسوريا، واليمن)، حيث تظل الفوارق الصارخة في الدخل والثروة قائمة.

وفي عامنا هذا، ذكر 41% من المشاركين أنهم يكافحون لتغطية نفقاتهم بالكامل، مقارنة مع 37% في عام 2021. وهذه النسبة أعلى بكثير في دول شرق المتوسط، حيث كان 63% من الشباب المشاركين في الاستطلاع عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية الأساسية.

علاوة على ذلك، أوضح استطلاع الرأي هذا العام كيف تسببت مخاوف الشباب العرب بشأن التعليم والبطالة في إضعاف آمالهم المستقبلية. وأعرب نحو 83% من المشاركين عن قلقهم بشأن جودة التعليم في بلادهم. وفي حين قال 15% فقط من السكان الشباب في دول مجلس التعاون الخليجي إنهم قد يواجهون صعوبة في البحث عن عمل، فإن هذه النسبة كانت 55% في شمال إفريقيا و73% في دول شرق المتوسط.

وكانت النتيجة الأكثر تشجيعاً هي الاهتمام المتزايد بريادة الأعمال. فقد أعرب عدد أكبر من الشباب العرب عن رغبتهم في بدء عمل تجاري والعمل بشكل مستقل، بينما يبدو أن جاذبية الوظائف الحكومية التقليدية بدأت تتضاءل في البلدان العربية (ربما باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي). وسيساعد هذا التحول في دفع الدينامية الاقتصادية وتعزيز النمو، وهذا قد يترجَم إلى مزيد من الفرص لأجيال المستقبل.

وفي ضوء هذه النتائج، ينبغي لصناع السياسات التركيز على معالجة أزمة تكاليف المعيشة وتوليد فرص عمل أكثر وأفضل. وتتطلب حماية الأسر من ارتفاع الأسعار اتخاذ تدابير موجهة، مثل التحويلات النقدية المؤقتة إلى الشرائح الأكثر حاجة بين السكان، وإن كان من واجب الحكومات أن تقاوم جاذبية إعادة تقديم أو توسيع نطاق إعانات الدعم والقيود التجارية. ومن ناحية أخرى، تشير الآراء في استطلاع الرأي إلى نهج ذي شقين في معالجة نقص الوظائف: مكافحة الفساد والمحسوبيات وإصلاح نظام التعليم. وكل من الأمرين يُلزِم صناع السياسات بتنفيذ إصلاحات طويلة الأجل.

وعلى الرغم من أهمية مساعدة الشباب على اكتساب مهارات جاذبة لأصحاب العمل الحاليين والمحتملين في المستقبل، ينبغي للحكومات أن تعمل أيضاً على دعم ريادة الأعمال للشباب العرب الراغبين في بدء وتنمية أعمالهم. وإضافة إلى تقديم مزيد من التدريب، فإن هذا يعني إزالة الحواجز التي تحول دون دخول السوق، وزيادة الشفافية في توفير السلع والخدمات العامة، وتعزيز القدرة على الوصول إلى الائتمان.

ومؤخراً، سلّطَ صندوق النقد الدولي، الضوء على أهمية تكثيف جهود التحول الرقمي والاستثمار في التقنيات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهذا من شأنه أن يُعين الشباب والشابات على الاستفادة الكاملة من الفرص المرتبطة بالعمل عن بُعد، والتعلم عبر الإنترنت، والتمويل الرقمي، والتجارة الإلكترونية. وفي ذات الوقت، سيعمل التحول الرقمي على تحسين القدرة على الوصول إلى خدمات الحماية الاجتماعية وتوفيرها.

وأخيراً، تؤكد نتائج استطلاع الرأي، التهديد الذي يفرضه تغير المناخ. ويعتمد العالم العربي بشدة على الواردات الغذائية، ما يجعل الإمدادات والأسعار تتأثر بظروف الطقس القاسية في أجزاء أخرى من العالم. ويتعين على صناع السياسات اتخاذ تدابير حاسمة لضمان الأمن الغذائي، مثل الاستثمار في البنية الأساسية المُقاوِمة للمناخ، واستخدام المياه بقدر أكبر من الكفاءة، وتحسين إدارة المخزون من المواد الغذائية وسلاسل التوريد على المستوى الوطني. ومن الممكن أيضاً أن تساعد زيادة الاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة على توفير مزايا نسبية (عن طرق خفض الانبعاثات الناتجة عن الصادرات الصناعية)، ودفع عجلة تنويع اقتصادات المنطقة، وخلق فرص العمل.

والواقع أن صندوق النقد الدولي ملتزم بدعم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال التمويل، حيث خصص فعلياً 53.8 مليار دولار للبلدان العربية منذ بداية الجائحة، إلى جانب المساعدة على تنمية القدرات وتقديم المشورة بشأن السياسات. ويعمل صندوق النقد الدولي أيضاً على تعزيز مجموعة أدوات الإقراض لديه بغرض مساعدة البلدان على التعامل بشكل أفضل مع الأزمات والتحديات الجديدة.

وللمساعدة على التصدي لأزمة الغذاء الملحة التي تواجه أغلب البلدان الأعضاء الأكثر ضعفاً، قدم صندوق النقد الدولي نافذة إقراض لعام واحد، والتي استفادت منها حتى إبريل 2023 ستة بلدان بإجمالي قدره 1.9 مليار دولار. ويستكمل هذه الخطوة صندوق المرونة والاستدامة الائتماني الجديد، الذي يدعم البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في التصدي للتحديات طويلة الأمد، بما في ذلك تغير المناخ والجوائح المستقبلية.

وعلى الرغم من الصورة الإيجابية المستمدة من النسخة الأخيرة لاستطلاع رأي الشباب العربي، حيث أعرب كثيرون عن اقتناعهم بأن أيامهم القادمة ستكون أفضل، فإنه يشير أيضاً إلى صراع متزايد بين التفاؤل والتشاؤم، خاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي.

* وزير المالية اللبناني الأسبق، ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي (بروجيكت سنديكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/38ppuzr4

عن الكاتب

وزير المالية اللبناني الأسبق، ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"