عادي

«الأوتار الفائقة».. نظرية تفسر الكون بأناقة

21:32 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

أصدر برايان غرين كتابه «الكون الأنيق.. الأوتار الفائقة، والأبعاد الدفينة، والبحث عن النظرية النهائية»، ترجمه إلى العربية د. فتح الله الشيخ، ويعرض فيه أحدث النظريات في الفيزياء وعلم الكون، في لغة أدبية رفيعة، خصوصاً أن مؤلف الكتاب أحد العلماء الذين شاركوا في إبداع هذه النظريات.

هذا الكتاب مميز في عدة أمور: الأمر الأول أنه يعرض آخر ما توصلت إليه علوم الفيزياء والكون وأحدث أخبار علمائها، والأمر الثاني أنه مكتوب بلغة رصينة وأدبية رفيعة وبأسلوب سلس، والأمر الثالث هو أن المؤلف يخاطب في الكتاب كل الناس (طلاباً وعلماء ومثقفين وعاديين).

يوضح الكتاب أن علماء الفيزياء ظلوا لأكثر من نصف قرن على دراية بأن هناك سحباً داكنة تلوح في الأفق البعيد، حتى وهم في أوج الاكتشافات العلمية العظمى في التاريخ، كانت المشكلة تتمثل في أن الفيزياء الحديثة تقوم على ركيزتين أساسيتين: الأولى هي النظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين، وهي تمنحنا الإطار النظري لفهم العالم في أبعاده الكبرى: النجوم والمجرات وتجمعات المجرات، وحتى ما وراء المدى البعيد للكون نفسه.

أما الركيزة الثانية فهي ميكانيكا الكم وهي التي تزودنا بالإطار النظري لفهم العالم في أصغر أبعاده: الجزيئات والذرات وحتى الدقائق تحت الذرية مثل الإلكترونات، وفي نهاية المطاف أيقن علماء الفيزياء وعلى مدى سنوات عديدة من البحث، صحة كل التنبؤات التي بشرت بها كل من هاتين النظريتين.

  • أساس التقدم

غير أن نفس الوسائل النظرية أدت إلى نتيجة غير مريحة، وتبعا للصياغة الحالية لنظرية النسبية العامة ونظرية ميكانيكا الكم، فإن إحداهما تنفي الأخرى، بحيث لابد أن تكون واحدة منهما فقط على صواب، وهكذا فإن النظريتين اللتين تشكلان أساس التقدم الهائل في الفيزياء خلال المئة عام الماضية، التقدم الذي فسر تمدد السماوات من جهة، وفسر البنية الأساسية للمادة من جهة أخرى غير متوافقتين.

يشير المؤلف إلى أن الفيزيائيين في معظم الحالات يقومون إما بدراسة الأشياء الصغيرة (مثل الذرات ومكوناتها) أو دراسة الأشياء الكبيرة الثقيلة (مثل النجوم والمجرات) وليس الأمران معا، ومعنى ذلك أنهم يحتاجون لاستخدام نظرية ميكانيكا الكم فقط، أو النظرية النسبية فقط، وهم في ذلك يتجاهلون التحذيرات، التي تطلقها النظرية الأخرى، وعلى مدى خمسين سنة لم يكن هذا الاتجاه مصدر اطمئنان من ناحية، ولا محل إهمال من ناحية أخرى، لكنه ظل ماثلاً أمام علماء الفيزياء طول الوقت.

يوضح المؤلف أنه في أعماق الثقوب السوداء تنسحق أية كتلة هائلة لتتحول إلى حجم متناهي الصغر، كان الكمون لحظة الانفجار الهائل قد تفجر عن كتلة ميكروسكوبية إذا ما قورنت بحبة رمل لبدت حبة الرمل عظيمة الحجم، وهذه العوالم دقيقة لكنها فائقة الكتلة، الأمر الذي يتطلب تطبيق كل من نظريتي ميكانيكا الكم والنسبية العامة في آن واحد.

ترى هل من الممكن أن يكون العالم منقسماً في عمق مستوياته الأساسية بحيث يتطلب مجموعة من القوانين عند التعامل مع الأشياء الكبرى ومجموعة أخرى مختلفة وغير متوافقة مع الأولى عند التعامل مع الأشياء الصغرى؟ تتصدى نظرية «الأوتار الفائقة» للإجابة عن ذلك وهي النظرية التي ظهرت حديثا، وتأتي إجابتها مدوية: لا.

يوضح الكتاب أن أينشتاين ظل خلال الثلاثين سنة الأخيرة من حياته، يبحث عما يطلق عليه نظرية المجال الموحد، نظرية قادرة على وصف قوى الطبيعة في إطار شامل مترابط، لم يكن أينشتاين مدفوعاً بأشياء ترتبط غالباً بالمسلك العلمي، مثل محاولة تفسير هذه أو تلك من البيانات التجريبية، لكنه كان مدفوعاً باعتقاد حماسي في أن الفهم العميق للكون قد يكشف عن أكثر عجائبه مصداقية: بساطة ومقدرة المبادئ التي تأسس عليها.

  • حلم منقوص

أراد أينشتاين أن يلقي الضوء على أحداث الكون بوضوح لم يصل إليه أحد من قبل، ما يجعلنا نقف خاشعين أمام روعة وأناقة الكون، لكنه لم يتوصل أبداً إلى حلمه، لأن في أيامه كان كثير من الأمور يقف حجر عثرة في سبيل ذلك، كان هناك عدد من السمات الأساسية للمادة، وقوى الطبيعة، إما غير معروفة أو في أحسن الظروف مفهومة بقدر ضئيل، لكن الفيزيائيين خلال نصف القرن الأخير مروا بعثرات ونجاحات ودخلوا طرقا معتمة في بعض الأحيان، وظلوا يشيدون بثبات بناء على اكتشافات من سبقوهم، ليجمعوا معا فهما أكثر عمقا عن كيفية عمل الكون.

والآن بعد فترة طويلة منذ أن تساءل أينشتاين عن نظرية موحدة، وخرج من ذلك خاوي الوفاض، فإن الفيزيائيين يعتقدون أنهم توصلوا أخيراً إلى إطار ينسج كل هذه الأفكار مع بعضها في ثوب متناغم لنظرية متفردة، هي في الأصل قادرة على وصف كل الظواهر الفيزيائية، تلك هي نظرية «الأوتار الفائقة» موضوع هذا الكتاب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5489hana

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"