عادي
دافنشي.. أسطورة الفن الإيطالي

أسرار ورموز في «سيدة مع القاقوم»

00:20 صباحا
قراءة 4 دقائق
ليوناردو دا فينتشي

الشارقة: علاء الدين محمود

الرسام الإيطالي، ليوناردو دا فينتشي، «1452 1519»، هو من أكبر النجوم التي لمعت في سماء الفنون العالمية، ومازال اسمه يتردد بين عشاق الفن كأسطورة نادرة لن تتكرر، وإلى جانب كونه فناناً فهو أيضاً مخترع وعالم ونحات وأديب ومعماري وموسيقي ومهندس، إذاً هو شخصية موسوعية، عاشت في فترة ساد فيها الاهتمام بالأدب والفنون، وهو عصر النهضة، ويعد أعظم رسام في التاريخ.

ولد دا فينشي في إقليم توسكانا، وهي بلدةٌ في جمهورية فلورنسا آنذاك، وتلقَّى ليوناردو تعليمه في مرسم فنَّانٍ إيطالي ذائع الشهرة آنذاك، وهو أندريا دل فروكيو، وانتقل فيما بعد إلى مدينة ميلان فأمضى فيها جُلَّ شبابه بخدمة الدوق لودوفيكو سفورزا، ثُمَّ انتقل منها إلى روما وبولونيا والبندقية، وعاشَ الأعوام الثلاثة الأخيرة في حياته بفرنسا.

لئن ارتبط اسم دافينشي دائما بلوحة «الموناليزا»، تلك الدرة العظيمة، فإن للرجل الكثير من الرسومات العظيمة الأخرى التي وجدت قبولاً وتركت أثراً لا يقل عن «الموناليزا» في الأوساط الفنية والشعبية ومنها لوحة «سيدة مع قاقوم»، التي رسمها الفنان في الأعوام «1489 1490»، وتعد من أجمل رسوماته بل من روائع الفن العالمي، وفيها تتضح أسلوبية وطريقة دا فينشي الذي دائماً ما يميل إلى تحشيد اللوحة بعوالم من السحر والغموض والأسرار، كما تحمل أيضاً رمزيات تم تفكيكها وحلّها بعد سنوات، ولعل ذلك الأمر من ضمن الأساليب التي جعلت دافينشي على الدوام حاضراً وراسخاً في قلوب وعقول مجتمعات الفنون وعشاق أعماله الفنية، حيث أشار خبراء الفنون إلى أن «سيدة مع قاقوم»، لوحة مملوءة بالمعاني والرموز والغموض أيضاً، كما أنها تشبه «الموناليزا» في كيفية تصويرها لسحر المرأة بطريقة أنيقة، حيث اعتبرت هذه اللوحة العظيمة واحدة من كنوز بولندا القومية.

وتظهر في مشهد اللوحة شخصية اجتماعية وثقافية معروفة في ذلك الوقت، وهي سيسيليا غالراني، وهي حبيبة لودفيجو سفورزا، الذي كان يحتل منصب دوق إيطاليا حينها، حيث كان دا فينشي يعمل في ذاك الوقت تحت خدمة هذا الدوق، ودائماً ما يشار إلى أن هذه اللوحة هي ضمن أربع أعمال فنية رسمها الفنان لنساء، فإلى جانب «سيدة مع قاقوم»، هنالك: «الموناليزا»، و«جينيفرا ديبنشي»، و«فيرونيكا الجميلة».

حكاية

اللوحة هي بمثابة رواية لقصة الفتاة التي تظهر فيها، حيث كانت غالراني أحد أفراد عائلة كبيرة، ولم تكن أسرتها تنتمي إلى طبقة النبلاء، أو الأغنياء، وكان والدها قد خدم فترة في بلاط الدوق، وعندما رسمت لها هذه اللوحة، كانت سيسيليا في نحو السادسة عشرة من عمرها، وكانت مشتهرة بكونها شديدة الجمال، وعلى قدر كبير من الثقافة، وقد تزوجت في سن مبكرة من نبيل شاب من عائلة تدعى«فيسكونت»، لكنها رفعت دعوى إلغاءٍ للزواج عام 1487 لأسباب غير معلنة وتمت الموافقة على طلبها، لتصبح حبيبة ومقربة من الدوق لودفيجو سفورزا عام 1491.

وصف
رسمت هذه اللوحة بألوان الزيت على لوح خشبي، وتظهر فيها سيسيليا بنصف استدارة، مع ميلان لوجهها نحو اليسار، حيث إن نظرتها لا تبدو مباشرة نحو المشاهد، بل نحو جهة خارج نطاق الصورة، وهي ترتدي فستاناً بسيطاً متداخل الألوان بين الأحمر والأزرق، ودرجات أخرى، مع عقد يجول على الرقبة، فيما يبدو شعرها ناعماً، وضفيرة طويلة في الظهر، ويبدو أن الشعر مثبت بواسطة حجاب ناعم من الشاش مع أطرافٍ منسوجة بخيوط الذهب، وشريط أسود، وغطاء فوق الضفيرة، ولعل الفستان المتواضع يحمل إشارة على أن المرأة ليست من الطبقة النبيلة، غير أن اللوحة بصورة عامة هي بمثابة تكوين فائق الجمال، ويشهد على براعة فنان قادر على صناعة موقف قوي يرسخ في ذهن المشاهد فلا يفارقه، وقد أشار النقاد ومؤرخو الفنون إلى أن هذا العمل، على وجه الخصوص، يظهر خبرة ليوناردو في رسم الشكل البشري، حيث رسمت يد سيسيليا الممدودة بتفاصيل رائعة، مع كل منحنى لكل ظفر، وكل تجعد حول مفاصلها، وحتى ثنية الوتر في إصبعها المنحني.

تظهر السيدة في اللوحة وهي تحمل حيوان القاقم أو القاقوم، وهو يتبع لجنس ابن عرس؛ أي من فصيلة العرسيات، وهو من أصغر الحيوانات اللاحمة، فهو شرس وعدواني، على الرغم من لطف وجمال منظره، فهو يبدل فراءه في فصلي الصيف والشتاء، حيث تميل إلى اللون البني في الصيف، أما في الشتاء فيكون لونه أبيض، والحقيقة أن وجود هذا الحيوان في اللوحة وضع العديد من الأسئلة والاستفهامات، وقد أشار النقاد إلى أن هناك عدة تأويلات، حيث كان هذا الحيوان يرمز للنقاء في التصورات القديمة، حيث كان يعتقد أنه يفضل الموت على أن تفسد التربة كساءه الأبيض، وقد ألف ليوناردو كتاباً عن الحيوان أوضح فيه أنه يتميز بالاعتدال والنقاء، وقد لفت النقاد إلى أن ربط الفتاة سيسيليا، بهذا الحيوان في اللوحة، يرمز إلى نقائها.

خلال السنوات الماضية وجدت اللوحة اهتماماً أكبر بسبب الأبحاث التي أجريت عليها، فباستخدام التقنيات الحديثة استطاع العلماء إماطة اللثام عن لغزِ في تلك اللوحة، إذ كان يُعتقد حتى يومنا هذا أن اللوحة التي عمرها 500 عام قد رُسمت مرة واحدة وكانت تحتوي على حيوان القاقوم منذ بداية رسمها، لكن اتضح أن دافينشي رسم اللوحة على ثلاث مراحل مختلفة اختلافاً جليًاً، إذ رسم أولاً لوحة بسيطة للسيدة بدون القاقوم، ثم رسم الحيوان ولكن بفراء رمادي، وفي المرحلة الأخيرة غيَّر فراء القاقم من اللون الرمادي إلى الأبيض، أثار هذا الاكتشافُ الجديدُ الكثيرَ من النظريات حيث كان دوق ميلانو في الأصل يطلق عليه لقب«القاقوم الأبيض»، فرجَّح النقاد أن دافينشي أقحم هذا الحيوان في اللوحة ليرمز إلى عشيق سيسيليا، وأنه حسَّن شكل فرو القاقوم وبِنْيَتَهُ الجسدية تملُّقاً للدوق.

بل وافترض النقاد أن سيسيليا هي من طلبت من دافينشي أن يضيف القاقوم إلى اللوحة، حتى يصير البلاط في ميلانو على دراية تامة بعَلاقتها بالدوق الذي كان متزوجاً، كما سَلَّط هذا الاكتشاف الضوءَ على طريقة تفكير دافينشي عند رسم لوحاته، وقد عُثر على بصمات أصابع الرسام على سطح اللوحة، ما يشير إلى أنه استخدم أصابعه لدمج ضربات فرشاته الدقيقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ankex5m

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"