عادي

الأدب علم المستقبل

16:43 مساء
قراءة دقيقتين
باسمة يونس

د. باسمة يونس
ألن يكون تعليم الطلاب في المدارس أفضل إن اعتمد على الحقائق التجريبية والذاتية من خلال الأدب؟ ألم ندرك بعد ما للأدب من أثر تعليمي يفوق المعرفة العلمية المجردة في الكتاب المدرسي ما دامت الحياة هي المادة الخام التي يولد منها الأدب، ومفتاحاً لفهم الناس والمجتمع والحياة، وتعمقاً في الطبيعة البشرية لا يمكن الحصول عليه من دراسات علم النفس أو حتى من قراءة كتب في مجال التاريخ والسير؟

أليس الأدب بما يحمله من رؤى في التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة قادراً على حث أفكار الطلاب ورغبتهم في التوصل لمعرفة نتائج المواقف والقضايا التي يعيشونها؟

ألم ينجح تصوير الكاتب للشخصيات المختلفة في تقديم مزيج فريد من الخصائص المختلفة للبشر وما يحدث عند اندماج طبقات مختلفة في المجتمع ودور الفرد المتطور في قيادة التغييرات بشخصيته القوية؟ ألم ينعكس تأثير شخصياته من رجال ونساء بخصائص حقيقية في تحديد ردود أفعال وحياة القراء من حوله تجاه الأحداث؟

إن الأدب الذي يسلينا يعلمنا أكثر عن الماضي، ويساعدنا على فهم الحاضر، ويمكننا من خلق المستقبل لتعزيز إنجازاتنا ولاكتشاف المزيد عن الحياة التي تولد الخيال الإبداعي للكتاب، ويمكن أن تكون أكثر صدقاً من الحياة الحقيقية بالتعمق في استخلاص المفاهيم التي تغيب عن الإنسان في الواقع.

والأدب المتخيل يقدّم للقارئ رؤى دقيقة في الشخصية البشرية، ويكشف الطرق المعقدة التي ترتبط بها الشخصية البشرية مع الظروف لتوليد سلاسل من العواقب والنتائج، وما يحدث في المجتمع ويذهب إلى أبعد من ذلك بالكشف عن طبيعة الحياة برسالة أكثر دقة وتفصيلاً وقوة.

وعلى الرغم من أن معظم نهايات الروايات خرافية، فإنها لا تتجاهل الأحداث التاريخية، بل تقدّم رؤى ثاقبة في علم النفس البشري، وتكشف الحقائق العظيمة التي تحرك المجتمع والحياة وما وراء أحداث المصادفات، فالكاتب لا يخلق شيئاً غير حقيقي في الحياة، بل يعكس بوعيه أو لاشعورياً الحقائق وأحداث المجتمع، ولا يصف في الخيال أو حتى الخيال العلمي شيئاً لم تمسّه اتجاهات وقيم المجتمع الحالية أو المتعلقة بفترةٍ ما في التاريخ.

ويقدّم الأدب الحقيقي معرفة بديهية عن الطبيعة البشرية التي نادراً ما توجد في الكتب المدرسية، فإذا كان من الممكن تعلمها من الروايات فلِمَ لا تصبح قراءتها وتحليلها ونقدها تعليماً ينتقل بطلابنا من الاعتماد على العلوم التي تعيدهم دائماً إلى الماضي إلى العلم الذي يأخذهم نحو المستقبل لتحديد الحاضر، وقد أصبح من المعترف به الآن أن المستقبل يمكنه تشكيل وتحديد الحاضر؟

إن الأدب الجيد لديه نظرة عميقة وناضجة للطبيعة البشرية وتعقيدات الشخصية، متجاوزاً سطحية معظم النظريات النفسية السائدة، ويجعل تجربة الطالب حقيقية وملموسة، ووسيلة لتجاوز حدود العلم المادي البحت، لتعليم الطالب كيف يكتشف حقيقة الحياة ويفهمها جيداً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4vf4sa3y

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"