عادي
كتاب جديد لحاكم الشارقة

سلطان يضيء على «تاريخ الملوك النبهانيين»

19:08 مساء
قراءة 8 دقائق
حاكم الشارقة

الشارقة: علاء الدين محمود

في كل مؤلفاته ذات الطابع التاريخي، في جميع المجالات التي طرقها، دائماً ما يعمل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمّد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على إجلاء الحقائق، وتقديم البراهين الساطعة على صحة الوقائع التاريخية التي يتناولها، والتي غالباً ما تأتي مصحّحة لكثير من الروايات والسرديات، وهو بذلك الفعل يمارس فعل الاكتشاف وتسليط الضوء على الكثير من المناطق المظلمة وغير المكتشفة في التاريخ العربي والإسلامي بل والإنساني على وجه العموم.

في كتاب «تاريخ الملوك النبهانيين في عُمان 1154 1622»، الصادر في طبعته الأولى عام 2023، عن «منشورات القاسمي»، يقدم سموه أطروحة جديدة ومختلفة حول حقبة تاريخية مهمة في منطقة الخليج العربي وتحديداً عُمان، حيث استطاع أن يلتقط ما سقط من يد المؤرخين، ويصحح الأخطاء التي وقعوا فيها، وتشير مقدمة الكتاب، إلى أن هذا الكتاب يروي جزءاً من تاريخ عمان خلال 500 سنة، وهو نفسه تاريخ النبهانيين من ملوك وسلاطين، إذ إن الباحثين ما استطاعوا أن يكتبوا ذلك التاريخ كتابة محققة؛ وذلك لقلة المصادر العلمية، واعتمدوا على ما نقله الرواة من غثٍ في الكلام، واتهامات باطلة، نالت من سيرة النبهانيين الكرام.

ويعتمد الكتاب على مجموعة من المراجع والمخطوطات النادرة، وجميعها من مقتنيات المؤلف في «دارة الدكتور سلطان القاسمي»، و«منشورات القاسمي» في الشارقة، ويضاف إلى تلك المخطوطات، عدد من الوثائق البرتقالية الهائلة، والتي كانت معاصرة للأحداث التي جرت في عُمان، ويقول صاحب السمو حاكم الشارقة: «إن هذا الكتاب هو الجزء الثاني من الموسوعة التي أطلقت عليها: سلطان التواريخ، فأرجو أن أكون قد أسهمت في جهد من واجبنا في خدمة تاريخ عُمان».

الصورة
1
  • تصحيح مسار

ولعل القارئ يلاحظ أن الكتاب يخدم عدداً من الأغراض بطريقة علمية موثقة، منها خدمة التاريخ العماني والذي هو جزء شديد الأهمية من ماضي وتاريخ منطقة الخليج والعالم العربي، وكذلك يهدف المؤلف إلى تصويب أخطاء المؤرخين التي وردت في الكثير من المؤلفات، إضافة إلى رد الاعتبار إلى تاريخ النبهانيين وما نالهم من تجنٍّ شكّل تصورات رسخت في أذهان الكثيرين بفعل تلك الكتابات غير المحققة، وهو جهد كبير وضخم استعان فيه صاحب السمو حاكم الشارقة، بالمراجع والمخطوطات النادرة واللازمة لتصحيح الوقائع التاريخية وتصويبها والتقاط ما سقط منها، كما ينشد الكتاب العبرة والاعتبار في تلك الأحداث التي جرت من أجل أن تعم فوائد دروسها المتعددة والمتنوعة.

الصورة
2

الكتاب يقع في 275 صفحة، لم يترك فيها شاردة أو واردة من أخبار وتاريخ النبهانيين إلا وضمّها وحققها ومارس معها فعل التحليل وإبداء الملاحظات، ويحتوي الكتاب، إضافة إلى المقدمة على ثلاثة أقسام، جاء الأول بعنوان «النبهانيون الأوائل»، فيما احتوى الثاني على فصلين، الأول بعنوان «حكم الإمام محمد بن إسماعيل اليحمد في نزوى، والملك مسعود بن حمير بن سعيد النبهاني في سمائل»، بينما حمل الفصل الثاني عنوان «حكم الإمام بركات بن محمد بن إسماعيل اليحمد في نزوى، والملك عمير بن حمير بن سعيد النبهاني في سمائل»، وجاء القسم الثالث تحت عنوان «صراع السلاطين النبهانيين وزوال الملك»، كما يضم الكتاب ملاحق تضم المخطوطات النادرة والوثائق مع صور لها، إضافة إلى هوامش للفصول، وفهرس للأعلام والبلدان والأماكن.

  • تأسيس الدولة

في القسم الأول يستعرض صاحب السمو حاكم الشارقة ويتابع حكاية النبهانيين الأوائل وبداية تأسيس الدولة، ففي نهاية حكم الأئمة المعيّنين بعمان، خرج فلاح بن المحسن النبهاني بقريات سنة 549ه، الموافق عام 1154م، ضد الإمام أبي جابر بن موسى الكندي بنزوى، وجرت حروب ويعتبر الملك فلاح بن المحسن هو مؤسس دولة بني نبهان، وقد استمر حكم الأئمة المعينين في نزوى في قريات، فمنهم: الإمام محمد بن خنبش، ومات سنة 1161م، وقبره عند فلج الغنتق، عند جبل ذي الجنود، وأصيب أهل عُمان بموته ما لم يصابوا بأحد من قبله، حيث لم يجد العمانيون من يعقدوا له بالإمامة، لاختلاف الرأي بين الطوائف، وفي تلك الفترة، خرج محمد بن عمر بن نبهان، ومعه أخواه نبهان وأحمد، واستولوا على السلطة في جميع الولايات العمانية، وتلقب محمد بن عمر بن نبهان بالملك، وتوحدت عُمان على يده، ومن بعده أخواه الملك نبهان بن عمر بن نبهان، ويليه الملك أحمد بن عمر بن نبهان، وقد اتصف الملوك الثلاثة بالشجاعة فكانوا أشجع الرجال، وكانوا من الماضين في حوائج الناس.

الصورة
2

ويشير الكتاب إلى أن عُمان قد حكمت من بعد هؤلاء الملوك النبهانيين الثلاثة، بواسطة أبناء عمر بن نبهان، ومنهم الملك علي أبو القاسم بن عمر بن محمد بن عمر سنة 1213م، ومن بعده جاء حكم الملك نبهان بن عمر بن محمد بن عمر سنة 1242م، وقد أعقب الملك نبهان بن عمر ثلاثة أبناء وهم: كهلان وعمر وسليمان، وكان كهلان أكبرهم فاعتلى الملك.

ويورد الكتاب خبر خروج أحد أمراء هرمز ويدعى محمود بن محمد الكوشي سنة 1261م، إلى قرية قلهات على الساحل الشرقي لعمان، وكان المتولي على عمان والمالك لها في ذلك الحين، الملك أبو المعالي كهلان بن نبهان بن عمر وأخوه عمر بن نبهان بن عمر، حيث كان محمود بن محمد الكوشي مكلفاً باحتلال عُمان وضمها لمملكة هرمز، وعندما نزل بقلهات، طلب وصول أبي المعالي الملك كهلان بن نبهان بن عمر إليه، فلما حضر طلب منه المنافع من أهل عمان وخراجها، فاعتذر الملك كهلان، وقال إنه لا يملك من عمان إلا بلدة، فطلب منه محمود الكوشي، أن يأخذ من العسكر ما يشاء لمواجهة من يخالفه من أهل عمان، إلا أن الملك كهلان قال له إن أهل عمان ضعفاء، لا يقدرون على تسليم الخراج، وكان ذلك حمية منه على أهل عمان، وبسبب ذلك الموقف حقد محمود الكوشي على الملك كهلان، وأضمر له المكيدة، حيث قام الكوشي باستدعاء أمراء البلدان من عمان، وكساهم وأعطاهم مبالغ كثيرة، فوعدوه بالنصر على أهل عمان والخروج معه.

الصورة
2

ويتابع الكتاب بسرد مشوّق ممتع خبر محمود الكوشي، الذي ارتحل من قلهات إلى ظفار عن طريق البحر، وقام بقتل الكثير من أهل ظفار واستولى على مال وفير، فلما رجع قاصداً عُمان، أخذ طريق البحر، في ما قام بتحميل ثقله في المراكب في البحر، ولما صار الكوشي على طريق البر نقص عليه وعلى جيشه الزاد، وأصابهم الجوع والعطش، وقيل إنه قد مات من عسكره خمسة آلاف رجل، وقيل أكثر، بينما كانت وفاة الكوشي نفسه في سنة 1272، واعتلى عرش هرمز الملك سيف الدين نصرت سنة 671ه.

ويستمر صاحب السمو حاكم الشارقة في سرد حكاية النبهانيين بعد وفاة الملك كهلان واستمرار حكمهم، مركزاً على أهم المنعطفات فيه، حيث أعقب كهلان في الملك عمر بن نبهان بن عمر بن محمد، والذي واجه هو الآخر الكثير من التحديات والصعاب والحروب إلى أن مات ليخلفه ابنه كهلان بن عمر بن نبهان سنة 1276، والذي جوبه كذلك بحركات رافضة لحكم النبهانيين، وأعقبه في الحكم ابنه مظفر بن سليمان بن نبهان، والذي كان ملكاً قوياً، حيث أرسل أصحابه إلى بتا في الساحل الشرقي لإفريقيا فملك أرضها، كما استولى على مقديشو ومرقة وبراوة من غير حرب.

  • ابن بطوطة

ويعرّج الكتاب على حدث مهم في ذلك الوقت، وهو زيارة محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة، لملك عُمان في سنة 1331، وكان الملك حينها هو أبا محمد بن نبهان، وذكر ابن بطوطة: «إن عادة الملك أن يجلس خارج باب داره في مجلس هنالك، ولا حاجب له ولا وزير، ولا يمنع أحداً من الدخول إليه من غريب أو غيره، ويكرم الضيف على عادة العرب، ويعين له الضيافة، ويعطيه على قدره»، كما زار ابن بطوطة في ذلك الوقت مدن الساحل العماني، وقال عنها: «ومن مدن عمان مدينة إزكي، لم أدخلها، وهي على ما ذكر لي مدينة عظيمة،.... وكلها ذات أنهار وحدائق وأشجار ونخل، وأكثر هذه البلاد في عمالة هرمز».

وفي الفترة ما بين 1560م 1561م، كانت هناك أربع قوى تحكم عمان، وهي: السلطان سلطان بن المحسن بن سليمان النبهاني في نزوى، والأمير عمر بن حمير بن حافظ النبهاني، الذي أعقب أخاه حافظ في الحكم على سمائل، والإمام عبد الله بن محمد القرن الهنائي في بهلا، بينما كانت مدن السواحل العمانية بيد البرتغاليين والهرامزة.

الصورة
1

ويشير صاحب السمو حاكم الشارقة إلى مرحلة نقل السلطان سلطان بن المحسن بن سليمان النبهاني عاصمته إلى مدينة بهلا، حيث سيطر على معظم المناطق الغربية من عمان وسمي بالسلطان الأعظم، ويورد الكتاب تعريفاً به فهو أحد أحفاد الملك فلاح بن المحسن بن نبهان، المؤسس لدولة بني نبهان، وهو من فرع بني المحسن، أمّا أبناء عمهم وهم الملوك النبهانيون؛ فهم فرع بني عمر، ويفرق المؤلف بين الفرعين، ويروى صراعات بن نبهان إلى لحظة زوال ملكهم.

  • تطواف

يقدم صاحب السمو حاكم الشارقة الكثير من المعلومات حول تلك الفترة من تاريخ عمان، وكذلك تلك المتعلقة بدول الجوار والإقليم ليضعنا أمام الأحوال والظروف السائدة في تلك الفترة، حيث يقص حكاية مملكة هرمز وكيف تكونت وأهم ملوكها وأثرها على ما يجري في عمان والمنطقة بصورة عامة، ويتناول سموه ذلك التداخل الكبير في المصالح، كما يقدم تجوالاً حول مدن عمان في ذلك الوقت وزيارة ابن بطوطة، ويقوم برصد المعالم المهمة والعادات التي سادت، ويصف الأماكن والمدن، وكذلك يتضمن الكتاب وصفاً وتحليلاً محيطاً لمرحلة العدوان البرتغالي على عمان، والمقاومة والبسالة التي وجدها، وكذلك فإن اللافت هو إفراد الكتاب لمساحات يتحدث فيها عن تلك المدن التاريخية في عمان ودورها في ذلك الوقت، كما يقف الكتاب خلال حديثه عند أية شخصية أو واقعة ليقدم تعريفاً بها من أجل ربط القارئ بالأحداث وتسلسلها.

مقدمة الكتاب
يروي هذا الكتاب جزءاً من تاريخ عُمان على مدى خمسمئة سنة، وهو نفسه تاريخ النبهانيين من ملوك وسلاطين، فلم يستطع الباحثون أن يكتبوا ذلك التاريخ كتابة محقّقة، لقلة المصادر العلمية، واعتمدوا على ما نقله الرواة من غثٍّ في الكلام، واتهامات باطلة، نالت من سيرة النبهانيين الكرام.
لقد وفّقني الله أن اقتني وثائق نادرة عن تاريخ عُمان، ومن بينها تاريخ النبهانيين وهي:
1- السّير العمانية، المؤلف مجهول، مخطوط، تاريخ النسخ 1131هـ / 1719م، نسخة فريدة، المكتبة العلمية، مخطوط رقم: 1082، جامعة لافيف، أوكرانيا.
2- تاريخ عُمان، المؤلف مجهول، مخطوط، 1154هـ، المكتبة البريطانية، مخطوط رقم: 6568، لندن، المملكة المتحدة.
3- الفتح المبين المبرهن سيرة السادة البوسعيديين، سليل بن رزيق، مخطوط، جامعة كامبريدج، مخطوط رقم: 2892، كامبريدج، المملكة المتحدة.
4- كوكب الدرية لأخبار إفريقية، الشيخ فاضل بن عمر بن فاضل البوري، المتوفى 1332هـ / 1913م، مخطوط.
5- ديوان موسى بن حسين بن شوال، مخطوط، المكتبة الوطنية الفرنسية، مخطوط رقم:4184، باريس، فرنسا.
6- قصص وأخبار جرت في عُمان، أبو سليمان محمد بن عامر المعولي، مخطوط، المكتبة الوطنية الفرنسية، مخطوط رقم:5126، باريس، فرنسا.
جميع تلك المخطوطات من مقتنيات المؤلف في دارة الدكتور سلطان القاسمي ومنشورات القاسمي في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة. يضاف إلى تلك المخطوطات، وثائق هائلة من الوثائق البرتغالية، والتي كانت معاصرة للأحداث التي جرت بعمان.
إن هذا الكتاب، هو الجزء الثاني من الموسوعة التي أطلقتُ عليها: سلطان التواريخ، فأرجو أن أكون قد أسهمت في جهد من واجبنا في خدمة تاريخ عُمان.

الدكتور سلطان بن محمد القاسمي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/36mkynyt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"