جانب العرض والطلب لإزالة الكربون

21:59 مساء
قراءة 4 دقائق

ريكاردو هاوسمان *

ينشغل المحللون بتقدير كلفة انتقال الطاقة، وينظم المستثمرون المهتمون بالحوكمة البيئية والاجتماعية، أدوات مالية لتمويل مشاريعها الخضراء. ويريد عدد متزايد من الاقتصاديين فرض ضرائب على الكربون لتشجيع الاستغناء عنه. كما يركز البعض الآخر على ضمان أن تتحمل البلدان النامية كلفات التحول إلى الطاقة النظيفة بشكل متناسب، وأن تتخلى، كما هو متوقع، عن مصادر الطاقة الرخيصة مقابل أخرى ذات انبعاثات دفيئة أقل بكثير من انبعاثات نظيراتها المتقدمة.

وتشترك كل هذه الاستراتيجيات الداعمة للتحول إلى الطاقة النظيفة، والإقناع الأخلاقي، والتسعير والتمويل الإضافي في شيء واحد، وهو التركيز على تنمية «الطلب» العالمي لإزالة الكربون، في مقابل غياب جانب «العرض» بشكل واضح عن المحادثات المتقدمة. وبينما يُركز نهج جانب الطلب على الشراء والإنفاق، يتجاهل الديناميكيات الحاسمة للبيع والربح. وهذا يجعل المسعى بأكمله غير فعال ولا عادل وذا تحديات سياسية كبيرة.

إن زيادة الطلب على إزالة الكربون، دون زيادة مقابلة في المعروض، مثل عوامل التمكين الأساسية، كالكابلات والبطاريات والمحللات الكهربائية والمركبات الكهربائية والفولاذ الأخضر والأسمدة وخلايا الوقود، لن يؤدي إلا إلى ارتفاع الأسعار، وإثراء الموردين الحاليين. فعلى سبيل المثال، تعمل اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ على توجيه بوليفيا نحو إيقاف تشغيل محطات الطاقة الحرارية الخاصة بها، ولكنها لا تفعل شيئاً للاستفادة من احتياطيات الليثيوم لديها، وهي الأكبر في العالم. علاوة على ذلك، يتم على نطاق أوسع حالياً تشجيع البلدان على التركيز على انبعاثاتها الخاصة، بدلاً من المساهمة في الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات العالمية، من خلال توسيع إنتاج عوامل تمكين إزالة الكربون.

كما أن التركيز الحصري على جانب الطلب لإزالة الكربون، يُعد غير فعال من الناحية المالية؛ إذ إنه يوجه رأس المال المتاح نحو مصادر الانبعاثات الكبيرة بدلاً من الموردين المحتملين لموارد إزالة الكربون.

ومن الأمثلة على ذلك، مبادرة البنك الدولي «الانتقال العادل للجميع»، التي توفر التمويل للبلدان التي أوقفت استخدام محطات الطاقة العاملة بالفحم لديها. فقد استهدفت المبادرة، حتى الآن، مستهلكي الفحم الرئيسيين مثل إندونيسيا وجنوب إفريقيا وفيتنام، ولكنها لم توجه الدعم إلى البلدان التي يمكن أن تسهم في جانب العرض، مثل بوليفيا وتشيلي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر والمغرب وناميبيا التي يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في دفع عملية إزالة الكربون قُدماً.

إن وجود عالم أخضر مدعوم بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والكتلة الحيوية والطاقة المائية، من شأنه أن يؤدي إلى توزيع أكثر إنصافاً للإنتاج، الذي يفضل كذلك مناطق مثل المناطق الاستوائية والقاحلة، كصحراء سونوران وأتاكاما في جنوب القارة الأمريكية، أو صحراء ناميب الإفريقية.

لقد ركز التحول العادل للطاقة، بشكل أساسي، على تخفيف الخسائر التي يعانيها العمال في صناعة الوقود الأحفوري، وإدارة الكلفات الإضافية المرتبطة بالابتعاد عن مصادر الطاقة هذه. لكن من المرجح أن يكون للتحول إلى الطاقة النظيفة تأثيرات أوسع نطاقاً من الناحية التوزيعية. وتتحمل البلدان المستوردة للطاقة حالياً، كلفات باهظة لشراء الفحم والنفط والغاز، ما يصب في صالح المصدرين لتلك الموارد. لكن يجري الآن حثهم على استيراد عوامل تمكين إزالة الكربون؛ كي لا يصبحوا هم أنفسهم الموردين للانبعاثات.

وفي غضون ذلك، ونظراً لأن كلفة نقل النفط رخيصة جداً، تضاعف نشاط الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل الفولاذ والكيماويات، في البلدان المستوردة للطاقة كاليابان وكوريا وألمانيا. لكن من غير المرجح أن يظل هذا مستداماً في العالم الأخضر المنشود؛ لأنه لو أخذنا بعين الاعتبار أن كلفة نقل مصادر الطاقة المتجددة أعلى بكثير من كلفة نقل النفط، فمن المتوقع أن تنقل الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة قواعدها إلى مواقع أقرب إلى تلك المصادر ميسورة الكلفة.

ولكن النهج الحالي لإزالة الكربون، يتجاهل الترويج لمثل هذا الانتقال إلى المناطق الغنية بالطاقة المتجددة، والتي يقع العديد منها في جنوب الكرة الأرضية، ما يفوّت فرصة جعل العالم أكثر خضرة ومساواة. ومن خلال التركيز على البلدان الرئيسية المستهلكة للفحم، فإن إطار عمل انتقال الطاقة العادل لا يقوم بالكثير لمعالجة عدم المساواة العالمية بشكل فعال.

ولذلك، من شأن الاستراتيجية التي تشمل كلاً من جانب العرض والطلب لإزالة الكربون، أن تخلق تحالفات أوسع نطاقاً لصالح انتقال سريع ومضمون. وإذا تمكنت البلدان من القيام بدورها الفاعل كموردين للعوامل التمكينية للإزالة، فسيكون لديهم حافز للضغط من أجل عالم يعتمد على صادراتهم الجديدة.

قارن هذا الحافز بفكرة أن تركيب الألواح الشمسية وحده، من شأنه أن يولد وظائف كافية لتبرير التحول إلى الطاقة النظيفة. ومع ذلك، لا يمكن أن تصبح هذه الوظائف محركاً للنمو؛ لأن غالبية الإنفاق يتجه نحو منتجي الألواح الشمسية. أما عندما تكون البلدان النامية مصدرة لموارد إزالة الكربون في العالم، فهذا من شأنه أن يمكّنها من خلق تدفقات جديدة من الدخل الوطني والإقليمي، وتسهيل نمو الوظائف على نطاق واسع عبر اقتصاداتها بأكملها.

إن الاستراتيجية السائدة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، تخاطر بجعل الانتقال إلى الطاقة النظيفة غير فعال ومكلفاً ومثيراً للجدل أيضاً.

* وزير التخطيط الفنزويلي السابق، وأستاذ التنمية الاقتصادية في كلية جون إف كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد / بروجيكت سينديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/kb5f8wwk

عن الكاتب

وزير التخطيط الفنزويلي السابق، وأستاذ التنمية الاقتصادية في كلية جون إف كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"