عادي

الإنفاق المتوازن.. منهج الإسلام

22:37 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة : بسيوني الحلواني
معظم الناس في إنفاق المال يقعون بين طرفي نقيض.. البعض ينفق ببذخ ويعتقد أنه حر في ماله ينفق منه كيفما يشاء.. وقد يضطر هذا الصنف من الناس للاستدانة- بما تجرّه عليه من ويلات- لكي يلبي مطالب نفسه.. والبعض الآخر يقتّر ويبخل على نفسه وأهله بما أنعم الله عليه.. وقليل من الناس من ينفقون باعتدال دون إسراف أو تقتير.

والتساؤلات التي تفرض نفسها هنا: هل الإنسان حر في ماله ينفقه كيفما يشاء؟ وما حكم من يستدين لينفق على ملذاته وشهواته دون حاجة أو ضرورة؟ وفي السياق ذاته ما حكم الشرع فيمن يبخل بما أنعم الله به عليه؟ وما ميزان الاعتدال في الإنفاق وفق منهج الإسلام؟

الصورة

يؤكد الفقيه الأزهري د. سيف قزامل أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن الشريعة الإسلامية رسمت للإنسان طريقاً سويّاً وحددت له منهجاً متوازناً في مسألة إنفاق المال لا يجوز له أن يحيد عنه بالسفه أو التقتير وإلا كان (آثماً شرعاً)، فالسفه الاستهلاكي إهدار لنعم الله. ويقول: لابد أن يدرك المسلم أن ما تحته يده من مال هو مال الله، وهو مجرد مستخلف عليه، وهذا الاستخلاف يعني أن ينفقه فيما أحلّه الله وبالقدر الذي وضحته له شريعة الإسلام، فلا تقتير ولا إسراف، وهنا يقول القرآن الكريم في شأن عباد الله المتقين:«والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً»، أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فينفقون فوق الحاجة، وليسوا بمقتّرين يضيقون على أنفسهم وأهلهم ما وسعه الله عليهم.

ويضيف: المنهج الإسلامي في الإنفاق واضح والنصوص القرآنية والنبوية الصحيحة التي توضحه معروفة ومشهورة ويحفظها كثير من الناس، فمن يعمل بها يهتدي إلى طريق الحق والخير والصلاح، ومن يحيد عنها يضل طريق الهداية، ولا يلومنّ إلا نفسه.. فالأمر الإلهي هنا واضح:«ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً».

ويوضح عالم الشريعة الإسلامية أن كل من يهدر المال في غير أوجه الإنفاق المباحة شرعاً (آثم) ولا يقولنّ الإنسان (مالي وأنا حرٌّ فيه) فليس في إهدار المال حرية شخصية، ولو فعل الإنسان ذلك دون أن يحاسبه أحد في الدنيا، فسوف يحاسبه الله على ذلك «يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم».

ويحذر د. عبد الفتاح إدريس أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر من السفه الإنفاقي في كثير من بلادنا العربية، ويقول: ملكية الإنسان للمال لا تعني أن ينفق كيفما يشاء، أو يتعامل مع نعم الله بسفه، وأن ينفق على المباحات وفق هواه، فالإنفاق المتوازن المعتدل هو ما أمرنا به الله وحثّنا عليه رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه.

ويضيف: تعاليم ديننا تحث على الإنفاق المعتدل، وشعار ذلك الإنفاق المتوازن هو قول الحق سبحانه: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا»، ولذلك ينبغي أن يراجع الإنسان كل سلوكياته ليستقيم على منهج الله.

ويوضح أن تعاليم الدين لا تحث على التقشف والحرمان، فالإسلام لم يقل بهذا أبداً، وحرية الاستهلاك في المباحات مكفولة لكل مسلم وفق حالته الاقتصادية، لكن السفه والتبذير حرام، والحق سبحانه وصف المستهترين بنعمه بأنهم (إخوان الشياطين).. لذلك كل ما ننصح به الناس هو الاعتدال في الإنفاق.

ويقول: السفه الاستهلاكي «رذيلة» تلازم سلوك الكثيرين طوال أيام وأشهر السنة، وواجبنا أن نراجع سلوكنا حتى لا نرتكب مخالفات شرعية، لأن السفه الاستهلاكي يدخل بنا دائرة الإسراف المحرم شرعاً، فالإسلام دين اعتدال في كل شيء، ويحرم التقتير- وهو الشح في الاستهلاك- كما يحرم الإسراف، لأن كليهما ظلم للنفس، وتحطيم لقدراتها، وإن اختلفت الوسيلة، كما أن كليهما إهدار للموارد الاقتصادية، وإن كان التقتير يؤدي إلى الكساد فإن الإسراف يقود إلى التضخم كما يؤكد أساتذة الاقتصاد، وكلاهما شر يجب أن نتجنّبه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة» فهذا الحديث يدل على تحريم الإسراف في المأكل والمشرب والملبس، كما أن الإسراف في كل شيء مضرّ بالجسد، ومضرّ بالمعيشة، ويؤدي إلى الإتلاف فيضرّ بالنفس.

يشدد د. محمد رجب المدير السابق للفتوى بوزارة الأوقاف المصرية على أن المنهج الإسلامي في الإنفاق يحمي ثروات المجتمع، ويحقق الاستقرار لكل أفراده على اختلاف قدراتهم الاقتصادية، فلا إهدار لنعم الله فيما لا يفيد، ولا إهدار لثروات المجتمع فيما لا طائل منه، ولا استدانة ترهق الأسر محدودة الدخل والموارد.

ويضيف: المنهج الإسلامي يحفز إلى الادخار، وهو في نظر الشريعة الإسلامية (مطلب شرعي) حيث الإنفاق المعتدل والمتوازن، وحيث الإحساس بقيمة المال وإحسان التعامل معه، وحيث الحث على الادخار من أجل حاجات المستقبل واحتمالاته، وعليه فالادخار أمر تقره الشريعة الإسلامية وترغِّب في اتّباعه، ومشروعية الادخار إسلامياً ثابتة بالقرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الفقهاء.

ويوضح د. رجب حكماً شرعياً مهماً هنا وهو أن الإنسان ليس مطالباً بإنفاق كل ما يكتسبه من مال، بل هو مطالب شرعاً بادخار جزء من الدخل للاستثمار، كما أن الرشد الاستهلاكي الذي يقود إلى الادخار صفة من صفات المؤمنين الصادقين، فالله تعالى يقول في شأن هؤلاء العقلاء الذين يعرفون قيمة المال ويحسنون التعامل معه: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً»، وهذا الرشد الاستهلاكي هو الذي يحمي المجتمع من مخاطر الاستدانة.

وينتهي د. رجب إلى تأكيد أن الرشد الاستهلاكي الذي يقود إلى الادخار، هو في حقيقته صفة من صفات المؤمنين الصادقين.. ويقول: المسلم في إنفاقه للمال مطالب شرعاً بمراعاة ترتيب الأولويات الشرعية في تحقيق مقصود الشريعة، والتي تتحدد بالبدء في الإنفاق على الضروريات وبالحد الذي لا تقوم الحياة بدونها.. ثم الحاجيات وهي المستوى الذي تقوم به الحياة على وجه حسن.. ثم التحسينات التي تقوم معها الحياة على أفضل وجه من رغد العيش والرفاهية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ewwj38y

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"