أدواء العربية بنظرة مختلفة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يخطئ من يرى أن الأوساط الثقافية العربية غافلةٌ عن مؤثرات الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاستراتيجية؟ إذا كان الواقع عكس ذلك بفضل يقظة حيّة ووعي وقّاد، فلماذا لا نشهد أثراً محسوساً ملموساً لرؤية مستقبل الثقافة واللغة العربيتين، من خلال أحداث العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، السودان، لبنان؟ ما هي انعكاسات الانهيارات في تلك البلدان، في جميع الميادين، على اللغة العربية ومكوّنات الثقافة في مقبل السنين؟ هل يتوهم عاقل وجود قوّة عربية تستطيع أن تقول للعرب: لا تحزنوا لما حدث لتلك البلدان، «سنعيدها سيرتَها الأولى»؟ ليس محالاً الحلمُ بظهور معجزة اقتصادية تعود بها المياه المادية إلى مجاريها، لكن الزلازل التفتيتية التي تعبت الفوضى الخلاقة في الإعداد لها، لم تكن لتكتفي بجني ثمارها الخبيثة عقداً أو عقدين لا غير. هذا مشروع عمر، وتُبنى عليه استثمارات شتى.
جرت العادة على أن ينظر الناس إلى الثقافة نظرة ثقافية، وهنا المأساة. النظرة الجادّة يجب أن تكون فسيولوجيةً بيولوجيةً وكذلك باثولوجيةً من خلال علم الأمراض، من ناحية، ومن أخرى اقتصادية. عندما ننظر إلى العربية كجسم كائنٍ حيٍّ، ندرك ماذا يعني مرض أعضاء منه، وعدم تداعي سائر الأعضاء لها بكل أنواع العلاج الضرورية والتغذية السليمة وتقوية جهاز المناعة. لا يوجد مرض على سطح الكوكب، لم تُصَب لغتُنا بما يعادله، من أخمص الرأس إلى قمّة القدم. وباء الأمّية يتفشى. هل رأى الناس وباءً يتفشّى، يتغدّى، يتعشّى باللسان؟ الكوميديا هي أنّ الكثير من اللغويين والمثقفين وعشاق العربية، يتصورون أنها ستستعيد أمجادها بكثرة إلقاء الشعر الكلاسيكي، واستعراض الفنون البلاغية شعراً ونثراً. اللغة يقوم سعدها بقوة أمّتها وبالتنمية الشاملة. الأمجاد التي يتحدثون عنها، كانت عندما كانت بغداد مركز الجاذبية في الكرة الأرضية. هل يدركون أبعاد قول المأمون للخوارزمي: «ضع للناس كتاباً في الرياضيات يحلّون به مشكلاتهم اليومية»؟ قنبلة فكريّة حضاريّة عبّاسيّة، بينما جلّ العالم العربي يروم إنقاذ اللغة والهوية بالبلاغة. ما يعيد أمجاد العربية، التنمية الشاملة بالنهضة العلمية التي تؤدي إلى إنتاج العلوم.
أمّا النظرة الاقتصادية إلى اللغة والثقافة، فأقلّها الخشية على رأس المال والممتلكات من الانهيار. يقيناً، نحن نطرد شبح ما حدث لذلك الصيني صاحب «علي بابا» من سقوط حرّ، فالعربية تعاني وعكةً خفيفةً لها بضعة أعراض تعدّ على أصابع شخصين أو ثلاثة، من بينها استفحال الأمّية، اكتساح العامّية وسائط الإعلام، عدم تطوير تعليم اللغة، قحط مراكز البحث العلمي، دومينو الانهيارات، الشحنات العاطفية في النهوض باللغة بدلاً من المنهجية العلمية...
لزوم ما يلزم: النتيجة التوعويّة: مكانة اللغة والثقافة لا تقاس بكثرة المنتمين، وإنما بمدى فرض وجودهم عالميّاً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3mkyjx5r

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"