ديمومة الفقاعة العقارية في الصين

21:44 مساء
قراءة 3 دقائق

لعقود من الزمن، استخدمت الصين الاستثمارات العقارية لتوليد النمو، مع تركيز جزء كبير من إنفاقها على تشييد مبان سكنية جديدة. وضخت البنوك المدعومة من الدولة قروضاً ضخمة، وباعت الحكومات المحلية سندات لدعم التطوير الحاصل. لكن اليوم، تهدد زيادة غير مسبوقــــة في المعروض السكني اقتصاد البلاد بالكامل، في حين تنخفض قدرة المواطنين باستمرار على شراء مساكن جديدة، خصوصـاً في العاصمة بكين.

ومنذ عام 2000 حتى مارس/آذار 2021، ارتفعت أسعار العقارات فـــــي الصين بشكل مطرد.

وفي مدن مثل بكين، تواصـــل أسعار المنازل النمو ولكن بشكل غير متناسق مع الأجور، لتصبح نسبة سعر المنزل قيــــــــاساً إلى الدخل واحدة من أعلى المعدلات في العالم.

فمتوسط سعر المنزل في بكين يبلغ 40 ضعف متوسط الراتب، وفي شنغهاي حوالي 26 ضعفاً، مقابل ثمانية أضعاف فقط في نيويورك. بالتالي، أصبح السكن باهظ الثمن إلى الحد الذي يجعل الشباب لا يعزفون عن الزواج فحسب، بل باتوا على استعداد متزايد لمشاركة الشقق مع الآخرين درءاً للنفقات.

وفي جانب متصل، لطالما غذى مطورو العقارات الصينيون ديون البلاد عبر الاقتراض والبناء، ولم تكن الشركات تبدي قلقاً بشأن العثور على مشترين. لكن اليوم، ارتفع إجمالي عدد الوحدات الشاغرة بنسبة 21.9% مقارنة بالعام الماضي، وتجاوزت مساحة العقارات الفارغة غير المباعة 650 مليون متر مربع، أي نحو 7.2 مليون مسكن. ولا يشمل هذا الرقم المنازل قيد الإنشاء التي تجمد بناؤها بسبب القيود المالية للمطورين.

وفي اقتصاد السوق الحرة النموذجي، يؤدي الفائض العقاري إلى انخفاض الأسعار بما يتماشى مع القدرة الشرائية للسكان وتحقيق التوازن في نهاية المطاف. ومع ذلك، نفذت الحكومات المركزية والمحلية في الصين سياسات للحد من انخفاض الأسعار هذا. فمن وجهة نظر بكين، هناك مسألتان مهمتان مرتبطتان بعودة أسعار العقارات إلى طبيعتها.

الأولى، استنزاف الوضع المالي للأسرة، حيث إن حوالي ثلثي ثروات العائلات مرتبطان بالعقارات، وقد يؤدي انهيار أسعارها إلى محو الكثير من هذه المدخرات. والمسألة الثانية، أن هذه العقارات تعمل كضمان لقروض بتريليونات الدولارات.

فمع تصاعد ديون الصين بشكل مطرد على مدى السنوات القليلة الماضية، واقترابها من 300% من الناتج المحلي الإجمالي، تمثل العقارات، التي تشكل 25% من اقتصاد البر الرئيسي، 8.4 تريليون دولار من الديون المستحقة على البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، مما يثير مخاوف من أن سيل انهيار القطاع العقاري قد يجرف معه القطاع المصرفي.

وفي عام 2020، ركزت السياسات الحكومية في الصين على خفض الائتمان الموجه نحو قطاع الإسكان للحد من ارتفاع الديون. إلا أن بكين، واستجابة لثلاث سنوات من التباطؤ الاقتصادي، استأنفت تعزيز النمو من خلال البناء وشجعت الإقراض لقطاع الإسكان. ويتم توجيه الكثير من هذا التمويل الإضافي نحو المطورين الحكوميين بدلاً من القطاع الخاص. ومن المتوقع أن تؤدي سياسات الائتمان الجديدة الميسرة إلى بناء المزيد من العقارات، مما يزيد من تخمة العرض، بالتالي تفاقم أزمة الديون.

ومعلوم أنه في وقت سابق، تقدمت إحدى أكبر شركات التطوير العقاري في الصين، وهي «إيفرغراند»، بطلب للحماية من الإفلاس في الولايات المتحدة، وتحاول إعادة هيكلة ديون بقيمة 340 مليار دولار. ونتيجة لذلك، انخفض سعر سهم الشركة إلى حد كارثي. ويقترب المطور الرئيسي الآخر «كانتري غاردن» من التخلف عن السداد، بعد أن أعلن عن خسارة قدرها 6.7 مليار دولار في النصف الأول من العام. وفي سبتمبر/أيلول، تخلفت الشركة عن سداد 22.5 مليون دولار من مدفوعات الفائدة على السندات، قبل أن تتمكن خلال فترة السماح من توفير الأموال.

إلى ذلك، ارتفعت نسبة القروض المتعثرة عموماً في البر الرئيسي بنهاية يونيو/حزيران بواقع 7.6% عن يناير/كانون الثاني من العام الجاري، لتصل إلى ما مجموعه 164.8 مليار دولار، وذلك وفقاً للبنك الصناعي والتجاري الصيني، وبنك الصين، وبنك التعمير، والبنك الزراعي. كما أعلنت هذه البنوك عن زيادات في القروض المتعثرة في القطاع العقاري بنسبة 20% إلى 30%، وشهد البنك التجاري الصيني ارتفاعاً بنسبة 28% في الديون العقارية المعدومة.

ويقدر المحللون أن كمية القروض العقارية المعرضة لخطر التخلف عن السداد تساوي 12% من الناتج المحلي الإجمالي.

في النهاية، لا يوجد الكثير من الحلول الممكنة لزيادة الطلب المحلي على العقارات الصينية، فإما أن يتعافى الاقتصاد وينمو إلى درجة يستطيع المواطنون تحمل تكاليفها، وهذا يستلزم مضاعفة متوسط الدخل أربع مرات إلى خمس مرات، أو أن تنخفض أسعار العقارات بشكل كبير، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى حالات تخلف عن سداد الائتمان على نطاق واسع، مما يهدد القطاع المصرفي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/jwwvbr6n

عن الكاتب

أستاذ الاقتصاد في جامعة «ليتورنو» بتكساس وخبير في الاقتصاد الصيني

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"