أي دور للجغرافيا؟

00:47 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

برغم أننا نعيش زمن التكنولوجيا فائقة الحداثة تلك التي تربط بين البشر في كل مكان، إلا أن البعض لا يزال يرى أن الجغرافيا لا تزال تفصل بين الناس في مختلف البقاع، ليس هذا وحسب، بل يفسرون التاريخ من منطلق جغرافي، بمعنى أن الحدود الطبيعية بين البلدان كانت دوماً العامل الحاسم في التاريخ، وما ينتج عن ذلك من القول بأن تلك الحدود نفسها ستحسم صراعات المستقبل.

تعود أهمية كتاب الصحفي البريطاني تيم مارشال «سجناء الجغرافيا»، صدر عام 2019 وترجم إلى العربية 2022، إلى أنه وزع حوالي مليون ونصف المليون نسخة في الإنجليزية وحدها، وترجم إلى أكثر من 30 لغة، أي أنه لم يبق أطروحة نظرية يتم تداولها بين النخب مثل كتاب «صدام الحضارات» لهنتنغتون، الأمر الذي يشير إلى أن تحليلات الكتاب التي تتطرق إلى مختلف بلدان العالم وتفسر النزاعات جغرافياً، تلقى رواجا بين القراء، وهو يأتي في زمن كثرت فيه تلك الرؤى التي تتجاهل الأيديولوجيا في تعاطيها مع تفسير مسار التاريخ وقوانينه الحاكمة، حيث بتنا نقرأ عن دور الأوبئة والأمراض في ماضي البشر، ودور المناخ الحاسم في حركة التاريخ، والجميع ينتمي بصورة أو بأخرى إلى هنتنغتون الذي قال في تسعينات القرن الماضي إن النزاعات بين البلدان المختلفة في المستقبل ستكون نتيجة للاختلافات والتمايزات الثقافية.

إن الكلام عن العوامل المؤثرة في التاريخ وحراك البشر قديم، تحدث ابن خلدون مثلاً عن دور المناخ في تشكيل طباعنا ورؤيتنا للعالم، ولكن منذ هذا الطرح لم يصعد مؤرخ أو مفكر بالمناخ أو المرض أو الجغرافيا أو الثقافة ليمنح أياً منها دور البطولة في التاريخ، كانت مجرد عوامل مساعدة في تشكيل الأحداث، كانت تلك البطولة حتى وقت قريب للخلافات السياسية والأيديولوجية والاقتصادية، وهي عوامل من صنع البشر، بالإمكان تغييرها، بما يعني أن هناك فرصة للسلام والحوار، ولم تكن تلك البطولة تعتمد على أسباب قدرية لا يمكن الفكاك منها، الأمر الذي يؤبد الصراع، ويدفع كل قوة إلى التوسع بأي شكل بناء على معطيات ثقافية أو جغرافية.

إن منح الجغرافيا البطولة في التاريخ رؤية بائسة، وهي تتسق تماماً مع عنوان الكتاب، فعندما نؤمن بتلك البطولة سيظل البشر أسرى أمكنتهم الخاصة، يتصارعون حول حدودها الطبيعية، ويسجنون أنفسهم وفق شروطها البيئية ويبصرون العالم من منظار ضيق لا يتجاوز مدى رؤيتهم الذاتية التي تخلو من فكرة الآخر وكيفية قبوله والتعايش معه في سلام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/txn3en4a

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"