أكثر من شكل للجهل

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

ما هو الجهل؟ وما هي أشكاله؟ في دراسة قامت بها جمعية علم النفس الأمريكية، ونشر نتائجها موقع «العربية نت»، قال القائمون على الدراسة إن 40% من الناس يفضلون الجهل المتعمد، أي أنهم يتجاهلون معرفة معلومات ما، نظراً لأسباب عدة، منها تجنب الشعور بالذنب، مثل مدير شركة لا يريد أن يعرف أن أنشطته تضر بالبيئة، هنا الجهل حماية للذات من الوقوع في اختبارات أخلاقية قد تؤدي إلى قلق ينتاب ضمير الشخص.

ولكن تنطوي مفردة الجهل في حدّ ذاتها على آفاق أوسع من ذلك بكثير، فهناك مثلاً الجهل الثقافي، أي أننا نجد أمامنا مئات الآلاف من البشر الذين لم يقرأوا كتاباً واحداً في حياتهم، بل وهناك من لا يقرأ نهائياً، وهم بالملايين، وهؤلاء يتابعون وسائل الإعلام، وربما تمرّ أعينهم على عناوين الأخبار فقط، في المواقع المختلفة، الأكثر أهمية من ذلك تلك الكراهية التي يكنّها البعض للمعرفة ووسائلها، خاصة في عالمنا العربي، فمنظر شخص يحمل كتاباً في مقهى، أو وسيلة مواصلات، ربما يواجه بالسخرية، أو الاستغراب، وكل قارئ ربما تعرض لهذا الموقف، مرة أو أكثر، في حياته، وهي ظاهرة تحتاج إلى دراسة نفسية، فالكتاب في هذه الحالة مكروه في حدّ ذاته.

التعصب أيضاً من أشكال الجهل، فالانحياز بشكل أعمى لفكرة، أو رأي، أو تيار، يدفع بصاحبه بعيداً عن الآراء الأخرى، ويجعله أسيراً لوجهة نظر واحدة لا يمكن تغييرها، برغم تغيّر المعطيات من حوله، هو هنا جاهل بتلك المعطيات الجديدة.

بعض الكتب تؤشر عناوينها إلى جهل من نوع خاص، مثل كتب التنمية الذاتية، بشكل خاص، فعناوين مثل «إبق قوياً»، و«قوة الثقة بالنفس»، و«بداية جديدة مع الذات»، و«12 قاعدة للحياة»..إلخ، تؤكد أنها موجهة إلى بشر على جهل بقدراتهم، وكيفية توظيفها في واقعهم اليومي، وهناك عناوين مماثلة تتناول كيف ننجح، وكيف نكون سعداء، وكيف نبني عقولنا، وهي في العمق مقدمة إلى قراء يفتقدون الحدود الدنيا للوعي، وعلى جهل بالحياة، وطرائق الانخراط فيها، والملاحظ أن هذه الكتب ذات توزيع مرتفع، أي أن هناك حاجة إلى ما تطرحه من أفكار.

الجهل فضاء ممتد، ولا يعني عدم حصولنا على المعرفة، أو تجنبها عمداً، وحسب، كما أشارت الدراسة الأمريكية السابقة، ولكنه يمتد إلى وعينا بالحياة، وممارستها، ذلك الوعي الذي يتراجع، للمفارقة، مع صعود التكنولوجيا فائقة الذكاء، والتي كان ينبغي أن تمنحنا معرفة بلا حدود، ووعياً خلّاقاً ويقِظاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/32e7kcf3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"