عادي
دبلوماسية «بناء الجسور» تؤسس لنجاح غير مسبوق للحدث العالمي

«كوب 28».. صفحة جديدة في كتاب الإنجازات الإماراتية

00:01 صباحا
قراءة 8 دقائق
الفرح يعم الفريق الإماراتي مع الإعلان عن فوز الدولة بتنظيم كوب 28

د. أيمن سمير

الإمارات مؤتمر «كوب 28» يكتب صفحة جديدة في كتاب الإنجازات الإماراتية، بعد أن أصبحت الإمارات «العنوان الكبير» لكل الإنجازات الحضارية، ليس فقط على الأرض بل في الفضاء، فمن يراجع تفاصيل «الصورة النمطية» عن الإمارات في كل دول العالم ولدى كل شعوب الأرض، سوف يتأكد له أنها باتت مرادفاً لمعاني النجاح والإيجابية والإنسانية، وكل ما يجمع البشرية حول هدف واحد، وبهذا رسمت الإمارات مكانها ومكانتها بين الأمم والشعوب العظيمة بعد أن أصبحت «قوة للسلام والاستقرار والازدهار»، ليس فقط في غرب آسيا والخليج العربي والمنطقة العربية والشرق الأوسط، بل على مستوى العالم أجمع، وذلك عبر المواقف والقرارات الشامخة التي اتخذتها القيادة الإماراتية على مدار عقود من الزمن، لأن جوهر هذه القرارات ينحاز إلى الإنسان والسلام وكوكب الأرض، وهو ما يقول بوضوح إننا أمام دولة منسجمة مع النفس، ومتصالحة مع القيم والأهداف والأدوات التي تصب جميعها في صالح مستقبل البشرية، الأمر الذي يؤكد أننا أيضاً أمام أمة استطاعت أن «تنظر في عمقها» و«تتحدى ذاتها»، وتصبح نموذجاً في «صناعة النجاح وتصدير الأمل»، أمة ينظر إليها الجميع على أنها رائدة في المبادرة والدعوة إلى كل القيم والثوابت التي تتسق وتتسامي مع زخم وقوة ومعاني التعاون والتآخي الإنساني. ونتيجة لكل ذلك، باتت الإمارات هي «محور التفاعلات السياسية والاقتصادية والإنسانية» في المنطقة وخارجها، وذلك من خلال الأيادي الإماراتية الممدودة للجميع بالخير والسلام، والتي تسعى بكل ما تملك لتحقيق الرؤية الإماراتية القائمة على مبادئ «تبريد الصراعات» و«تهدئه التوترات»، ولهذا يتسابق الجميع للإشادة بهذه الرؤية التي تهدف إلى بناء عالم جديد قائم على التقارب والتشارك وليس الخلاف والتعارك.

الصورة

رغم التحديات الهائلة التي تعصف بالمنطقة والعالم، نجحت دولة الإمارات، ومن خلال علاقاتها الإيجابية مع الجميع، في بلورة مقاربة دولية، جمعت من خلالها الدعم الكامل لاستضافتها «مؤتمر كوب 28»، فالحفاظ على الكوكب، والوصول إلى الهدف العالمي بتخفيض درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية عام 2030، هو هدف إماراتي متناغم مع الأهداف العالمية التي رسمتها اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وبهذا كانت الإمارات من أوائل الدول التي رسمت لنفسها هدفاً طموحاً وغير مسبوق في المنطقة، وهو الوصول إلى صفر كربون «الحياد المناخي» عام 2050، كل ذلك دفع العالم إلى أن يثق بدولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة، حفظه الله، وسمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وكل إخوانهم حكام الإمارات، في قيادة الجهد العالمي نحو الحفاظ على الكوكب خلال المرحلة المقبلة، فما هي الرافعة التي دفعت العالم ليكون لديه هذه الثقة الكاملة والإيمان المطلق بقدرة الإمارات على إنجاز هذا الطموح الذي يرتبط بمستقبل البشرية؟ وكيف تحمل الرئاسة الإماراتية لمؤتمر «كوب 28» كل عوامل وأسباب النجاح رغم التحديات الإقليمية والدولية التي لا تخفى على أحد؟

المقبولية الإماراتية

تمثل الإمارات بدبلوماسيتها الرفيعة، ورؤيتها الفريدة «المساحة المشتركة» التي يمكن أن تجتمع حولها الشعوب والدول من أجل هدف واحد، فلا يخفى على أحد أن توحيد دول العالم، خاصة الدول العظمى والكبرى، حول هدف مناخي واحد، هو أمر يحتاج إلى دبلوماسية مبدعة، وقيادة لا يختلف عليها أحد، ومن هنا جاءت ثقة العالم بقيادة الإمارات واستضافتها لمؤتمر «كوب 28»، فجميع دول العالم التي سوف تحضر مؤتمر«كوب 28» لها بالفعل وجود وحضور في الإمارات التي تستضيف على أراضيها رعايا من نحو 200 دولة حول العالم يحظون بكل فرص العمل والحياة الكريمة، وكما كان هؤلاء سفراء لدولهم في الإمارات، كانوا أيضاً سفراء للإمارات في دولهم، وهو ما يدلل عليه الاستطلاع السنوي لشباب العالم الذين اختاروا «الحلم الإماراتي» لكي يعيشوا ويعملوا في الإمارات، كما أن استضافة الإمارات لمؤتمر «كوب 28» يمثل استمراراً وتعميقاً «للمقبولية الإماراتية» التي يجسدها الكثير من المواقف والقرارات الجماعية الدولية ومنها:

أولاً: العضوية في مجلس الأمن

مع انعقاد مؤتمر «كوب 28»، سوف تكمل الإمارات الشهر المقبل عامين من العضوية الناجحة والفريدة في مجلس الأمن، نجحت خلالهما الإمارات في قيادة الجهد الدولي في مراحل دقيقة من مسيرة العالم والأمم المتحدة، حيث تولت الإمارات رئاسة مجلس الأمن في مارس عام 2022، أي بعد أسبوع واحد من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث واجه العالم لأول مرة إمكانية نشوب حرب عالمية ثالثة، وهو تحدٍّ لا يتعلق فقط بحاضر الدول الأوروبية ومستقبلها، بل ببقاء البشرية وفنائها، في ظل ما رافق هذه الحرب، منذ بدايتها، من تهديدات نووية واتساع رقعتها لخارج الحدود الأوراسية، ويعود النجاح الإماراتي في مجلس الأمن لأسباب كثيرة، لعل أبرزها وضوح الرؤية والأهداف الإماراتية التي تؤمن بالحلول السياسية والدبلوماسية، وأن طاولة المفاوضات تستطيع أن تحل كل الخلافات بعيداً عن لغة البندقية والرصاص، وكان هذا الاختيار لعضوية مجلس الأمن المرة الثانية، بعد أن شغلت الإمارات مقعداً غير دائم من قبل عامي 1986 و1987، ودائماً ما تقوم محددات السياسة الخارجية الإماراتية على أنها «رسالة سلام» لكل شعوب ودول العالم، ولهذا تعد الإمارات من أكثر دول العالم التي تستثمر في «السلام»، ليس فقط بالسعي لوقف الصراعات والحروب، بل لأنها تحاول بناء «بيئة سياسية واجتماعية» داعمة للسلام، ونبذ الكراهية والقبول بالحلول الوسط، ويعود للإمارات الفضل الكبير في طرح مبادرات وأفكار أسهمت في تعزيز السلام والاستقرار العالمي، سواء على المستوى الثنائي، أو على المستوى متعدد الأطراف، حيث لعبت هذه المبادرات «بطريقة استباقية» دوراً في وقف الكثير من الصراعات أو منع تطور الخلافات والنزاعات إلى صراعات مسلحة، وليس هذا فقط، فقد تم انتخاب الإمارات من جانب 180 دولة لعضوية المجلس العالمي لحقوق الإنسان لثلاثة أعوام جديدة بداية من 2022 إلى 2024، ما يعني اختيار الإمارات لعضوية المجلس العالمي لحقوق الإنسان 9 مرات في 3 دورات في آخر 10 سنوات.

الصورة

ثانياً: تمثيل رفيع في قارات العالم

القبول بالرئاسة الإماراتية لمؤتمر «كوب 28»، لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة لجهد متواصل وعمل للبعثات الدبلوماسية الإماراتية في كل دول العالم، فالإمارات لها تمثيل دبلوماسي واسع في كل دول العالم تقريباً، حيث تقيم دولة الإمارات علاقات دبلوماسية مع نحو 189 دولة حول العالم، وافتتحت 110 دول سفارات لها في الإمارات، إضافة إلى 73 قنصلية في الأراضي الإماراتية، ولدى الإمارات سفارات في 120 دولة أجنبية، و15 منظمة إقليمية ودولية، والإمارات هي الدولة الوحيدة في غرب آسيا والإقليم العربي والشرق الأوسط التي تستضيف على أراضيها مقراً رئيسياً لمنظمة دولية هي منظمة الطاقة الجديدة «أيرينا» التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها.

ثالثاً: استضافة «إكسبو دبي»

الإمارات هي الدولة الوحيدة أيضاً في الإقليم العربي والشرق الأوسط وجنوب الكرة الأرضية التي استضافت مؤتمر إكسبو، وذلك عندما شاركت نحو 200 دولة بأرقى الأجنحة في «إكسبو دبي 2020»، وكان نجاح الإمارات في تنظيم الحدث الضخم بمثابة شهادة جديدة على قدرة الإمارات في جمع العالم كله على أراضيها، لأن عدد الزوار وحجم الأنشطة والتفاعلات التي جرت في إكسبو دبي، كانت تؤكد أننا بالفعل أمام دولة رائدة وقادرة وفاعلة، ليس فقط في محيطها الإقليمي، بل على المستوى الدولي، ومن هنا كان من الطبيعي أن يتم إسناد رئاسة الإمارات لمؤتمر «كوب 28».

رابعاً: بناء الجسور

المدقق في روح وفلسفة وتوجهات السياسة الإماراتية، يتأكد له أنها تقوم على مبدأ «بناء الجسور» والبحث عن مصالح الشعوب و«استكشاف الفرص» التي تعزز من التعاون بين الدول والمجتمعات، وبذلت الإمارات جهوداً كبيرة من أجل إقناع الجميع في العالم بأن بناء الجسور أفضل بكثير من وضع الأسوار والحواجز، ولهذا فدولة الإمارات العربية المتحدة من الدول القليلة جداً في العالم التي لها شراكات وعلاقات واتفاقيات ذات طابع استراتيجي مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وتعتمد الإمارات في «تشييد الجسور» مع الآخرين على معايير شفافة وواضحة تقوم على احترام القانون الدولي، وميثاق ومبادئ الأمم المتحدة، وتعد الإمارات كذلك من الدول المبدعة في سياسة «الخطوط المتوازية» التي تسمح لها بالعمل مع الجميع حتى الذين بينهم خلافات، فالفضل كل الفضل يعود للقيادة الإماراتية في تحقيق وقيادة التحول التاريخي في العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، فما يعيشه الشرق الأوسط من تحسن كبير في العلاقات الإقليمية هو من ثمار السياسة الإماراتية التي دائماً ما تعلي من شأن التقارب بين الدول القريبة من بعضها بعضاً، ولهذا تعد الإمارات رائدة «الإقليمية الجديدة»، والهندسة القائمة على البحث في المصالح المشتركة، بعد أن ظلت المنطقة لعقود طويلة أسيرة للانقسامات والصراعات، وهنا تتجلى قيمة الموقف الإماراتي القادر على جمع كل الفرقاء الدوليين على هدف واحد في قمة «كوب 28».

خامساً: دبلوماسية التسامح

تتفرد الإمارات بين دول المنطقة والعالم بأنها «أرض التسامح» وقبول الآخر، والدولة التي تنظر للإنسان لكونه إنساناً، دون النظر لأي اعتبارات دينية أو عرقية أو مذهبية، ولهذا ظلت الإمارات منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، واحة التسامح التي تتصدر كل مؤشرات وأرقام العمل الخيري والإنساني، ومن يراجع المواقف والقرارات والتشريعات الإماراتية، سوف يتأكد له أن الإمارات بلاد «الإنسانية الزاهية»، و«القيم الإنسانية الحانية» على كل ضعيف ومستضعف، وهو ما جعل غالبية سكان العالم ينظرون إلى الإمارات بامتنان وإعجاب، ويعتبرونها «عاصمة الإنسانية» في الشرق الأوسط، وهذه الإنسانية التي تتجلى، ليس فقط داخل الإمارات وعلى الأراضي الإماراتية، بل تصل إلى كل بقاع العالم المسكونة، حيث تعد الإمارات من كبار المانحين في العالم لكل البرامج الإنسانية للأمم المتحدة، ولهذا قالت الاستراتيجية الإماراتية للخمسين عاماً الثانية في مبادئها العشرة: «إن منظومة القيم في دولة الإمارات ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح، وحفظ الحقوق وترسيخ دولة العدالة، وحفظ الكرامة البشرية، واحترام الثقافات، وترسيخ الأخوة الإنسانية واحترام الهوية الوطنية، وستبقى الدولة داعمة عبر سياستها الخارجية لكل المبادرات والتعهدات والمنظمات العالمية الداعية للسلم والانفتاح والأخوة الإنسانية، وإن المساعدات الإنسانية الخارجية لدولة الإمارات هي جزء لا يتجزأ من مسيرتها والتزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظاً، ولا ترتبط مساعداتنا الإنسانية الخارجية بدين أو عرق أو لون أو ثقافة، والاختلاف السياسي مع أي دولة، لا يبرر عدم إغاثتها في الكوارث والطوارئ والأزمات»، لهذا أسست الإمارات مؤسسة زايد للأعمال الإنسانية التي تعمل في 117 دولة، كما أنشأت الإمارات «الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان»، وفق القانون الاتحادي رقم 12 لعام 2021، وقبل ذلك وفي عام 2017 أسست وزارة خاصة للتسامح والتعايش، ناهيك عن إنشاء «مدينة الإمارات الإنسانية» عام 2020، وكل ذلك أثمر عن اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع قراراً يعتبر يوم 4 فبراير من كل عام «اليوم الدولي للأخوة الإنسانية»، وذلك عندما نجحت المساعي الإماراتية في جمع فضيلة الدكتور أحمد الطيب إمام الجامع الأزهر الشريف شيخ الأزهر مع قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية بتاريخ 4 فبراير 2019 في أبوظبي، والذي نتج عنه توقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك».

سادساً: الحفاظ على الكوكب

لم تجد دول العالم «الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ» أفضل من الإمارات لقيادة الجهد العالمي للحفاظ على الكوكب في مؤتمر «كوب 28»، وذلك ليس فقط لأن اهتمام الإمارات بالأرض والكوكب بدأ مع تأسيس الاتحاد الإماراتي، بل أيضاً لأن الإمارات من الدول القليلة في العالم التي تستطيع أن تحشد الدول في مختلف أقاليم العالم، من أجل تعزيز الطموحات الدولية، لتحقيق الهدف المشترك في التصدي لتحديات تغير المناخ، وذلك اعتماداً على التجربة الإماراتية التي تمنح الأمل في وجود إمكانات واعدة للحد من تداعيات تغير المناخ، وبناء عالم أفضل من خلال خلق فرص اقتصادية جديدة، ولهذا كانت الإمارات أول دولة في المنطقة تقبل التحدي المناخي، وتلتزم بخفض الانبعاثات في جميع القطاعات الاقتصادية إلى صفر كربون عام 2050، وهو أمر ليس بجديد على الإمارات التي التزمت باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ منذ عام 1995، واتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون، وانضمت عام 2005 إلى بروتوكول كيوتو الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ولم يقتصر الجهد الإماراتي على الداخل فقط، بل قدمت مساعدات خارجية لحماية الأرض بنحو مليار دولار لدعم الطاقة المتجددة في أكثر من 40 دولة منذ عام 2013.

المؤكد أن الإمارات التي أثبتت نجاحاً وشموخاً في كل كتب «الحكمة الدبلوماسية»، سوف تكتب فصلاً جديداً من النجاح والإبهار، عندما يجتمع العالم من جديد على أرضها في مؤتمر «كوب 28»، اعتباراً من اليوم وحتى الثاني عشر من ديسمبر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n78jk62

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"