عادي

السودان.. بوادر لتسوية الصراع

22:38 مساء
قراءة 4 دقائق
رئيس جيبوتي يستقبل قائد «الدعم السريع» حميدتي

د. أميرة محمد عبدالحليم*
بدأ عام ميلادي جديد ولا يزال السودان يغرق في أزماته التي صنعتها الحرب المدمرة التي اندلعت بين كتلتين عسكريتين، ولم تترك هذه الحرب، على مدار أكثر من ثمانية أشهر، أي أفق للحوار أو للتفكير بين قائدي الحرب في التداعيات والكوارث، الإنسانية والمادية، التي خلّفتها.

الأيام الأخيرة، شهدت العديد من التحولات التي حملت مؤشرات إيجابية حول بوادر لتسوية الصراع في السودان، والعودة إلى الاستقرار، فمع قبول طرفي الصراع الفريق عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو(حميدتي)، للقاء مباشر، وفقاً لترتيبات منظمة (الإيجاد)، خلال الشهر الجاري، إلا أن التحركات والخطابات التي أدلى بها قائد الجيش الفريق البرهان، وقائد قوات الدعم السريع (حميدتي)، خلال الأيام الأخيرة، تشير إلى رغبة الطرفين في إنهاء الحرب ووقف الاقتتال، على الرغم من استمرار المعارك بين قواتيهما، في مدن العاصمة، وإقليم دارفور، وولاية الجزيرة.

جولات وخطب لكسب الشرعية

فمع إعلان منظمة «الإيجاد» في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2023 تأجيل اللقاء بين البرهان وحميدتي، في جيبوتي، بدأ الأخير جولة شملت ثلاث دول رئيسية (أوغندا، وإثيوبيا وجيبوتي)، حيث حرص خلال محادثاته مع رؤساء الدول الثلاث على التأكيد على قبوله للتفاوض من دون شروط، ورغبته في إنهاء الحرب، وكذلك حاول نفي الاتهامات التي تحيط بعناصر الدعم السريع المرتبطة بعمليات النهب، والانتهاكات الإنسانية، والتطهير العرقي، مع حرصه على عقد لقاء مع القوى المدنية السودانية ممثلة في تنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم)، برئاسة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، في أديس أبابا.

وقد أشارت تحركات حميدتي الأخيرة إلى محاولته كسب مزيد من الداعمين لوجهة نظره حول التفاوض واستثمار مكاسب قواته ميدانياً في دعم موقفه التفاوضي، وكذلك جذب القوى المدنية حتى يضمن أن يكون جزءاً من المستقبل السياسي للسودان، بعدما عجز، وكذلك الجيش، عن الاستمرار في خيار حسم المعركة عسكرياً.

وخلال خطابين ألقاهما كل من قائد الجيش، وقائد قوات الدعم السريع، بمناسبة الذكرى 68 لاستقلال السودان، حرصا على تأكيد رغبتهما في إنهاء الحرب، وحماية المدنيين من التداعيات الكارثية لها، حيث نفى حميدتي سعيه للوصول إلى السلطة، وأكد رغبته في وصول السودان إلى حكم مدني ديمقراطي، ودعا القوى المدنية للسعي إلى تحقيق هذا الهدف، في حين أكد البرهان في خطابه الذي بثه التلفزيون السوداني أن الطريق لإنهاء الحرب يبدأ بخروج قوات الدعم السريع من المدن التي تسيطر عليها.

ضرورات تسوية الصراع

يبدو أن طرفي الصراع في السودان قد حسم كل منهما موقفه من استمرار الحرب، وأصبح لديهما رغبة حقيقية في إنهاء الاقتتال، حيث دفعت العديد من العوامل لهذا الاتجاه:

  • فمن ناحية لم يحقق أي من طرفي الصراع أهدافه من الحرب، فعلى الرغم من تقدم قوات الدعم السريع وسيطرتها على ولايات استراتيجية منها أربع ولايات من أصل خمس في إقليم دارفور، ومناطق في إقليم كردفان، وولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدني، إلا أن المعارك بينها وبين الجيش في مدن العاصمة لم تسفر عن التمكن من السيطرة على أي من المواقع العسكرية، فلا يزال الجيش السوداني يسيطر على العاصمة، وعلى التلفزيون الوطني، وتعمل الوزارات الحكومية، وفي مقدمتها وزارة الخارجية في إطار توجيهات البرهان، على الجانب الآخر لم يتمكن الجيش من القضاء على قوات الدعم السريع، أو إضعاف قواتها حيث يصنفها باعتبارها «قوات تمرد»، لذلك أصبح الصراع يدور في حلقة مفرغة .
  • ومن ناحية ثانية، دخول القوى المدنية على خط الأزمة. فمنذ بداية الصراع كان دور هذه القوى غير واضح، ولم يتم إدماجها في جولات الحوار، أو جهود التسوية، ولكن تشكيل جبهة مدنية وسعي هذه الجبهة إلى دفع جهود القوى الإقليمية نحو تسوية الصراع أدى إلى اتجاه طرفي الصراع نحو التفكير في مرحلة ما بعد الحرب، فكيف سيكون المستقبل السياسي للسودان، وربما وجود رئيس الوزراء، السابق حمدوك، على رأس هذه الجبهة شجع قائد الدعم السريع على الحوار معه، لكسب مزيد من التأييد الشعبي له.
  • ومن ناحية ثالثة، تزايد الاهتمام الإقليمي بتسوية الصراع في السودان، حيث شهد الصراع منذ بدايته تصاعداً للشكوك من طرفي الصراع في نوايا القوى الإقليمية، وأهدافها من محاولات تقريب وجهات النظر بين الطرفين، إلا أن منظمة «الإيجاد» والاتحاد الإفريقي، استمرا في جهودهما لعقد لقاء بين قائدي الحرب، واستثمار الروابط التي تجمع بين هذين المسؤولين، وقادة ومسؤولين في إقليم شرق إفريقيا.

تفاقم الوضع الإنساني

  • ومن ناحية رابعة، تفاقم الأزمة الإنسانية. حيث أدى استمرار الصراع إلى انتكاسات خطرة للمواطن السوداني، الذي أصبح لا يجد مكاناً داخل وطنه يشعر فيه بالأمان، فضلاً عن الضحايا الذين وصلت أعدادهم إلى أكثر من 12 ألف قتيل، إضافة إلى تعرض آلاف المواطنين، خاصة الفئات الضعيفة، من النساء والأطفال، لانتهاكات إنسانية، وتطهير عرقي، في ظل عجز واضح للمنظمات الإنسانية عن تقديم العون لضحايا الحرب، وإعلان عدد من هذه المنظمات تعليق أعمالها في مناطق الاشتباكات، ومنها منظمة أطباء بلا حدود، وبرنامج الأغذية العالمي.
  • ومن ناحية خامسة، وصل الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى مرحلة خطرة خلال الأيام الأخيرة، في ظل تصاعد الدعوات بتسليح المدنيين وتدريبهم على القتال للدفاع عن أنفسهم، وممتلكاتهم، ما يفتح مجال أمام الحرب الأهلية، حيث عكست التجارب الإفريقية لتسليح المدنيين لمواجهة التنظيمات الإرهابية الكثير من السلبيات، وأهمها استخدام المدنيين لهذا التسليح في تصفية الحسابات في ظل تصاعد النعرات، العرقية والقبلية والمناطقية.

وأخيراً، يبدو أن القوى الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ترغب في البدء بتسوية الصراع في السودان، وإنهاء الحرب، حيث سينعكس هذا التطور على مصالحها في الشرق الأوسط وإفريقيا، التي تأثرت بدعمها المطلق لإسرائيل في حربها على غزة، وكذلك سيساهم في تفعيل حضورها في القارة الإفريقية، حيث يمكن القول إن واشنطن اعتبرت الحرب في السودان مدخلاً مناسباً لاستعادة أدوارها في القارة، في عهد الرئيس بايدن.
*باحثة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4c5d3pte

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"